أعلنت الثلاثاء الفائت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التي جرت في بولندا في 15 تشرين الأول الجاري. ورغم احتلال حزب القانون والعدالة اليميني القومي المحافظ الحاكم الموقع الأول، الا انه خسر الأغلبية في مجلس النواب، ومعها إمكانية استمراره في حكم البلاد.

حصل حزب القانون والعدالة على 35.38 في المائة من الأصوات، بخسارة قدرها 8 في المائة مقارنة بانتخابات 2019. وبحصوله على 30,7 في المائة وبزيادة قرابة 4 في المائة، جاء " ائتلاف المواطنين” او (منصة المواطنين) الليبرالي، بقيادة زعيم المعارضة دونالد تاسك ثانيا. وحصل التحالف الانتخابي الوسطي “الطريق الثالث” على 14,4، واليسار على8,61.  وكانت قوى المعارضة الثلاث قد أعلنت مسبقا عزمها على التعاون بعد الانتخابات، والآن يمكنها تشكيل الحكومة لحصولها على اغلبية نيابية 248 مقعدا مقابل 196 مقعدا لصالح اليمين الحاكم. وحصل حزب “الكونفدرالية” اليميني المتطرف على 7,16 في المائة فقط، على عكس التوقعات، التي افترضت تحقيقه مكاسب كبيرة، وبالتالي سوف لا يؤثر في معادلة تشكيل الحكومة. وبلغت نسبة المشاركة في التصويت 74,38 في المائة، وهي الأعلى منذ انهيار التجربة الاشتراكية في عام 1989.

أهمية النتائج

تحقيق قوى المعارضة الثلاث الأغلبية، ينهي 8 سنوات لحكم اليمين القومي، الذي كان يطمع بالاستمرار، ولهذا لا يريد الاعتراف بهزيمته السياسية، عبر التأكيد على احتلاله الموقع الأول، ومراهنته الإعلامية على عدم اتفاق معارضيه، او سرعة فشلهم.

لقد اكدت النتائج الاستقطاب السياسي الذي ساد قبل وخلال الحملة الانتخابية، وأظهرت التظاهرات الحاشدة الداعمة للمعارضة الديمقراطية في الرابع من حزيران، وقبل وقت قصير من يوم التصويت في جولة الانتخابات الأولى في الأول من تشرين الأول الجاري، إمكانية هزيمة اليمين القومي المحافظ هذه المرة. اذ اعتمد الصراع الانتخابي على الامكانية القصوى في تعبئة كل معسكر لناخبيه، ولم تشهد عملية التصويت انتقال للناخبين بين المعسكرين.

ومن المهم الإشارة إلى ان اليمين القومي المحافظ جاء في المركز الخامس فقط في الفئة العمرية 18 – 29 عاما، حاصلا على أقل من 15 في المائة من الأصوات. في حين استمر التوزيع الجغرافي للناخبين على حاله مع تغيرات طفيفة لصالح المعارضة. وظلت معاقل المحافظين القوميين هي مقاطعات أقصى الشرق والجنوب الشرقي، وفي المقاطعات الواقعة على الحدود مع ألمانيا حصدت المعارضة أكثرية الأصوات، حيث مشاعر العداء لألمانيا، التي اعتمدها اليمين في حملته الانتخابية أضعف، اذ تم تصوير زعيم المعارضة تاسك، عميلا للمصالح الألمانية.

تحول

القاسم المشترك بين المعارضة الديمقراطية المنتصرة، هو الابتعاد عن السياسات اليمينية القومية، وكسر التحالف الثنائي بين حكومة اليمين البولندي، وحكومة اوربان في هنغاريا، الذي يعد إلى جانب حكومة الفاشيين الجدد في إيطاليا المعين الأساسي لليمين المتطرف الصاعد في اوربا. كما ان هذه الهزيمة ستنهي سياسات العرقلة التي تبنتها بولندا وهنغاريا داخل الاتحاد الأوربي.

على صعيد الصراع بين روسيا وبلدان الناتو فان النتائج ستكون لصالح الأخير، من خلال الانفتاح الواسع على المانيا وبلدان الاتحاد الأوربي. ولكن يبقى المحك الرئيسي في أي بلد هو ملفات العنصرية والملفات الاقتصادية الاجتماعية التي تهم الملايين من البولنديين، ولهذا فان هزيمة اليمين المحافظ تفتح ابوابا لسياسة اجتماعية نسبية لصالح الأكثرية، وكذلك ستؤدي إلى تحجيم النهج العنصري للحكومة المنتهية ولايتها تجاه الأجانب.

الحكومة المقبلة

سرعة تشكيل الحكومة الجديدة، في الأسابيع القليلة المقبلة، تعتمد على سلوك الرئيس البولندي أندريه دودا.  فليس شرطا ان يكلف حزب القانون والعدالة بتشكيل الحكومة، لان الحاسم في الامر تحقيق الأغلبية داخل البرلمانً. ولهذا ينصح العديد من المراقبين الرئيس بسلوك أقصر الطرق وتوفير الوقت الضائع، ارتباطا بالوضع الدولي الصعب، واهمية تشكيل حكومة تملك اغلبية مريحة. ولكن اذ اتبع الرئيس خياراته الأيدولوجية، فسيكلف حزب الحكومة المنتهية ولايتها بتشكيل الحكومة، على الرغم من علمه بعدم قدرته على تحقيق الأغلبية المطلوبة، ليمنح معسكر اليمين المحافظ أسابيع من وقت البلاد الثمين.

ومن الجدير بالذكر فان الرئيس أندريه دودا يمكن أن يتسبب في عرقلة خطط السياسة الجديدة. وطالما بقي في منصبه، فإن العمل الحكومي سيواجه صعوبات جدية.

عرض مقالات: