لم تعد اللوحة السياسية في العراق قادرة على استيعاب المبادرات والمُهل المبهمة. من حيث فهم مضامينها الغبراء، و من التباس معالم ابعادها الزمنية المتكررة جزافاً. في ظل زمن طاعن في التردي والانحطاط. طاغياً على حياة البلد، الذي تطحنه ازمة شاملة ساحقة قد وصلت مفاعيلها الى حافاتها الحرجة، التي تنعدم فيها القدرة على الحيلة او وجود الحل، حيث يغدو كل شيء بعد حصول انفجارها رماداً بركانياً يزكم العقول قبل الانوف.
بفعلها اصبح الشعب العراقي كالسجين الذي لا يهيمن على تفكيره سوى البحث عن سبل كسر القيود، او هدم الاسوار، للنفاذ الى عالم الحرية.. والحرية هنا لدى الشعب العراقي اليوم تتمثل بتوفير رغيف الخبز، والسقف الواقي من البرد والحر، والرعاية الصحية، والتعليم الواعد، ومكافحة الفساد بسيادة القانون والعدالة الاجتماعية.. لم يبق مواطن عراقي يجهل اسباب فقدانه لمستلزمات العيش الكريم، التي تكمن مباعثها في الفساد وفقدان الروح الوطنية لدى الحكام، الذين ديدنهم النهب والسطو المقننين بحماية سلطة المحاصصة. نعم هذه امور غير مجهولة . ولكن ثمة مسارب فساد خطرة اخرى لا مرئية تسمى { الدولة العميقة } لا احد يعرف عمقها اوابعادها الاقليمية والدولية.
من باب الاستدراك لابد من قول: ربما تتوفر للمرء المتابع القدرة على تلمس بعض مكامن مبعث ديمومة الفساد والتعطيل للحياة.. حينما يتمكن من ان يفكك ما يرشح على السطح من ازمة الانسداد المُبارك برضا بعض الاوساط الخارجية. فالمعطيات والمؤشرات التي ليست بحاجة الى عناء في الكشف عنها والصادرة عن هذه الجهة السارقة المتصيّدة او تلك الاستعمارية الطامعة. كل ذلك كفيل بتشكيل اصفاد تقيّد ايدي حتى من يتقدم بمبادرة فيها نفس ذا مصداقية، و تكبحه عن المضي نحو تجاوز خطوط الصد، التي لاتخلو منها اية طريق مفضية الى حل ملح ومطلوب . .
وكان رد الفعل حولها قد حدا بالناس ان تلجأ للسخرية منها حينما تسمع بوجود مبادرة لدى هذا الطرف او ذاك، ويقارنونها بتشكيل اللجان التحقيقية التي سرعان ما تقبر في ذات الزمان والمكان . وعلى الاغلب الاعم تاتي المبادرات مراوحة عاجزة .. بين ايدينا مثل دال على خواء بعضها. وعلى سبيل المثال وليس الحصر جاءت مبادرة السيد " هادي العامري " مسؤول في " الاطار التنسيقي" حيث طلب فيها من " التحالف الثلاثي " صاحب الاغلبية ان { يأتي اليه لكي يتنازل } .. ما هكذا تحل الازمات. كان الارجح ان يذهب الاطار الى التحالف ليقول ها نحن جاهزون للتنازل مؤطراً فحوى تنازله باريحية بالغة لحسن النية. ومن ثم يطلب من" التحالف الثلاثي" التنازل المتقابل وبذلك يضعه تحت طائلة الاختبار في حومة الحرص على مصالح الشعب والوطن.
وهنا يتساءل المواطن الموجوع جوعاً وحرماناً ومهدور الكرامة: عن سبب التردد الذي يصيب من صوتت له اغلبية الناس وما برحت تؤده وتعتز به، لكن ظل عزمه يفتقر للنهوض الثوري، المتجاوب مع ذلك الدعم الجماهيري المشهود له. ان ظاهرة السُبات السياسي ابان جلبة صاخبة، امر معيب وعليه مآخذ ترقى الى عتبة العتاب والحساب. فمنه العبرة تؤخذ، وربما تصل حالة اعادة النظر في عملية الاختيار، مع ان طريقها غير معبدة، وبخاصة مع جماهير كانت وما زالت وسوف تبقى تقرأ الممحي. وتكشف المستور، لاسيما وانها مشحونة لحد الانفجارالعاصف. فهل يُدرك ذلك ؟؟؟