يأتي المال الريعي بعيداً عن الانتاج الاجتماعي بمعنى يتقرر مصيره من قبل السلطات الحاكمة القابضة عليه، دون اي خوف او وجل من قرار المجتمع في مستوى خلقه او عدالة توزيعه، سيما إذا ما كانت هنالك سلطات مستبدة وفاسدة. وفي العراق يمكن ان يطلق على الحال انها نتيجة ( لعنة النفط ) حيث وفرة المال جاءت من " حلب الارض " واستخراج معدن الذهب الاسود. دون رحمة بالأجيال القادمة او يُصنع منه زبداً يتغذى منه ابناء الشعب، انما ينهب من قبل فاسدين سراق متنفذين ومحتمين في سلطة مختطفة هي الاخرى.
يجري اليوم تطبيق تلك المقولة " المال السائب يشجع على السرقة " ويأتي من حنكة ودهاء طغمة الفاسدين امعاناً في تطبيع ونشر ثقافة الفساد مما غدا يتم على المكشوف. بلا خشية من قضاء ولا من برلمان ولا من الحكومة التي خرجت اصلاً من خيمة ذات القوى المهيمنة الفاسدة، مما خلق فرزاً طبقياً حاداً في المجتمع العراقي، الذي من المؤمل ان يحكم ميلان توازن قواه المحركة مستوى حدة الصراع وعواقبه غير المحزور عمق نتائجها، وان كان مثل هذا الامر غير مجهول مساره وافقه، الذي يمضي دائماً نحو زيادة واتساع الفقر كنتيجة طردية بمعنى كل ما تضخم حجم الفساد تعاظم الفقر.
وبهذا الاسفاف في علنية الفساد لم تصب الناس اية حيرة في تفسير تردي الحال. ربما هذا ما يعول عليه في نهوض وتفجر ثورة الجياع . وجاءت دراما الدولار وحركته في السوق مؤخراً لتكشف مزيداً من جرائم النهب المنظم . كانت اللعبة لعينة، حيث تم جلب العملة العراقية حتى من الخارج بغية شراء الدولار باي ثمن بهدف التعويض من جهة والضغط من جهة اخرى على الجهات التي اوقفت (بنوك الفاسدين عن التداول بالدولار) وبالتالي زادت التضخم والهبت معاناة الفقراء، ظناً بتراجع تلك الجهات عن ايقاف البنوك الموقوفة.. دون الاكتراث بتردي احوال الناس.. بالمناسبة ان الحكومة العراقية قد دفعت سعر الغاز "الموّرد من الجارة إيران وقدره " سبع مليارات دولار” بالعملة العراقية وفقاً لحكم البنك الفدرالي الأمريكي.
في عراقنا اليوم قد "غلب سيف الفساد العدل ". تجلى ذلك عندما اطلق سراح السارق المحنك نور " ولم يبق تحت قبضة العدالة حتى ساعتين ونصف التي تناظرمن حيث الرقم المليارين والنصف دولارالتي سرقها.. هذه هي صورة غلبة الفاسدين على القوانين وعلى القصاص حينما يتم القبض عليهم . ان مفاعيل ذلك تنم عن بعد لاسابق له، والذي يمكن تقديره بالاستحواذ على سلطة المال والدولة بالمطلق السافر .. ولا عاقل يستبعد ذلك قطعاً، حيث غدا صمت الاجراءات القانونية الرادعة المفترضة هو سيد الموقف. وازاء ذلك يشعر المرء بان المعادلة باتت مقلوبة، بصورة دراماتيكية، وكأن القانون اصبح "متهماً " والفاسد هو صاحب الحق !!!. مع اعتذارنا للقضاء العراقي .
واخيراً سنغادر عام 2022 بعتمة الفساد وخراب منظومة المحاصصة المقيتة التي تشترك فيها كافة القوى الحاكمة، وسندخل العام 2023 عام العشرين من عمر ما سميت بـ " العملية السياسية " وان كانت قد ولدت كسيحة مفعمة بعلل قاتلة. و بعد ان القت بحممها وامراضها العضال على الشعب العراقي الا يحق ان توضع في قفص الاتهام وتجرّم بقصاص التغيير الشامل؟؟ .