في عالم تتسع فيه دائرة الحروب، ويشهد نسخة جديدة من توزيع مناطق النفوذ، ويتصاعد فيه نفوذ اليمين المتطرف والفاشيين الجدد، وبالمقابل يتراجع في الكثير من بلدانه دور قوى اليسار والتقدم والسلام،

وتهدد مستقبله كارثة مناخ حقيقية، وتعيش في اطرافه بلدان ليست قليلة حالة من الخراب وضياع البوصلة، كما هو حالنا في العراق. تأتي شحنة امل ومقاومة من القارة اللاتينية التي عانت طيلة قرون مضت من الإبادة الجماعية وأبشع اشكال الاستعمار الاقتصادي والثقافي، وعمليات اجتثاث عنصري قل نظيرها. شحنة الامل هذه عكستها مساهمات رؤساء حكومات اليسار في أمريكا اللاتينية اخيرا خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

لقد دعا الرؤساء اليساريون في أمريكا اللاتينية إلى تغييرات جوهرية في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي. وانتقدوا بشدة النظام المالي العالمي والحرب في أوكرانيا، التي حالت، وفق رؤيتهم دون مكافحة الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ.

اقترح الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي وصف مراسلون صحفيون خطابه بأنه "الأكثر عنفاً وغنائية" في "لغة رائعة"، "إنهاء الحرب وإصلاح النظام المالي العالمي " لمكافحة أزمة المناخ.

وفقا بترو، بدون تغييرات عميقة في النظام العالمي الحالي، ستفشل دول العالم ببساطة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للاستدامة المرسومة حتى عام 2030، والتي لخصها بالعدالة الاجتماعية والبيئية. وبوسعنا أن نرى "فشل الحكومات" في معالجة موجات الهجرة المتزايدة من البلدان الأكثر فقراً إلى البلدان الأكثر ثراءً على خلفية الكارثة المناخية. وحذر من أن تصل اعداد المهاجرين إلى ثلاثة مليارات نسمة في المستقبل.

ولكن بدلا من مكافحة تغير المناخ، "قررنا أن نضيع وقتنا في قتل بعضنا البعض". وأعرب بترو أيضًا عن أسفه للطُلب من أمريكا اللاتينية توفير لسلاح والرجال للحرب، وعدم التعامل مع جميع الحروب على قدم المساواة: ان "نفس الأسباب المقدمة للدفاع عن زيلينسكي يجب أن تنطبق أيضًا على الدفاع عن فلسطين". "وأنا أسأل، ما الفرق"؟ واقترح تنظيم مؤتمر سلام للحرب في أوكرانيا وآخر للصراع في الشرق الأوسط. وان من شأن هذا أن "ينهي النفاق كممارسة سياسية".

وأعاد الرئيس الكولومبي الى الاذهان ما طرحه قبل أسبوع من انعقاد جلسات الجمعية العامة، خلال قمة مجموعة (الـ 77 + الصين)، التي عقدت في العاصمة الكوبية هافانا، حيث أكد الحاجة إلى أموال الدول لمكافحة تغير المناخ وآثاره. وانتقد "الرأسمالية الخضراء" كحل لأنها تعتمد في حال تحقيق الارباح فقط. وبدلاً من ذلك، يستطيع صندوق النقد الدولي أن يوفر حقوق سحب خاصة لخفض الديون الخارجية المستحقة على البلدان الفقيرة. وبدلا من سداد الديون الخارجية، تستطيع هذه البلدان توظيف أموالها لمكافحة أزمة المناخ. وقد أطلق بترو على ذلك اسم "خطة مارشال" عالمية. وأضاف، ان الاقتصاد الخالي من الكربون يتطلب أيضًا إصلاح نظام بنوك التنمية المتعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي. والمطلوب هو منظور ديمقراطي "غير إمبريالي".

ودعا الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو "لولا" دا سيلفا إلى إصلاح المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. لقد أتاح صندوق النقد الدولي 160 مليار دولار كحقوق سحب خاصة للدول الأوروبية في العام الفائت، و34 مليار دولار فقط للدول الأفريقية. وقال لولا إن هذا "غير مقبول". "إذا قامت المؤسسات بإعادة إنتاج عدم المساواة، فأنها جزء من المشكلة وليس الحل". وانتقد لولا الليبرالية الجديدة لأنها تزيد من عدم المساواة الاجتماعية وبالتالي تمهد الطريق أمام "انتهازيي اليمين المتطرف". وباعتباره الرئيس الجديد لمجموعة العشرين، أعلن لولا أنه سيعمل على إصلاح المؤسسات الدولية.

وطالب رؤساء الأرجنتين وبوليفيا وهندوراس وتشيلي بإصلاح المنظمات المالية. واشتكى الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز من أن هذه المنظمات تدغم المضاربات أكثر من دعم التنمية المشتركة. وانتقد قيام صندوق النقد الدولي برفع أسعار الفائدة في كل مرة يرفع فيها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة من أجل كبح التضخم في الولايات المتحدة. وقال الرئيس الارجنتيني: "من السخرية أن مؤسسات الائتمان الدولية تمول أوكرانيا اثناء الحرب، وتفرض عليها اثناء الحرب أيضا أسعار فائدة باهضه. يا له من هراء!". إن احتلال روسيا لأوكرانيا لا يخلف عواقب إنسانية كارثية فحسب، بل، وبسبب تصاعد التضخم العالمي، ويخلف عواقب اقتصادية أيضا.

ويرى رئيس بوليفيا لويس آرسي ان الرأسمالية هي المشكلة: "إن النظام القاسي للاستغلال الرأسمالي يضع إنتاج رأس المال وإعادة إنتاجه فوق حماية حياة الناس ووجود الكوكب". وألقى آرسي باللوم على "غياب إرادة المجتمع الدولي" لوقف "الجهود العسكرية" التي تروج لها "الاحتكارات الحربية المتعددة الجنسيات".

ومن الجدير بالذكر، منذ نيسان 2023، استثمر العالم أكثر من 2.24 تريليون دولار في الأسلحة وصناعة الحرب، كان من الأفضل استثمارها في السلام وتنمية البلدان.

من جانبها أدلت رئيسة جمهورية الهندوراس، زيومارا كاسترو، الحصار والعقوبات المفروضة على كوبا وفنزويلا.

واستنكر الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، ابتزاز الولايات المتحدة المؤسسات المصرفية في جميع أنحاء العالم من خلال إجبارها على الاختيار بين علاقاتها مع كوبا والولايات المتحدة الامريكية.

وبمناسبة الذكرى الخمسين للانقلاب الفاشي في تشيلي على حكومة الوحدة الشعبية بزعامة سلفادور الليندي المنتخبة ديمقراطيا، أشار الرئيس التشيلي غابرييل بوريك إلى المسؤولية المشتركة للحكومة الأمريكية آنذاك. وأدان "الغزو الروسي لأوكرانيا". وقال بوريك إن الدولة التي تم غزوها لا تتحمل المسؤولية عن الحرب بالقدر نفسه مثل الدولة الغازية. كما أدان الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لفلسطين

 

*- نشرت في جريدة المدى في 25 أيلول 2023

عرض مقالات: