توشك الحرب الروسية الأوكرانية أن تطوي إسبوعها الثاني دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل في وضع أوزارها، ومن ثم الدخول في مفاوضات جدية بين الطرفين المتحاربين لإيجاد تسوية دائمة بينهما تضع حداً للتوتر بين التوأمين الجارين وبناء علاقات طبيعية. ومن الواضح  ‬أن روسيا آخذة في الغوص في المستقع الأوكراني، وإن ورطتها فيه تتعاظم كلما طال أمد الحرب، وما ذلك إلا لأنها لم تمهد الأرضية  مسبقاً-بما فيه الكفاية- لخوض مغامرتها العسكرية على مختلف الجبهات،لا العسكرية فقط،إذ أن الجبهات الداخلية والإعلامية والاقتصادية والدبلوماسية ذات أهمية قصوى في إسناد وتعزيز أنتصارات الجبهة العسكرية، أو تخفيف هزائمها وتحويلها إلى انتصارات، ويبدو ثمة غياب لدراسات مسبقة للنتائج المحتملة للحرب، والتي من خلالها يتشكل ميزان الربح والخسارة الذي ستجنيه الدولة من خوضها لتقرير الكفة الراجحة لصالحها، بحيث لايُتخذ قرار الحرب إلا بعد أستنفاذ كل الوسائل الدبلوماسية والسلمية الممكنة، وفي ضوئها يمكنها أن تتحيّن التوقيت المناسب حال فشل الوسائل السلمية. وبدا بوتين كرئيس دولة وقائد عسكري لم يطلع على مقولة القائد العسكري الصيني صن تزو المأثورة " من لا يستطيع تقدير خسائر الحرب لن يستطيع تقدير مكاسبها". ومن الواضح أن الرئيس الروسي بوتين غلّب  مطامحه الشخصية لإعادة انتخابه لولاية خامسة على المطالب الأمنية القومية المشروعه لبلاده،وإن تكن هذه ليست بالضرورة أن تُحل بالقوة العسكرية.  

ويمكن القول بناء على ماتقدم أن أبرز ثغرات القوة الروسية تتلخص فيما يلي : 
1-لم تقم القيادة الروسية بتقوية صلاتها بالجبهة الداخلية (الشعب) وتأهيله لاحتمالات الحرب وأن معركته مع شقيقته الجارة أوكرانيا معركة وطنية مصيرية، هذا على أفتراض أنه سيخوض حرباً وطنية عادلة، وبدا أن الشعب الذي مل الحروب ويعاني من أزمات اقتصادية طاحنة غير مبال بمجريات الحرب بل أضحى قلقا على أمنه ومستقبله المعيشي  .  
2- لم تقم القيادة الروسية بإصلاحات في القطاع الإعلامي الذي بدا أسيراً لتقاليد طابعه الشمولي السوفييتي المزمن في الجمود ويفتقر للتخطيط والتطور بما يؤهله لشن حملة إعلامية نفسية. 
3- بدا واضحاً أن موسكو  بوغتت بطوفان العقوبات الاقتصادية والإعلامية الغربية( سيما في مجال السوشيال ميديا والفضاء الإعلامي الذي تتحكم فيه واشنطن).
 4- قللت موسكو  من أهمية القيام بحملة دبلوماسية دولية لتحشيد أكبر عدد من دول العالم حول مشروعبة قضيتها الوطنية فيما يتعلق بمخاطر وصول حلف الناتو إلى  حدودها وتجاهل كييف والغرب لكل مساعيها الدبلوماسية لحل القضية بالطرق السلمية المشروعة، وذلك بغية كسب أكبر عدد ممكن من الدول إلى صفها أو تحييدها وكسب تفهمها، ولعل فشلها الذريع في نتيجة التصويت الأخيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي أدان بأغلبية كبيرة تدخلها العسكري في أوكرانيا يكشف تماماً هذه الثغرة على الجبهة الدبلوماسية التي لم تأخذ لها حساباً مسبقاً . 
والحال أن حساسية القيادات السوفييتية المتعاقبة لعواقب الحروب في ضوء دروس ما تكبدته الدولة السوفييتية في الحرب العالمية الثانية من دمار هائل وملايين القتلى- حيث كانت الدولة الأكثر تضرراً في الحرب - يبدو أكبر من حساسية وعقلانية القيادة الروسية الحالية المتمثلة في بوتين. 
ينسب أناتولي جروميكو (نجل وزير الخارجية السوفييتي الأشهر والأطول في منصبه أندريه جروميكو مدة في منصبه)..  ينسب باعتزاز  إلى أبيه هذه المقولة: " أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات أفضل من أن تخوض حرباً ولو ليوم واحد" فأين بوتين الذي ضحى والديه في الحرب وتجرعا مرارتها من هذه المقولة؟

 

عرض مقالات: