قال القاضي المختص في قضايا النشر والإعلام عامر حسن، إن عدد المدانين في قضايا "المحتوى الهابط" في البلاد بلغ 6 أشخاص، في حين يخضع 8 آخرون لإجراءات تحقيقية قد تؤدي إلى تقديمهم إلى المحاكمة، وتشن السلطات العراقية حملة اعتقالات وملاحقة لمن تسميهم "أصحاب المحتوى الهابط"، وهم مؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي، وسط جدل حول مبررات الحملة وتداعياتها على حرية التعبير عن الرأي في الفضاء العام.
ولكن منظمة اليونسكو بدورها أكدت أن مجابهة الخطاب المضلل وخطاب الكراهية والمعلومات المزيفة في العراق، يحتاج إلى مجموعة عوامل ومعايير مشتركة ينبغي توفرها وضمان تحقيقها. وأضافت انها ثبتت جملة اعتراضات على (مدونة تنظيم الاعلام الرقمي لهيئة الاعلام والاتصالات) او اللائحة، ومنذ اكثر من عام، لافتة إلى رفض استخدام وتوظيف محددات حرية التعبير، ومنها التضليل المعلوماتي، كمبررات لفرض حدود قاسية مبالغ فيها على المستخدمين، سواء كانوا صحفيين او مطورين او صانعي محتوى.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن السلطات العراقية تمارس أساليب تعسفية بحق فئة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة أنهم يقدمون المحتوى الهابط. وذكر المرصد في بيان صحفي أن تكييف هذه المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، تكييف غير منطقي، حيث لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، ولا يوجد أي قانون يعاقب على ما سمي بالمحتوى الهابط، كما أن نشاط هؤلاء لا يحتوي على أركان الجريمة التي يعاقب عليها مرتكبها. وأضاف المرصد، انه ليس من واجب السلطات أن تفرض أخلاقيات معينة على المجتمع، وليس من واجبها أيضا أن تعتمد المزاجيات في تحديد ما هو هابط وما هو سام دون أن تكون هناك معايير واضحة وصريحة، تسري وتطبق على الجميع.
واعتمدت السلطات العراقية على المواد (401 ـ 403 ـ 404) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي شرع في فترة حكم ديكتاتوري وبعقلية بوليسية لا تتناسب مع النظام الديمقراطي المفترض الذي أعقب النظام الشمولي الديكتاتوري.
وحسب بيان مرصد ميترو الحقوقي الذي أشار إلى أن هذه المواد تتضمن مصطلحات مثل مخل بالحياء، الفاحشة، الآداب العامة، وهي مصطلحات فضفاضة وغير واضحة، كما أن مقاطع الفيديو والنشاطات العلنية للمعتقلين لم تدخل في إطار لائحة المحتوى الرقمي، وما هو المخل في الحياء أو الفاحشة التي نشروها، ولماذا لم تُعلن السلطات (الجريمة) المحددة لهؤلاء. ورأى المرصد إن تكييف هذه المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، تكييف غير منطقي، حيث لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، ولا يوجد أي قانون يعاقب على ما سُمي بالمحتوى الهابط كما أن نشاط هؤلاء لا يحتوي على أركان الجريمة التي يُعاقب عليها مرتكبها.
وهناك مخاوف لدى اوساط المثقفين من استعمال رقم 111 لسنة 1969 مستقبلاً لتكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير. بالرغم من أن المادة (38) من الدستور العراقي تنص على أن تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل
ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر
ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون
وتضمنت إحدى مواد اللائحة، حسب بيان المرصد، تجريم أي شخص يحض على مقاطعة الانتخابات، مع ان ذلك حق طبيعي لكل مواطن في النظام الديمقراطي، مشيرا إلى إن اللائحة يراد لها ان تتحول إلى قانون يمنح مجلس هيئة الإعلام والاتصالات المكون من أطراف سياسية جاءت بالمحاصصة، صلاحيات رقابية مطلقة وواسعة للتحكم في المحتويات المنشورة.
وأوضح أن اللائحة المكونة من 17 فصلا و36 مادة عقابية، لا يوجد مثلها حتى في الدول الاكثر بعدا عن الديمقراطية.
ولفت المرصد إلى إنه أصبح من الواضح أن الحكومة تسعى لقمع الحريات وكبت الاصوات المعارضة لنهجها، بحجج واهية ظاهرها خير وباطنها يهدد حرية الرأي والتعبير ويكتم الأنفاس.
وجاء في بيان لمجموعة من الصحفيين والكتاب والمحامين، إن معالجة المحتوى الهابط في الأساس، لا يتم عبر الملاحقات القضائية، بل عبر التثقيف المجتمعي، وعبر خلق فرص عمل للعاملين في هذا المجال، والتنبيه إلى أخطائهم والعمل على تطوير إمكاناتهم الفنية واللغة المستخدمة من قبلهم ضمن المسار المفيد مجتمعيًا.
وأثارت اللائحة التي أعدّتها هيئة الإعلام والاتصالات في العراق المعنية بتنظيم المحتوى الرقمي جدلا واسعا بين الأوساط الإعلامية والأكاديمية والقانونية، ولا سيما حول بعض ما ورد في فقراتها من عقوبات تجاه المحتويات الرقمية والمواقع الإخبارية.
وأصدرت هيئة الإعلام والاتصالات اللائحة التي تتألف من 36 مادة و17 فصلا، إلا أن المادة السابعة تعد الأكثر إثارة للجدل، لا سيما أنها نصّت على عدم إفشاء أو تسريب الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات الرسمية السرية إلا بإذن خاص، وهو ما اعتبره متخصصون "جهلا" بطبيعة العمل الإعلامي في الأنظمة الديمقراطية.
وتضمنت اللائحة المسرّبة عبارات يمكن تفسيرها بأوجه مختلفة، مثل الأمن القومي وحماية الأفراد وتهديد السلم الأهلي ومنع تداول عبارات الكراهية والطائفية، وغيرها، مما عدّها متخصصون عبارات تخضع لجملة معايير يصعب تحديدها ووضع تفسير واضح لها.
إن هذه القوانين المجحفة في محاولة لتضييق الحريات ليست سوى تخبط من حكومة غير مرغوب بها تناست كل معاناة الشعب العراقي وحقوقه المشروعة بحياة حرة كريمة، ومطالبه بخدمات وماء وكهرباء وعدالة اجتماعية، وفشلت في ملاحقة المجرمين والفاسدين. ولكي تشغل الناس حاولت تصوير نفسها بانها حامية للشرف والفضيلة والأخلاق عن طريق قوانين ساذجة لا تمت بشيء للواقع والعصر.