مع تنامي سطوة الأحزاب الإسلامية الإخوانية والمذهبية الطائفية في الشرق الأوسط ، صاعد المتشددون من تلك الأحزاب والمذاهب الإسلامية آيدولوجيتهم المعادية للمكونات العرقية غير الإسلامية في حراكها داخل المجتمع ، وبصورة خاصة في العراق وسوريا ، حيث كونوا ميليشيات مسلحة تهتدي بالشريعة الإسلامية ، ومافيات إمتصت أرزاق معتنقي الديانات غير الإسلامية بقوة ما حملوه من سلاح خارج الدولة في وسط وجنوب العراق ، وكادت بعض مناطقهما تخلو من تواجدهم نتيجة ما قامت به الميليشيات السائبة من عمليات قتل وتهديد وإختطاف المسيحيين والصابئة المندائيين ، زارعة بذلك الهلع والرعب بين أوساطهم ، مما إضطر البعض منهم بيع ممتلكاته بأبخس الأثمان واللجوء إلى أماكن آمنة ، بينما البعض الآخر لم يجد من يشتريها لإتفاق المتمكنين إقتصاديا بعدم شرائها ، لأنها ستصبح غنائم مستباحة عندما يتركوها .(على أمل العودة اليها عندما تنقشع الغيوم عن سماء العراق ). ومع تزايد وسائل وفرص التزوير، فقد زورت وثائق تمليكها بعمليات بيع وشراء و لعدة مرات لتغييب ملكيتها، هذا كان قبل إحتلال داعش لثلث أرض العراق وما جرى من بعد ذلك من تراكم غيوم أكثر إسودادا في سمائه، وخاصة عند دخولها سهل نينوى، حيث إنضم لمحنتهم الأيزيديون، وكلاهما سبيت نساؤهم ولم يسلموا حتى في مخيمات نزوحهم من أشرار المتأسلمين، فتفاقمت أزمتهم وأضحى مستقبلهم مبهما يتصارع مع رغبة البقاء والرحيل.
لقد بلغ عدد عقارات المسيحيين التي تم الإستيلاء عليها بدوافع طائفية 23 ألف عقار. وكانت تقف وراء ذلك عوامل عدة في مقدمتها قبول بعض الأطراف السياسية المسيحية التي أعلنت تبنيها لقضايا المسيحيين قبول التعاون مع عناصر طائفية حاكمة كواقع تمليه مصالحهم ، فأدخلوا القضية القومية لمسيحي العراق بتعقيدات وأجواء تجاذبات داخلية شهدتها الساحة السياسية العراقية ، مما يدلل على غياب سياسة جمعية متزنة ترعى مصالح المسيحيين ، بل تَشَجع البعض منهم على الركض وراء الفتات التي قدمتها الكتل والأحزاب الإسلامية الحاكمة لضمان سكوتهم ، فشُلت حركة التصدي الحقيقية التي هضمت حقوقهم القومية ، في أجواء تغييب الديمقراطية الإجتماعية ، حتى أن ثقافتهم وتراثهم الحضاري الموروث جُهل وغُيب بشكل متعمد ، ناهيك على محاربة أرزاقهم . وبذلك تواصل العمل على خلق كل ما من شأنه أن يضطروا فيه ترك موطن أجدادهم.
كم كنا نتمنى ان لا ينقاد بعض ضعاف النفوس في قيادة بعض الأحزاب المسيحية وراء المصالح الذاتية ،وأن لا يستميلوا إلى المساومات والتجاذبات وعدم الرضوخ لسياسة إبتلى بها الشعب العراقي فرق تسد منذ عقود ( تنافس سبعة أحزاب على خمسة مقاعد من الكوتا المسيحية) . مع سيلان لعاب بعض الكتل للسيطرة عليها . فبدلا من العمل على ما جاء به رؤساء الكنائس ، من دعوة جادة لقيادات الأحزاب المسيحية للإجتماع جميعا لدراسة عملية الدخول للإنتخابات بشكل جمعي وبقائمة واحدة ليؤكدوا إستنكارهم لما تخططه الكتل الكبيرة من السيطرة على الكوتا من جهة وإيقاف حالة التشظي التي لا زمت أوضاعهم منذ 2003. لقد قابل مسيحيو العراق ما أتخذ بحقهم من إجراءات باسلحة السلام (الصلاة والعيش المتناغم) ، لكونهم ينبذون إستعمال السيوف ويتمسكون بمحبة الناس وغفران الخطايا بصحوة لا تقودهم الى الظلام . ومع ذلك ليومنا هذا لم يقدم للمسيحيين ما يتناسب مع ما قدموه من عطاء لخير عموم الشعب والوطن ، فقد تواصل تهميشهم لدرجة أن ميزانية 2018 قد خصصت لديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى (0.008) بالألف ، بالرغم من المهام المتعددة التي ينهض بها الديوان . فهو يشرف على النهوض بفعاليات إنسانية متعددة علاوة على نهوضه بأعمال صيانة وترميم الكثير من الكنائس والأديرة والمزارات والمنادين ودور العبادة والمؤسسات الصحية والتعليمية من مدارس وجامعات ومستشفيات ودور العجزة والايتام التي تقدر مبالغ إعادة تأهيلها ب78 مليار دينار ، علاوة على النهوض بمساعدة المهجرين من الوسط والجنوب ومن سهل نينوى.
لقد تُرك المسيحيون لوحدهم يحلون صعوبات بناء وترميم ما هدمته الحرب على داعش ، وكل أملهم حاليا معقود على القوى السياسية الصاعدة وما ستشكله من حكومة ابوية قوية قادرة على رعاية مصالح جميع المواطنين دون تفرقة.
إن كل ما تريده المكونات العرقية هو تطبيق ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى عدم التمييز بسبب العرق والجنس واللغة وضمان حق الجميع بتسلم المناصب الحكومية وفق الكفاءة والخبرة. وإعادة ما نُهب وما جُعل غنائم بعد2003 لأصحابه ،والعمل دستوريا على تطبيق كل ما من شأنه إشعارهم بأنهم مواطنون سواسية مع بقية الأديان والمذاهب العراقية ، كما نص عليه الدستور العراقي.