أظهرت نتائج الانتخابات النيابية العراقية حجم القوى المقاطعة للانتخابات والتي تنتمي الى توجهات سياسية وفكرية مختلفة والتي فاقت نسبتها أكثر من 54%، وضمت في داخلها مئات الآلاف من الاغلبية الصامتة والمعارضين للعملية السياسية والمحبطين واليائسين من عملية إصلاح العملية السياسية وذلك لعدم وجود أمكانية للخروج من دائرة المحاصصة الطائفية والقضاء على الفساد وتوفير الخدمات والشروع بالأعمار والتنمية ووضع اللبنات الاولى لدولة القانون والعدالة الاجتماعية.
كما رسمت الانتخابات النيابية ايضا خارطة جديدة لتوزيع القوى السياسية في البرلمان ، والتي قلبت فيها موازين القوى والتحالفات الانتخابية ، حيث ظهرت النسب بين التحالفات متقاربة وخسر في الانتخابات العديد من الوجوه السياسية المعروفة ، مما اثار الكثير من اللغط والجدل حول سلامة العملية الانتخابية والاتهام في تزويرها والتلاعب في نتائجها ، مما أضطر الحكومة لتشكيل لجان تحقيق و ذهب البرلمان الى التعديل الثالث لقانون الانتخابات ، في الوقت الذي لم تبقى الا أيام معدودة على نهاية ولايته، ويتضمن التعديل إقالة المفوضية وتعين قضاة بدل عنها، ورافق ذلك محاولة يائسة لتغير النتائج واخفاء حالات التلاعب والتزوير بإشعال الحرائق في مخازن المفوضية العليا للانتخابات في جانب الرصافة من العاصمة بغداد .
وبعد إعلان النتائج النهائية جرت لقاءات واجتماعات ومفاوضات بين التحالفات الفائزة لرسم معالم التحالف الانتخابي الاكبر، فظهر العديد من الاتفاقات الاولية مثل (سائرون، الحكمة ،الوطنية) ، والتنسيق بين دولة القانون والفتح وكذلك تحرك القوى الكردستانية لتشكيل تحالف واحد ، و إعلان تحالف سائرون والفتح ،وظهر جليا تفكك تحالفات أحزاب شمال وغرب العراق وحزام بغداد ، مع ظهور العديد من المفاجئات الانتخابية بفوز تحالف فتح والنصر على حساب الوطنية ودولة القانون والحكمة وفوز سائرون في المرتبة الاولي ، ونظره أولية على هذه الخارطة الجديدة يتبين أن أي تحالف من هذه التحالفات غير قادر على تشكيل الحكومة بمفرده أو بتحالفه مع تحالف ثان ،مما يتطلب ان أن تساهم في الحكومة المقبلة اكثر من ثلاثة تحالفات كبيرة للحصول على 165 صوت لتفوز بثقة البرلمان ، ويترتب على ذلك جملة من القضايا يقف في مقدمتها:
# لا يمكن تجاوز مشاركة القوى المتحاصصة والمتنفذة التي حكمت البلاد خلال 15 سنة الماضية والتي يتحمل أغلبها ماحل في بلادنا من خراب ودمار، في تشكيلة الحكومة المقبلة.
ولهذا يعتبر من الطبيعي ان يذهب تحالف سائرون لعقد اتفاق مع الفتح والتحالفات الاخرى وان فوزه في المرتبة الاولى هو الدافع الاقوى ليكون محور التحالفات التي اشترطها بقبول برنامجه للإصلاح والتغير بخطوطه العامة.
# من الصعب تجاوز المحاصصة الحزبية في توزيع الوزارات ورئاسة الوزراء والتي ستكون شئنا أم ابينا شكلا من أشكال للاستحقاق الطائفي والجهوي حتى وأن كانت حكومة تكنوقراط.
# أن بناء اسس الدولة المدنية الديمقراطية يلاقي صعوبات جدية في ظل سيطرة البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية على مفاصل الدولة وأقتصدها الريعي النفطي. ومن هنا تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يعول عليه سائرون في تحسين حياة الناس والقضاء على الفساد والاستخدام الامثل لمواردنا الطبيعية، سوف يواجه مقاومة شديدة من اللجان الاقتصادية للأحزاب والمؤسسات الحكومة وضغوطات الدول الاقليمية وشروط البنك الدولي وصندوق النقد بخصوص التضخم النقدي والعجز المالي وحجم المديونية الخارجية!!
الحزب وسائرون
لازال تحالف سائرون محور النقاشات في اواسط عديدة ومنها الاوساط الديمقراطية والشيوعية واليسارية من مختلف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية ، والمتعلق في طبيعة التحالف الانتخابي وعملية اداراته والنتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب الشيوعي والتي كان سببها طريقة اختيار المرشحين وعدم وجود هيئات اختصاص للعمل الانتخابي تقوم في تهيئة المرشحين ووكلاء الكيانات السياسية واعداد متخصصين في ادارة الدعاية الانتخابية والعمل على مدار الاربع سنوات في متابعة العمل البرلماني والدعائي ، وقد ظهرت العديد من الدعوات المخلصة المحذرة من تأثيرات سائرون على القرار المستقل للحزب وخسارة الحزب لجزء من جمهوره الذي قاطع التصويت للحزب بفعل تحالفه في سائرون.
لقد ناقش المجلس الاستشاري المنعقد في15 حزيران هذه القضية بشكل مسهب وتوصل الى خلاصات شكلت خارطة طريق للعمل في سائرون من خلال التحذير من المخاطر الجدية التي تواجه بلادنا من خلال محاولة القوى الخاسرة في الانتخابات ومن خلفها قوى اقليمية الى تسعير الصراعات والنزاعات بين القوى السياسية والاجتماعية من خلال استغلال حالة الارباك المتعلقة في عملية التزوير في الانتخابات ، وكان حريق صوب الرصافة في مخازن المفوضية العليا للانتخابات هو الشرارة التي اريد بها احراق العراق و إشعال نار الحرب الاهلية ،لهذا كانت دعوة المجلس الاستشاري الى الحذر واليقظة واستخدام الوسائل السلمية والقانونية في حل النزاعات و إعتماد الشفافية والنزاهة في الكشف عن ملابسات هذه القضايا ومعالجتها.
وأشار بيان المجلس الاستشاري أيضا الى أهمية الربط بين المشاركة في الحكومة والاستمرار في تحالف سائرون أو القبول بتحالف سائرون مع القوى الاخرى مرهون في قبول الاخرين ببرنامج الاصلاح والتغير لسائرون، والذي هو ملزم لأطراف تحالف سائرون وفي حالة الاخلال بذلك فالحزب غير ملزم في الاستمرار في التحالف او المشاركة في التحالف الحكومي مع حقه الكامل في خيراته السلمية بما فيها الانتقال للمعارضة السلمية.
كما جاء في البيان التأكيد على استقلالية القرار الحزبي وسلامة وحدة الحزب واعتماد الحوار الديمقراطي البناء في النقاشات والحوارات في داخل الحزب وبالعلاقة مع جماهير الحزب ومناصريه، ان هذه القضايا والمفردات التي اشار اليها بيان المجلس الاستشاري تشكل محور عملية الديمقراطية والتجديد ومن غير الممكن العمل بهما على صعيد الواقع من دون تهيئة المستلزمات الضرورية لتنفيذها.