لم يفارق شاعرنا الرصافي جادة الصواب -حاشاه طبعا- حين أنشد قبل مايقرب تسعين عاما:

كلاب للأجانب هم ولكن

                  على أبناء جلدتهم أسود

  إذ مازلنا حتى اللحظة نكتشف حقيقة ماقصده الرصافي حينذاك، فمع كل وجه جديد يتصدر سُدة الحكم في بلدنا، تكثر الترحمات على من سبقه كما قال مثلنا الدارج: "يروح معيط يجي أمعط ". ومعيط هو الذئب الذي يتنطط ويتقافر على الأشجار لشراسته، مايتسبب بـ (معط) فروته، وحين نفق الأخير ظن أهل الديرة أن شره مات معه، غير أن ابنه "أمعط" جاء بشرور أشد ضراوة من سلفه، وقصته يعرفها أغلبنا.

  ومن اللطائف، أن رجلا حضر السوق وبصحبته كلبان للبيع، أحدهما كبير والآخر صغير، وقد فرض سعرا للكبير دينارا واحدا، أما الصغير فقد قيّمه بخمسة دنانير، فأثار هذا العرض تعجب الحاضرين، فاستدرك البائع دهشتهم وقال لهم: أما الكبير فسعره هذا لأنه كلب، وأما الصغير فسعره أغلى لأنه كلب ابن كلب، و"إياك أعني واسمعي ياجارة".

  ومادام حديثي عن الكلاب، فمن باب الإنصاف ذكر محاسنها ومساوئها على حد سواء، فمعلوم أن خصلة الوفاء لديها تفوق أغلب البشر، فالأخيرون تفوح منهم راحة الغدر أنى توجهوا، وقد جسد هذا شاعر الأبوذية حين أنشد:

وحگ البلمهد ربه وحى له

الدنيا وياي للهامة وحالة

صديجي علي هد چلبه وحله

الچلب رد وصديجي هد عليه

  وللكلاب محاسن أخرى لست بصدد عرضها ههنا، أما مساوئها فإنها لاتصل عشر معشار مايصدر من البشر، وقد قال صاحب الدارمي في هذا:

الچلب يذكر طيب لمن تربيه

ينگلب عگرب ليش ابنادم شبيه

  ومادام الشيء بالشيء يذكر، فإن الأعوام التسعة عشر الأخيرة، شهدت - ومازالت تشهد- أقوالا وأفعالا يتبجح بها أرباب الحكم في عراقنا، دون وازع من حرام أو رادع من عيب، ومن الجدير بالذكر أنهم لم ينقلبوا إلى عقارب بحكم مناصبهم، فقد اعتلوها وهم عقارب جاهزة ومدربة على التحايل والالتفاف، يسندهم بهذا الدستور الذي وضعوه بأيديهم "على عجالة" كما يدعون، فلقد سوغت بنوده وفقراته ومواده أباطيلهم وسحتهم باستباحة البلد وبيعه، أرضا وماءً وسماءً وشعبا وخيرات، لها أول وليس لها آخر.

  وقد فاقوا العقارب بطبيعتها ودورة حياتها، فمعلوم أن الأخيرة تموت بعد أن تفقس بيوضها في بطنها، تاركة لهم دورهم في الحياة، أما ساستنا، فإنهم متمسكون بتلابيب كراسيهم بما أوتوا من قوة، تاركين حبل مصلحة البلاد وملايين العباد على غارب اهتماماتهم، فجل همهم واهتمامهم هو مايحققونه من أرباح ومنافع مادية شخصية وفئوية.

  وهكذا دواليك، حتى آل مآل البلاد إلى مالاتحمد عقباه، وأضحى الفائز دوما والحائز على أولى الدرجات والمرتبات عالميا في الفقر والفساد والبطالة، ويقترب بخطوات عجلى إلى نيل وسام الصدارة، في المخدرات تعاطيا وترويجا وتجارة، و "گرة عينكم" ياحكامنا.

عرض مقالات: