منذ ان اعتمدت المجتمعات الحضارية الآلية الديمقراطية كوسيلة للمسك بصولجان الحكم، تبنت مبدأ { الغلبة للاغلبية } كونه الذي يشرّع لمن سيتسلم زمام الامور. سواء اكان ذلك لادارة الدولة او تغليب الارجح في القرارات السياسية وغيرها. وكذلك اقتفاء اثر تطبيق القوانين المرعية في التشريع والتنفيذ.. اما الاقلية فتكمن في موقع الظل المنافس. هذا هو الذي ينبغي ان ينضّج زبدة الانتخابات التي تشكل الجزء الاهم من الديمقراطية حيث تطبيق قولها { الغلبة للاغلبية }.
لنرى ماذا جرى في بلادنا على اثر اسقاط النظام الدكتاتوري..؟. حينما اخذت الديمقراطية كوسيلة للتبادل السلمي للسلطة.. فالذي قد حصل مع سبق الاصرار والترصّد، هو ليس سلخ الديمقراطية فحسب، وانما افراغها من مضامينها العادلة. الامر الذي تجلى باخس واتعس صور " التزيف " والتفسير الجزاف. حتى وصل الامر الى تطبيق مناهج سياسية تسلطية قمعية دامية تحت عناوين مصبوغة بلون ديمقراطي. كان من ابرزها قوانين الانتخابات وقبلها تأسيس دستور ينطوي على مضمون لايمت في اغلبه لعنوانه بقرب كعقد اجتماعي. حيث تجلت المسخرة باشنع اشكالها.
لقد استثمرت القوى التي نُصبت على سدة السلطة تحت يافطة ما سمي بالمكونات الاثنية والقومية. كانت خلاصته تمزيق الهوية الوطنية الى ارادات هويات ثانوية مشتة، وكان استغلال غياب الوعي في الاعوام الثمانية عشر التي سبقت انفجار بركان الوعي الغاضب الذي تجلى في انتفاضة تشرين 2019 المجيدة على اشده.. هذه الثورة غير المكتملة بعد، قد جاءت بتغيير في نتائج الانتخابات كثمرة اولية لها، اذ اسقطت العديد من رموز الفساد والفشل. وكما يقال " ذاب الثلج وظهر المرج " وبايضاح اخر قد انقلبت المعادلة وبرزت الاقلية المغيبة اصواتها في السابق. وبالمقابل تحولت الاغلبية السارقة لاصوات الاخرين في الجولات الانتخابية السابقة الى اقلية متوسلة لاهثة للاشتراك في التشكيلة الحكومية القادمة تجنباً من ملاحقة القضاء لها على الاغلب الاعم.
والصورة الاخرى تبينت في تشبثت الاوساط الخاسرة " بقشة "، اخطاء المفوضية وكذلك بالفرق الشاسع بين رصيدها الانتخابي السابق وما جنته مؤخراً من ارقام متدنية لافتة للانتباه حقاً.. ولو قدموا ادلة واقعية لربما قد نتحول الى مدافعين عن حقهم الا ان ماعرض يكاد يكون ضدهم. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، قد تعكزوا على الاخطاء الفنية في الاجهزة المخصصة للعد والفرز لاصوات الناخبين ، فهل يعوا ان هذه الاجهزة كانت تشتغل على عموم الناخبين بمعنى انها لم تحصر خطاؤها ضد الخاسرين ولم تشمل الذين فازوا.؟.
اما الاستهداف السياسي الذي يطرحونه كواحد من اسباب خسارتهم، فهذا ايضاً تنكره النتائج المضاعفة عن النتائج السابقة التي حصل عليها البعض من اطرافهم .. ومع كل هذا الاشكال، ولكنهم لم يغادروا السعي المحموم للمشاركة في تشكيل الحكومة تجنباً للازاحة عن الساحة وفقدان الامتيازات، والاهم من ذلك هو فقدان الحصانة التي توفر الحماية من القاء القبض المباشر على بعض رموزهم الكبيرة المتهمة بالفشل والفساد..