تعمل البرلمانات في الدول الدستورية على لمّ شمل شعوبها و توحيدها من اجل الرفاه و التقدم الإجتماعي و من اجل السلم و السير على طريق تحقيق الرغد و السعادة لمكوناتها بتلبية مطالبها اليومية و ايجاد حلول لما تعانيه .  .  امّا برلماننا الديمقراطي جداً فقد سد اذنيه و عينيه عمّا جرى و يجري، و بقي غالبية اعضائه و اعضاء كتله الحاكمة مشغولين بتحقيق مكاسبهم و ارباحهم الأنانية، التي ازكمت روائحها الانوف و جرى عرضها في الاعلام الداخلي و الخارجي و رغم انواع المناقشات و التنبيهات الاعلامية التي شارك فيها عدد من اعضائه المخلصين لقضية الشعب .  .

و ازدادت مطالبات الحشود الاحتجاجية للبرلمان بضرورة وقوفه بوجه الفساد و انانية الحكّام و لاأباليتهم التي قادت الى مذابح كما جرى في سبايكر و سقوط الموصل و السبي الدموي و العرقي للمكوّن الايزيدي و اضطهاد و تهجير المكونات المسيحية و سقوط ثلث البلاد بيد داعش الإرهابية الإجرامية، و غيرها الكثير التي تسببت بخراب شامل في البلاد، و لايتسع المقال لتعدادها.  . التي لم يلعب البرلمان دوره لإيقافها و محاسبة المسؤولين عنها .

حتى انفجر الغضب الجماهيري في انحاء البلاد بهتاف " باسم الدين باكونا الحرامية " الذي وحّد البلاد من اقصاها الى اقصاها و حتى اجتاحت الحشود الشعبية المتنوعة المنطقة الخضراء و دخلت بناية البرلمان مطالبة بالإصلاح و محاسبة الفاسدين و انقاذ البلاد، يوم هرب عدد من البرلمانيين ممن تواجدوا هناك، مذعورين خائفين من قصاص الشعب .

و انسحبت الحشود توافقاً و كي لاتؤذي المسيرة التي رُسم لها ان تكون ديمقراطية توافقية مؤسساتية، بعد ان تشظىّ البرلمان و بعد ان وعدت الحكومة و كتله بالاصلاح و بمحاسبة الفاسدين و معاقبة كبار المذنبين .  . الاّ ان البرلمان طوى صفحات الفساد و استمر سكوته عنها بتصورات متنفذي اعضائه بان انتصار الشعب و قواته المسلحة بكل انواعها و فصائلها على داعش الاجرامية، سيحميه من المسائلة و من عقاب الشعب، و ان الشعب مشغول باحتفالات النصر.

و الآن، و للتهيئة لإنتخابات 2018 ، و منذ عام مضى تواصلت انواع النشاطات و المطالبات الجماهيرية و الإعلامية و دارت انواع الفعاليات التي راح بسببها عشرات الضحايا بين قتيل و مختطف و موقوف قيد التحقيق ممن لايعرف اين و ماذا عن مصيرهم .  .  التي طالبت البرلمان بالغاء سانت ليغو 1.7 اللاديمقراطي الذي يقطع الطريق امام الكتل الصغيرة و النزيهة في زمان تغوّل كتل الفساد ، و طالبت بقانون انتخابات عادل قائم على المواطنة و الغاء المحاصصة التي صارت اساس الفساد.

و تصاعدت المطالبات باعادة تشكيل مفوضية الانتخابات على اساس تشكيل الهيئات المستقلة دستورياً و على اساس النزاهة و الكفاءة و ابعاد مفوضية الانتخابات عن هيمنة المحاصصة، بعد ان اثبتت في المرات السابقة عن خضوعها للكتل الحاكمة الطائفية التحاصصية و طالتها انواع الاتهامات بالفساد، و التي اغلقت و وضعت على الرف حينها.

ثم تصاعدت الصيحات مطالبة بتدقيق قوانين العفو الجديدة التي شملت اعداداً من الارهابيين و الصدّاميين، و منعهم من الترشيح للانتخابات اضافة الى منع ترشيح من تطولهم الاتهامات و الاحكام بسبب الفساد و نهب المال العام ، و المطالبات بتوضيح و كشف الذمة المالية للمرشحين لانتخابات 2018 و التي لم يلتزم بها بعدئذ سوى مرشحي قائمة " سائرون " ، و غيرها من المطالبات المتعددة و التفصيلية لضمان انتخابات نزيهة.  

لقد اهمل البرلمان كل ذلك و بقي صامتاً تابعاً للكتل الطائفية الحاكمة و مشغولاً بصرف مخصصات مليونية جديدة لأعضائه، اضافة لإنشغال العديد من اعضائه بإعداد الترتيبات لترشيحهم و فوزهم في انتخابات 2018 ، و بكيفية حماية ممتلكاتهم و ما ربحوه من الدورة البرلمانية السابقة في حالة رفع الحصانة عنهم .   

و اخيراً اجريت الانتخابات وسط انواع التنبيهات و الجهود لضبط نزاهتها و كانت نتائجها، و كأنها نتائج استفتاء على رفض المحاصصة و الفساد، بعد ان كانت نسبة عدم المصوتين ممن يحق لهم التصويت اكثر من 50 % بسبب السخط و الكراهية للحكام الجالسين في مؤسسات الحكم و لخططهم، الذين اهملوا الشعب  .  .

و فيما فازت " سائرون " بأعلى عدد من المقاعد البرلمانية و سقط العديد من كبار البرلمانيين فيها، ممن لهم الحول و القوة و الذين نحوهم تُوَجّه انواع الطعون و الاتهامات .  .  و تحرّكت "سائرون " سريعاً لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، كما كان يجري بعد كل اعلان عن نتائج الإنتخابات رغم الطعون كما في كل انتخابات سبقت، متفاوضة على البرنامج الداعي الى التحول من المحاصصة الى المواطنة، كمرحلة انتقالية للتغيير .  .

تحرّكت دوائر و شخصيات ايرانية في مقدمتها الجنرال سليماني، تحت غطاء التهنئة بنجاح الانتخابات .  .  تحرّكت مثيرة انواع الإغراءات و التهديدات و كأن البلاد ملكها، و حرّكت معها انواع البرلمانيين الخاسرين من الكتل المتنفذة، للاعتراض على نتائج الانتخابات بكل الطرق . . من الغاء نتائج و الغاء محطات، و وصولاً حتى الى الغاء الانتخابات ككل كما يطرح بعضهم، رغم اهمال البرلمان و كتله المتنفذة باعضائها الخاسرين ذاتهم، كل المطالب الآنفة الذكر في اعلاه لضمان نزاهة الانتخابات، فيما يصف حريصون مستقلون الاعتراض، بكونه اعتراض على فقدانهم السلطة بتلك النتائج، اي فقدانهم المال و الحصانة و الارباح  .  . 

في وقت. . قطعت فيه دوائر ايرانية الكهرباء و الماء، علماً بأن كهرباء العراق الآن و خاصة في الجنوب في غالبيته ايراني مدفوع الثمن، و يحذّر فيه مراقبون من مخاطر صراع خفيّ تسوقه الجهات و الافراد الاكثر تطرفاً من عراقيين و ايرانيين من اجل الوصول الى بناء دولة اسلاموية في البلاد .  . ناسين و غير مبالين بأن (المشروع الإسلامي العراقي ) قد شوّهه و سرقه الحرامية عندما جرى تعيينهم على مقاعد الحكم .  .  كما عبّر عنه شعار مئات آلاف المحتجين نساء و رجالاً و بغالبيتهم الشيعية " بإسم الدين باكونا الحرامية ".

و بعد حالة الاغماء التي اصابت البرلمان من النتائج، اجتمع البرلمانيون الخاسرون في محاولة لعقد جلسة لمجلس النواب و من جلسة المداولة الى الجلسة الإستثنائية قرروا اعادة الفرز و العد اليدوي و اغلاق صناديق، في حالة تثير القلق من حصول فراغ دستوري لامخرجاً دستورياً له في حالة انتهاء اعمال مجلس النواب الحالي في 30 حزيران القادم.

لأن الاسئلة الاساسية بقيت قائمة، و التي هي :  من سيضمن نزاهة العد والفرز اليدوي؟ من سيختار القضاة التسعة المشرفين على العملية؟ و من سيقوم بها فعلا غير ذات موظفي المفوضية الموزعة ولاءاتهم على المحاصصة و على من جاءوا بهم؟ في وقت دبّ في التحرك السريع لتكوين الكتلة البرلمانية الاكبر، الفتور.


عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

7 / 6 / 2018

عرض مقالات: