مقدمة

         ما دفعني الى كتابة هذا الموضوع هو الغموض الذي يكتنف التجربة الصينية ، و الآراء المختلفة والمتناقضة حولها ، وقبل سنوات حاولت التصدي لتجربة الصين وتوصلت الى استنتاجات تخص التجربة الصينية في ظل الماوية ، لكن شحة المصادرالتي تخص " تجربة الإصلاحات "  بعد عام  1978منعتني من اكمال الموضوع .

        اختلف الفرقاء داخل الصين وخارجها فيما جرى ويجري من تحولات في الصين منذ عام 1949 ، ولكن هذا الاختلاف اتسع واخذ مديات ابعد بعد وفاة ( ماو تسي تونغ )عام 1976 واستلام ( دينغ هسياو بينغ ) المركز الأول في الحزب الشيوعي الصيني عام 1978 مدشنا مرحلة " الإصلاحات " .

        ومبعث هذا الاختلاف سواء كان فرحا او خوفا او توجسا يعود الى الأهمية الخاصة للصين والدور الذي يمكن ان تلعبه على المستوى الدولي الراهن والمتوقع في حال استمرار النجاحات المذهلة التي حققتها التجربة الصينية في المجال الاقتصادي ، فاليسار عموما والشيوعيون بشكل خاص يعولون على الدور الإيجابي الذي يمكن ان تلعبه الصين القوية المتماسكة في ظل عالم القطبية الأحادية بعد فشل التجربة السوفييتية ، ومقابل ذلك فان النظام الراسمالي العالمي يخشى من تحولها الى القوة الاقتصادية الأقوى الذي سيؤثر على توازن القوى الدولي و على فقدان الأسواق التابعة للبلدان الراسمالية الصناعية الكبرى تحديدا من خلال ولوجها طريقا لم تالفه العلوم الاقتصادية والاجتماعية وهو " اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية " .

       وقبل دراسة هذه التجربة و الافاق المتوقعة لها ، لا بد من القاء ضوء مكثف على الأسئلة  والأفكار - سواء في الحقل النظري او التطبيقي - التي تطوف على مجالس الأحزاب الشيوعية و  اليسار و الباحثين من مختلف المرجعيات الأخرى كما انها تشغل الكثير من اهتمام الدوائر الراسمالية ودول الأطراف .    

       اذا كان الهدف الرئيس من الثورة الصينية هو " بناء الصين الكبيرة والقوية والانتقال بالبلد من العصور الوسطى الاقطاعية الى مجتمع عصري " فهل حققت الماوية طيلة الستة والعشرين عاما من قيادتها للصين تلك الأهداف ؟ هل استطاعت ان تبني " دولة ديمقراطية عصرية " وبنفس الوقت وضعت حدا للفقر والامية والفساد من خلال التخطيط المركزي والخطط الخمسية و           " مسيرة التنمية " و " الثورة الثقافية " ؟ هل يكمن فشل الماوية في جانبها التطبيقي ام في جانبها النظري التحليلي ام الاثنين معا ؟ هل لعبت الستالينية دورا كبيرا في صياغة نمط تفكير ماو في الحقلين النظري والتطبيقي ؟. هل كانت " اصلاحات " دينغ هسياو بينغ " وقيادة الحزب الشيوعي الصيني آنذاك رد فعل على اخفاقات الماوية ونسخة تنقيحية أخرى تحاكي تطورات العولمة الراسمالية ؟ او تعني العودة الى جذور المنهج الماركسي في تحليل الواقع الصيني والواقع الدولي؟. هل شعار " ليس مهما ان يكون القط ابيض او اسود انما الأهم من يمسك الفارة "  منطلقا من رؤية ماركسية للظواهر ام من رؤية براغماتية بحتة ؟ هل مفهوم " اقتصاد السوق الاشتراكي " منسجم مع نفسه ويمتلك منطقا داخليا متوائما ؟ ما المقصود ب " الخصائص الصينية " ؟ هل المقصود تاثير الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية على الشخصية الصينية وطريقة تفكيرها وسلوكها ؟ او تاثير تلك الأفكار الطوباوية على الفكر الاشتراكي في الصين ؟ الم تؤكد الماركسية على الترابط الجدلي بين ماهو خاص وما هو عام ؟ فلماذا تم تغليب الخاص في التجربة الصينية ؟ هل مفهوم " اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية يدخل في حقل الابداع الماركسي ويعكس عقلية ماركسية مرنة وفعالة لدى قيادات الحزب الشيوعي الصيني المتعاقبة منذ 1978 ؟ هل هناك عوامل موضوعية أدت الى بروز تيار يتسع يوما بعد يوم داخل الحزب الشيوعي الصيني و في المجتمع الصيني يقف ضد تلك التوجهات " الإصلاحية " ؟ هل يشير وجود هذا التيار الى استمرار الجمود والدوغمائية والحنين الى الماضي لدى أوساط في قيادة الحزب الشيوعي الصيني وخارجه ؟

       أولا :                                الصين

          الصين من اكبر بلدان العالم ، مساحتها ( 10 ) ملايين كم2 اي بقدر مساحة اوربا ، فيها أراض خصبة وسلاسل جبلية كبيرة وصغيرة ، وغابات ، وثروات معدنية غنية ،  و فيها ( 5 ) الاف نهر ونهير وقناة ، تتباين درجات الحرارة فيها باختلاف المناطق بين 20 فوق الصفر و20  تحت الصفر . وهي من البيئات الفيضية ، التي طبعت بعض البلدان بالخضوع لدولة مركزية ريعية  تتولى شؤون الري ، اذ تداخلت ملكية الاراضي الفردية مع مظاهر الاقتصاد المشاعي مع ملكية الدولة الفعلية لان الدولة تملك جميع الاراضي نظريا ، وفيها ساحل طويل يسهل الاتصال بالأمم الأخرى وراء البحار .          رغم تعدد القوميات فلم تكن القضية القومية او مشاكل الاقليات واحدة من القضايا الرئيسية التي شغلت بال اصحاب القرار بعد الثورة الصينية لان اكثر من 90% من الشعب الصيني ينتمون الى قومية ( الهان ) ، والى جانب هؤلاء توجد ( 55 ) قومية وعرق تنتشر في ارجاء الصين ابرزها قوميات منغوليا وخوى والتبت وويغور ومياو ويي وتشوانغ وتشونغجيا وكوريا ، وهي جميعا ذات تاريخ تليد رغم تفاوت مستويات تطورها الثقافي ، وكانت تلك الأقليات القومية قد تعرضت للاضطهاد والتمييز والتهميش ، خلال العهود السابقة للثورة ، وبعد الثورة حصلت تلك القوميات على حقوقها وانتعشت حياتهم الثقافية والسياسية والاقتصادية ، كما منحت الحكومة إقليم التبت الحكم الذاتي .

          في الوقت الراهن يبلغ عدد المؤمنين من مختلف الأديان حاولي ( 100 ) مليون شخص أي حوالي( 8% ) من سكان الصين ، منهم ( 22 ) مليون مسلم و ( 21 ) مليون مسيحي بروتستانتي وكاثوليكي و يتوزع الباقون على معتنقي الطاوية والبوذية .

         كما لعبت الثقافة الصينية دورا كبيرا في صياغة المجتمع الصيني في الرؤى      والسلوك استنادا الى الإرث الثقافي الصيني القديم وخصوصا الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية أولا ، و القيم الغربية الحداثوية ثانيا ، و الفكر الاشتراكي ثالثا .

        اجتازت الامة الصينية عشرات الألوف من السنين وهي تعيش في نظام المشاعية البدائية اللاطبقية ، كما هي حال الكثير من الأمم الأخرى . وبعد انهيار المشاعية مرت على  الصين ( 4000 ) سنة تحت نير المجتمع العبودي والاقطاعي ، وخلال تلك الحقب الطويلة شهدت الصين تطورا في الزراعة والصناعة اليدوية وبرز الكثير من المفكرين والعلماء والادباء والفنانين .

       ما يميز الامة الصينية أيضا هي قدرتها على الكد وتحمل المشاق ، وبنفس الوقت هي امة شغوفة بالحرية وغنية بالتقاليد الثورية ، ويبين التاريخ ان الشعب الصيني لم يستسلم لحكم القوى الغاشمة اذ تخلل تاريخ الصين الكثير من الانتفاضات الفلاحية الكبرى والصغرى ضد الاقطاع والتي  رسمت نهاية الكثير من الاسر الحاكمة .

       منذ حرب الافيون عام ( 1840 ) تحولت الصين تدريجيا الى مجتمع مستعمر وشبه مستعمر وشبه اقطاعي اذ بدات الراسمالية الأجنبية تتسرب اليه فنسفت اقتصادها الطبيعي الذي كان قائما على الاكتفاء الذاتي ودمرت الصناعات اليدوية في المدينة والريف وعجلت من نمو الإنتاج السلعي في الصين .

        ان تاريخ قيام الراسمالية الوطنية الصينية وتطورها هو في الوقت نفسه تاريخ نشوء البرجوازية والبروليتاريا الصينية ونموهما . كما ان نموالبروليتاريا ارتبط بنشوء مشاريع الراسمال الأجنبي في الصين بصورة مباشرة .

        ان هدف الدول الامبريالية من غزوها المباشر او غير المباشر هو تحويلها الى بلد شبه مستعمر تابع لها ، واستخدمت الحروب العدوانية لتحقيق ذلك منذ حرب الافيون عام ( 1840 ) ، و الحرب الانجلوفرنسية عام ( 1857 ) ، والحرب الصينية اليابانية (1894 ) ، والحرب التي شنتها القوات المتحالفة لثماني دول عام ( 1900 ) ، كما أجبرت الدول الامبريالية الصين على توقيع معاهدات غير متكافئة ، وسيطرت الدول الامبريالية على جميع موانئ الصين التجارية الهامة بموجب تلك المعاهدات . واقامت مشاريع الصناعة الخفيفة والثقيلة لاستغلال المواد الخام والايدي العاملة الرخيصة وضغطت بذلك على الصناعة الوطنية واحتكرت الشؤون المصرفية وخلقت طبقة الكومبرادور والتجار المرابين لتسهيل مهماتها باستغلال الفلاحين والعمال . ودعمت ملاك الأرض والاقطاعيين الصينيين وكان غزو اليابان للصين عام ( 1931 ) قد حسم تحول الصين الى شبه مستعمرة يابانية .

  ثانيا :                   مراحل تطور الثورة الصينية  

            ما تنبأ به ماركس بان " ساعة موت الصين القديمة ستدق عما قريب وسنكون شهودا على احتضار اقدم اميراطورية في العالم وعلى اليوم الذي سيفتتح فيه عهد جديد بالنسبة لكل اسيا " قد تحقق و يشير الى عبقريته اولا وثانيا الى متانة المنهج الماركسي في دراسة الظواهر التاريخية وثالثا يربط بين الثورة الصينية وبين استنهاض كل اسيا التي كانت تنام في سبات عميق .

          بنى ماو تسي تونغ رؤيته عن الثورة الصينية على الأسس الاتية :

  • الامبريالية وحلفاؤها من الرجعيين احتلوا المدن الصينية لمدة طويلة فلا بد للصفوف الثورية ان تحول المناطق الريفية المتاخرة الى قواعد متقدمة للثورة في مختلف الميادين.

 2- ان نضال الفلاحين وهم القوة الرئيسية في الثورة الصينية يجري تحت قيادة حزب البروليتاريا .

 3- بسبب الأرض الصينية الواسعة والتطور المتفاوت للاقتصاد الصيني وانقسام المعسكر المعادي للثورة على نفسه وامتلائه بالتناقضات فان من الممكن ان تنتصر الثورة أولا في المناطق الريفية  .

 تقسم مراحل الثورة الصينية الى :

  • المرحلة الاولى ( 1918-1949 ) .
  • المرحلة الثانية ( 1949- 1978 )
  • المحلة الثالثة ( 1987 00000 )

  المرحلة الأولى 1918- 1949

        مرحلة الكفاح من اجل التحرر السياسي والاقتصادي

 عانت الصين مثل اقرانها في الهند ومصرومناطق كثيرة أخرى في العالم من اثار التبعية للدول الامبريالية . اذ تحولت الصين الى افقر دولة في العالم خلال القرن التاسع عشر بعد ان كانت من اعظم المدنيات ، بسبب تبعيتها للدول الامبريالية واندماجها في النظام الراسمالي العالمي . ان النضال الوطني الثوري الذي بداه الشعب الصيني خصوصا منذ حرب الافيون و بعد ثورة ( 1911 – 1912 ) التي تتوجت بقيام جمهورية الصين بقيادة صن يات صن الذي انتخب رئيسا للجمهورية عام ( 1921 ) ، وكما قال ماو تسي تونغ بان رشقات مدفعية ثورة اكتوبر هي التي ادخلت الاشتراكية الى الصين ، فانطلقت حركة (4 ايار 1919 ) الشبابية احتجاجا على التحالف الفرنسي الياباني ضد المصالح الصينية ، واتجه اليسار لدراسة الماركسية . في تلك الاجواء من عام ( 1921 ) تاسس الحزب الشيوعي الصيني   .  

       توفي صن يات صن عام ( 1925 ) تاركا وصيته التي تتضمن ثلاثة مبادئ :

  • حكومة ديمقراطية .
  • تحقيق مستوى معيشي اعلى للجماهير.

            3-   استعادة الحقوق الممنوحة للاجانب  .

        عام 1927 حصل انشقاق بين العناصر العسكرية في الكومنتانج بقيادة الجنرال شيانج كاي شيك مدعوما من قبل القوى المعادية للسوفييت وبين الحزب الشيوعي ، ما اضطرهم الى التمركز في المناطق الريفية ، ثم الحقوا الهزيمة بالكومنتانج عام ( 1931) واقاموا الجمهورية الصينية السوفييتية التي بسطت سيطرتها على ( 30 ) مليون صيني.

         ان مقاومة الشيوعيين للغزو الياباني للصين حولتهم الى قادة وممثلين للشعب الصيني كله ، كما جعلت دعوتهم الى تحرر الصينيين من الفقر اضافة الى التحررالوطني اكثر اقناعا لدى الجماهير وخاصة الفلاحين ، ولم يكن صعود الشيوعيين وانتصار الثورة ممكنا الا بفضل التحالف المحقق تدريجيا بين الحزب الشيوعية وعدد من الحركات الجماهيرية – الحركة الفلاحية ، الحركة الوطنية ، الحركة العمالية ، حركة البرجوازية الصغيرة ، الحركة الطلابية . كما شكلت الحرب العالمية الثانية مفصلا اساسيا في تاريخ الصين حيث امتدت اثارها حتى عام ( 1949 ) واستئناف الحرب الاهلية وانتصار الشيوعيين  واصبحوا باستثناء القوى الشاردة من قوى الكومونتاغ ، الحكومة الشرعية للصين بعد اربعين سنة من فترة حكم انتقالية .  

        حسم استسلام اليابان في ( 14/اب/1945 ) الحرب العالمية الثانية من جهة ، وحرب الشعب الصيني ضد اليابان من جهة ثانية ، وبذلك فتح الباب امام الشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني للبدء ببناء الصين المعاصرة الجديدة .

يمكن تقسيم عوامل النصر الى عوامل خارجية متمثلة بانتصار ثورة اكتوبر ومساعدة الاتحاد السوفييتي للثورة الصينية ، وازمة النظام الاستعماري نفسه ، وعوامل داخلية متمثلة بوجود حزب منظم مسلح بالماركسية ، وموقع الصين الجغرافي المجاور للاتحاد السفييتي ، وجيش قوي ، وجبهة متحدة تمثل مختلف الطبقات والشرائح الثورية  . 

                             المرحلة الثانية : 1949- 1978

            مرحلة استنساخ النموذج السوفييتي  

في منتصف اذار ( 1949 ) اتخذت اللجنة المركزية خطة سياسية لقيادة الشعب الصيني في سبيل بناء صين جديدة ديمقراطية شعبية وتجديد الاقتصاد الوطني وتحويل الصين الى ديمقراطية جديدة تستند الى مبادئ الاشتراكية ، و تؤسس " لدكتاتورية الشعبية الديمقراطية"  وتضم العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين مع شخصيات بارزة من المثقفين والجماعات السياسية للبرجوازيين الصغار والبرجوازيين الاحرار الذين يريدون التعاون مع الحزب الشيوعي.

( في 15/ حزيران/1949 ) تاسست اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستشاري السياسي ، وتتالف من ( 134 ) عضوا يمثلون ( 23) هيئة منها الحزب الشيوعي الذي كان صاحب فكرة المؤتمر . اشترك في المؤتمر ( 510 ) مندوبا عن : الحزب الشيوعي ، اللجنة الثورية في الكومنتانغ ، عصبة الصين الديمقراطية ، جمعية بناء الصين الديمقراطية ، وجمعيات أخرى . إضافة الى مندوبي الأقاليم و مندوبي الجيش ، ومندوبي المنظمات الشعبية ، و   ( 75 ) شخصية بارزة منهم زوجة صن يات سان . في هذا المؤتمر تم تأسيس جمهورية الصين الشعبية يوم ( 21/أيلول 1949 ) اذ قال ماوتسي تونغ في هذا المؤتمر " ان الشعب الصيني قد وقف على قدميه منذ اليوم والى الابد . لقد وحدنا انفسنا وغلبنا من قام بجور علينا من أبناء بلادنا ومن الغرباء عنا وقهرناهم بحرب التحرير الشعبية وبثورة الشعب العظيمة " .

بعد الانتصار الحاسم للثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وتاسيس جمهورية الصين الشعبية واجه الشعب الصيني ثلاثة أعداء : الكومانتنغ والعامل الخارجي وتدني الوعي الجماهيري . وانطلاقا من تحليلات ماو تسي تونغ للوحة الاجتماعية وتحديده طبيعة الصراعات التناحرية واللاتناحرية والقوى المحركة للعمليات الاجتماعية  ولوحة الأصدقاء والاعداء آنذاك ، وتاثير التجربة السوفييتية نظريا من خلال الستالينية وعمليا من خلال تجربة ما بعد ثورة أكتوبر ، اتخذ مجموعة إجراءات " في سبيل انجاز ثورة الديمقراطية الجديدة – كما اسماها ماو – التي ستؤدي الى نمو العناصر الراسمالية من جهة ونمو العناصر الاشتراكية من جهة أخرى " وقصد ماو بالعناصر الاشتراكية : تعاظم دور البروليتاريا والحزب الشيوعي واعتراف الطبقات والشرائح الأخرى بقيادتهما ، وتعاظم دور القطاع العام والتعاوني الذي يملكه الشعب الكادح . ومن هذه الإجراءات :  

      اعتماد النموذج الاقتصادي السوفييتي في برنامج مكثف للنمو الصناعي والزراعي والاجتماعي والتخطيط المركزي ، واعتمدت الصين على الخطط الخمسية في تحقيق التمية الاقتصادية ، الغاء امتيازات الدول الاستعمارية ، مصادرة المشروعات الراسمالية المرتبطة بالكومنتانغ ، تنظيم الراسمالية وليس تحطيمها ، اغلاق المصارف الخاصة ، تمليك الأراضي للفلاحين ، تعزيز القطاع العام الصناعي والزراعي ، خلق اقتصاد تعاوني زراعي مؤثر ، تطبيق نظام البطاقة التموينية للسلع الاستهلاكية مع تحديد أسعارها ، احتكار التجارة الخارجية بشكل كامل من قبل الحكومة واقتصرت على الحصول فقط على السلع التي لا يمكن الحصول عليها في الصين .

الإيجابيات التي تحققت في تلك المرحلة  :

في قطاع التخطيط :

       تحقيق التحديث الاشتراكي  والتي تشتمل على العصرنات الأربع إحراز التقدم في الصناعة والزارعة والعلوم والتكنولوجيا والدفاع . كان هنالك اقتصاد مخطط وسوق تهيمن عليه الدولة  ونظام لتسجيل الممتلكات اي نظام كامل للسياسات والمؤسسات صمم للحفاظ على مجتمع قائم على المساواة .

 في القطاع الصناعي :

       عام ( 1953 ) بلغت نسبة مساهمة مشروعات الدولة من الناتج الصناعي ( 61%) يقابله ( 31% ) للشركات الخاصة وارتفعت تلك النسبة الى ( 75% ) لصالح القطاع العام ومنعت الشركات الخاصة الصينية والأجنبية من الاستثمار .

في القطاع الزراعي :

في عام (  195 ) كانت هناك ( 2219 ) مزرعة حكومية . كانت هناك عام ( 1949    3663 ) تعاونية للإنتاج الزراعي . كان ارباب الأراضي الكبار والفلاحون الأغنياء يؤلفون عشر سكان الأرياف ، واقل من ( 8% ) من الفلاحين واسرهم ، وكانوا يملكون ( 70% ) الى ( 80% ) من الأراضي . اما عمال المزارع والفلاحون الفقراء والفلاحون الوسط فكانوا يؤلفون ( 90% ) من عدد سكان الريف ولا يمتلكون الا ( 20%  الى 30% ) من الأراضي . عام ( 1950 ) صدر ( قانون اصلاح ملكية الأرض ) ، اذ تم توزيع ( 700 ) مليون مو من الأراضي على ( 300 ) مليون من أصحاب الأملاك والفلاحين الفقراء .

في القطاعات الاجتماعية والخدمية :

ازدادت القوة الشرائية عام(  1951) ( 25 % ) عما كانت عليه . فى ( 1949 ) كان بالصين فقط ( 12 ) ألف طبيب غربي التدريب لبلاد تعدّ ( 500 ) مليون نسمة . وبحلول (1965) كان هناك ( 200 ) ألف طبيب . كان الناس يحصلون فيه على دخول واطئة ولكن كان لديهم اعمال مضمونة . كان الناس يقسمون ساعات يومهم بين العمل والبيت وكانوا يرتبطون بمواقعهم الجغرافية . منذ خمسينيات القرن العشرين تطورت الرعاية الطبية والصحة العامة وشبكة صرف صحي بشكل ملحوظ وتقلص عدد المصابين بالأوبئة. ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان الناس هم سادة بلادهم كرسوا كل عملهم لخدمة الوطن دون ان يعيروا كثيرا من الأهتمام الى انفسهم من الناحية المادية حيث عاشوا حياة فقيرة إلا انهم كانوا اثرياء روحيا . كانوا يؤمنون إيمانا قويا بالأشتراكية والشيوعية وينظرون الى الحزب الشيوعي الصيني كأمهم . كانوا يفخرون بخدمة الآخرين ويمتدحون روح التضامن وينظرون الى الفردية كأنانية

 السلبيات التي تركتها تلك السياسة الاقتصادية على المجتمع الصيني :

أولا :

   " القفزة الكبرى الى امام ونتائجها " :

في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، دشن ماو مفهوم " القفزة الكبرى الى امام " وكان هذا المشروع يرتكز على الصناعات الصغيرة في الحقول والقرى في الريف، حيث أجبر الملايين من الفلاحين والعمال والمدنيين على العمل في هذا البرنامج الصناعي بمعدل سريع لتحقيق نتائج كبيرة، ، و لكن هذه السياسة واجهت الفشل و سببت الكثير من الاضرار على المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومنها : التسرع في التحول الى الملكية الجماعية في الزراعة عام ( 1955 ) ، التسرع في تحويل الشركات والمعامل الصناعية الخاصة الى القطاع العام عام ( 1958 ) ، تفاقم الركود في الاقتصاد ، هبوط كبير في مستوى معيشة الشعب الصيني ، تدهور العلاقة مع الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين و شق الحركة الشيوعية ، المجاعة الكبرى عام ( 1958- 1961 ) ، بروز ظاهرة عبادة الشخصية ، تنامي البيروقراطية في أجهزة الدولة والحزب .  

 ثانيا :

                        " الثورة الثقافية "

نتيجة لفشل سياسات ماو الاقتصادية تحديدا ، حاول قسم من أعضاء قيادة الحزب الشيوعي الصيني تنحيته . ولم تكن " الثورة الثقافية " في أواسط الستينات ، الا رد فعل مباشر من ماو تسي تونغ ضد معارضيه في قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، اذ حرض ملايين الطلاب في الجامعات ليخدموا في الحرس الأحمر بهدف اسقاط ما اطلق عليها " المؤامرة " ، مسببين الفوضى في ارجاء البلاد ، اذ توقف النظام التعليمي ، وبدات " المسيرات الطويلة " و سيطرت أجواء الرعب والخوف ، و لكن الوضع خرج عن السيطرة ، وتم انهاء الثورة الثقافية من قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عام ( 1969 ) . بعد ان الحقت اضرارا بالغة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ولم تنته اثار الثورة الثقافية بقرار انهائها وانما استمرت الصراعات الظاهرة والخفية داخل وخارج الحزب الى حين وفاة ماو تسي تونغ ، اذ مهدت لظهور تيار دينغ هسياو بينغ الذي سيكون ليس نفيا للماوية فحسب وانما لارساء نسخة جديدة تعتمد مميزات الراسمالية في إعادة بناء الصين الجديدة .

                      المرحلة الثالثة : ( 1978- 00000 )

                     مرحلة استنساخ النموذج الغربي

مرت هذه المرحلة بثلاث فترات :

  • فترة ( 1978- 1988 ) وهي فترة سياسات " الإصلاحات "
  • فترة ( 1989- 1991 ) فترة تجميد " الإصلاحات "
  • فترة ( 1992- 0000) فترة استئناف الإصلاحات

           بعد فشل ( القفزة الكبرى الى امام ) نهاية الخمسينات و( الثورة الثقافية  ) نهاية الستينات و النتائج التي تركتها على اللوحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الصيني إضافة الى حلول الأزمة الاقتصادية العالمية في بداية السبعينات و تزايد التوترات مع الاتحاد السوفييتي منذ عام ( 1969 ) ،  واجهت قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي مشكلة إعادة بناء الحزب وأجهزة الدولة التي فقدت الكثير من هيبتها بعد الأخطاء الجسيمة لسياسات ماو تسي تونغ من جهة ومشكلة اعادة النظر بالسياسة الاقتصادية التي اتبعها ماو والاعتماد على سياسة بديلة لاصلاح الخراب الذي عم البلاد منذ نهاية الخمسينات وكانت عناصر قيادية في الحزب الشيوعي والدولة الصينية ومنهم ( شو ان لاي ) قد طرحوا منذ سنوات مضت فكرة ان الحل الوحيد للمشكلات التي تواجه الصين هي الانفتاح على الراسمالية الغربية وتكنولوجيتها المتقدمة ، وبعد وفاة ( ماو تسي تونغ )  توفر توازن قوى جديد داخل قيادة الحزب الشيوعي الصيني لاعتماد السياسات الاقتصادية اللبرالية كطريق " ضروري " للخلاص مما خلفته الماوية من اثار مدمرة . وهذا ما حصل فعلا عام ( 1978 ) خلال المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني وبناء على طروحات السكرتير الجديد للحزب ( دينغ هسياو بينغ ) الذي تبنى السياسة الاقتصادية الجديدة تحت عنوان       " الاشتراكية ذات الخصائص الصينية " و التي اعتمدت على : تكييف الاقتصاد الصيني مع متغيرات الاقتصاد العالمي والاندماج فيه ، بناء التنمية على أولويات رباعية القطاع الزراعي فالصناعي فالبحث العلمي فالدفاع ، هيكلة الاقتصاد الصيني في القطاع الإنتاجي على أساس ازدواجية المشاريع الخاصة مع مشاريع الدولة ، استقلالية إدارات المؤسسات والمشاريع العامة والخاصة عن بيروقراطية الحزب والدولة ، تشجيع القطاع السياحي ، الانضمام الى المنظمات المالية والتجارية الدولية . ضرورة التحول نحو اشتراكية السوق . جذب رؤوس الأموال الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة، ودراسة التجارب الناجحة في التخطيط والإدارة الاقتصادية في الدول الأجنبية، وتشجيع مؤسسات الدولة للمشاركة في المنافسة بالأسواق العالمية وتعزيز تعميق الإصلاح الداخلي والتنمية الاقتصادية .

 مجموعة الآراء الإيجابية بصدد التجربة " الإصلاحية ":

في قطاع  التخطيط :

وُضعت استراتيجية تنموية ملائمة لواقع الصين من ثلاث خطوات وحدد مدة زمنية قدرها 70 سنة لتحقيق أهدافها, وركز خلال الخطوة الأولى أن يتم توفير الغذاء والكساء لكافة المواطنين خلال فترة ( 10 ) سنوات ونجحوا في تحقيق هذا الهدف قبل نهاية الثمانينات وتمثلت الخطوة الثانية في مضاعفة الناتج المحلي بـ ( 10 ) أضعاف في نهاية القرن العشرين وقد وصل للمعدل المطلوب منتصف التسعينات، أما الخطوة الثالثة فكانت زيادة معدل دخل الفرد ليصل لنظيره في الدول متوسطة النمو عام .

في قطاع الاقتصاد

أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم التي تتخطى العديد من الاقتصادات العالمية الأمر الذي جذب إعجاب العالم بأسره لها لما حققته من تقدم غير معالم الحياة الصينية  ، واستحوذت هذه التجربة على اهتمام العديد من الدول المتخلفة  منها في جعل هذه التجربة ً نموذجا يحتذى  به من أجل تحقيق معدلات معقولة في النمو الاقتصادي.  

منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج عام ( 1978 ) ، ظل الاقتصاد الصينى ينمو بصورة مستقرة وسليمة، إذ بلغ معدل نموه السنوى أكثر من ( 9% ) . وفى عام ( 2003 ) ، بلغ إجمالي الناتج المحلى الصينى ( 1.4 ) تريليون دولار أمريكي محتلا المركز السادس في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وحتى نهاية عام ( 2003 ) ، تجاوز نصيب الفرد الصينى من إجمالي الناتج المحلى للبلاد              ( 1000 ) دولار أمريكي.

حققت هذه التجربة مستويات غير متحققة في اية دولة أخرى في مجالات معدل النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي ومستوى دخل الفرد وحجم مساهمة الصين في التجارة العالمية .

اثرت الازمة المالية العالمية سلبا على الصين ، لكن قوة اقتصادها وقلة اعتمادها على القطاع المالي مثلما فعلت بعض الدول ، و اتساع سوق الطلب المحلي و ضخامة قطاعها التصديري جعلها مصدا قويا لتلك الازمة .

                  مجموعة الآراء السلبية بصدد التجربة " الاصلاحية " :

       في القطاع الاقتصادي :

ارتفاع معدلات التضخم الناتجة عن سياسة التخزين التي اتبعها محتكرو السلع بهدف زيادة أسعارها ، ما اضطر الحكومة الصينية الى تجميد اجراء " الإصلاحات " في نهاية عام      ( 1988 ) وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عادت من جديد لتستانف خطتها " الإصلاحية ".

هبطت نسبة ملكية الموجدات العامة الى 48,5%  في عام نصيب 2005 ثم هبطت من بعد الى ( 44,4%  في عام  2006 ) وكان نصيب القطاع العام ( الذي تملكه الدولة ) قد بلغ32,1  % فيما زادت نسبة الموجدات غير المملوكة للدولة والتعاونيات من ( 50,9% في عام 2005 ) الى ( 55,4% في عام 2006 ) كان القطاع الخاص المحلي قد بلغ (31,6%  ) والقطاع الأجنبي ( 20,8%  ) والملكية الفردية ( 3%  ) إن مجموع - --الموجودات الخاصة المحلية اليوم تعادل موجودات القطاع العام .

تؤلف المشاريع الخاصة الان القطاع السائد في الاقتصاد ونصيبها من اجمالي الدخل القومي عام ( 2006 بلغ  63% ) ولا يتجاوز نصيب القطاع العام ( 37% ) .

وافق المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي على برنامج سكرتير الحزب الجديد جيانج زيمن المتضمن بيع النسبة الغالبة من الشركات الصناعية المملوكة للدولة . كما اعلنت الصين انضمامها الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير .

هناك مجموعة من  التحديات : تباطؤ نمو  ، وآثار الأزمة المالية العالمية   ، أزمة الديون الأوروبية وتذبذب سعر الدولار المستمر وفق السياسات الأمريكية  ، ومستويات الإنتاج إضافة الى المشكلا ت القائمة الان هي : مشكلة الطاقة ، هيكلة الاقتصاد ، مشكلة التضخم ، قيمة العملة ، مشكلة الفساد ، التلوث البيئي والكوارث الطبيعية ، شيخوخة المجتمع ، التحديات السياسية : تطوير النظام السياسي ، وحدة الصين مع مشكلة وجود تايوان ، النزاعات الحدودية ، مشكلة المعارضة ومطالبة التبت بالاستقلال ، مشكلة التعددية السياسية ، مشكلة الديمقراطية ، مشكلة حقوق الانسان .

 في الجانب الاجتماعي :

 ان " الإصلاحات " خلقت فجوة واسعة بين الفقراء والاغنياء ، وبين المدينة والريف ، وانتشرت البطالة  ، وعاد التراتب الطبقي الاجتماعي غير المتساوي من جديد وظهرت طبقة راسمالية تتسع يوما بعد يوم ، وتزداد فئة العمال الوافدين من الريف ، وبرزت فئة فاسدة من الموظفين تتواطا مع الراسماليين المحليين والأجانب . و كان أصحاب الأجور الثابتة من العمال والفلاحين وصغار الموظفين اكثر المتضريين من موجة التضخم . يقدر عدد العاطلين عن العمل في الصين عام ( 2010 ) بربع مليار عاطل من قوتها الضخمة المؤهلة للعمل, وهو ما يسبب ضغطاً على اقتصاد البلاد . ويقدر فائض العمال الريفيين من (100 ) مليون إلى ( 150 ) مليون يعملون بين القرى . كما  ترك الكثير من الفلاحين واصبحوا عمالا في المصانع او العمل البضاعي الصغير او امتهنوا الاعمال التجارية .

وفى عام ( 1989 ) تصاعدت حدة الاعتراض الشعبي على السياسات الحكومية الصينية والتي تعارضت مع مفاهيم الديمقراطية وسعت لتقييد الحريات، مما فجر مجموعة من المظاهرات الحاشدة التي قادها مجموعة من الطلاب والعمال في الميدان الذي يُعدُّ أحد أهم ميادين العاصمة بكين اعتصم المتظاهرون لمدة ( 7 ) أسابيع في الميدان مما ساعد على انتشار موجة المظاهرات والاعتصامات إلى حوالي ( 400 ) مدينة في شتى أنحاء الصين.

 ثالثا :

                                              الفكر الطوباوي الصيني

هناك بحوث كثيرة تناولت الفكر الصيني القديم وطرحت بشكل مفصل تاثيرات ذلك الفكر على الشخصية الصينية سلوكا وتفكيرا ، وطوفت تلك الدراسات بعيدا في العلاقة والتاثيرات بين هذا الفكر وبين الفكر الاشتراكي المعاصر ، وكرس عدد من القادة والباحثين الصينيين ومعهم باحثون من خارج الصين فكرة احتواء هذا الفكر للماركسية ،فظهرت مفاهيم  " صيننة وتتويت وكنفشة الماركسية " . ولم اتناول أي تفصيل يتعلق بهذه التاثيرات لانني توصلت الى ان ما حصل في الصين سواء في الحقل النظري او التطبيقي ليس له اية علاقة بتاثيرات الفكر الصيني القديم وانما ارتبطت بعامل اخر هو الابتعاد عن دراسة الواقع الحي المتحرك من منظور نقدي ديالكتيكي واللجوء الى الحل الاسهل ولكن الأخطر وهو الاستنساخ . ولذلك عرضت في السطور القليلة الاتية نبذة مكثفة جدا عن المدارس الفكرية الثلاث وهي :

الطاوية :

ظهرت الطاوية في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد وقدمت اغنى التقاليد الاجتماعية والمساواتية ، وهي مشبعة بالحنين لعصر ذهبي قائم على التعاون ، وهي تدين التمييز الطبقي وتوصي  بتبادل المساعدة وتعادي سلطة الدولة والمصلحة الخاصة . هي مجموعة من المبادئ المستنبطة من الـفلسفات والديانات الصينية القديمة، التي ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد . أصبحت الديانة السياسية والملوكية للأمبراطورية الصينبة بجانب الكنفوشيوسية الى  سنة ( 1911 ) ميلادية .

  الكونفوشيوسية :

هي فلسفة التنظيم الاجتماعي والراي العام تمد المجتمع الصيني بنظام من التربية واللياقة الصارمة  ، وأحد أهدافها الكبرى تكوين قاعدة أخلاقية لنظام الأسرة الصينية التقليدي . ولكن المجتمع الكونفوشي التقليدي قائم على خضوع الشعب للسلطة وهو معاكس للتقاليد المساواتية والطوباوية . احد الاباطرة الصينيين قبيل الميلاد ممن تبنى الكونفوشيوسية ، جعل موارد الدولة ملكا للامة واحتكرت الدولة استخراج الملح والحديد وعصر الخمور وبيعها ، وقضت على سلطان الوسطاء بانشائها نظاما قوميا للنقل والتبادل تحت اشراف الدولة ، وسعت الى السيطرة على التجارة ، واقامت المنشآت الضخمة فقلت البطالة .

                  البوذية :

الاصل في الرؤية البوذية اقامة مجتمع عادل مزدهر . وهي أول عقيدة دخلت إلى الصين من خارجها، قادمة من الهند في أواخر أسرة هان الغربية (206ق.م – 24م). ولكن مع امتزاجها بالثقافة الصينية ظهر شكل جديد من البوذية الصينية ، فإنها توحدت مع الأفكار الكونفوشية والطاوية الصينية وانتهت إلى الاندماج  التام مع الثقافة الصينية ذات التعددية الواضحة . اشتملت تعاليمه على مجموعة من اتلوصايا الأخلاقية ، وحارب بوذا تقسيم المجتمع الى طبقات

               رابعا  :                         

                                     الاستنتاجات

 أولا :

 

   العلاقة بين الفكر الاشتراكي الطوباوي والفكر الاشتراكي المعاصر

 

هناك ثلاثة أنماط في تحليل العلاقة بين ماضي التفكير البشري وحاضره في مجال التاثير والتاثر على ضوء التجربة الصينية :

 النمط الأول :

 هو النمط الديالكتيكي الذي يرى ان الفكر البشري و الآراء والنظريات المختلفة تكمل بعضها البعض ليس عبر التراكم الكمي لذلك المنجز البشري الضخم فحسب وانما من خلال التحولات النوعية في النظريات التي تحصل قبل او بعد التحولات الاجتماعية الكبرى .  والفكر الاشتراكي عموما و الماركسي بشكل خاص ليس استثناء من تلك الظاهرة . وكما قال ماركس في الثامن عشر من برومير " ان تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكوابيس على ادمغة الاحياء ، وان ابطال الثورة الفرنسية ادوا مهمتهم الزمنية بازياء والفاظ رومانية أي مهمة فك القيود وإقامة المجتمع البرجوازي الحديث .  واكد هوبز باوم " بان من الخطا القول ان اشتراكية ما قبل ماركس كانت ميتة في زمن ماركس ، فقد ظلت حية في اوساط البرودونيين والباكونيين و الفوضويين وعند النقابيين الثوريين اللاحقين واخرين . و ان اشتراكية ما قبل ماركس موجودة وجودا عميقا في كتب ماركس وانجلز مثل الغاء التمييز بين المدينة والريف والغاء الدولة "  .

  النمط الثاني :

 

وهو النمط الذي يفصل بين الفكر الطوباوي الصيني القديم فصلا تاما وبين الفكر الاشتراكي . ويتبنى هذا النمط فكرة ان تقاليد الشرق القديمة لا تمت بصلة الى الاشتراكية الحديثة لان الاشتراكية الحقيقية جاءت الى اسيا من الخارج في نهاية القرن التاسع عشر دون ان تكون نتاج تطور اجتماعي وايديولوجي داخلي كما كان عليه الغرب . ورغم اعتماد هذا الراي على حقائق تاريخية لكن لا بد من القول بان الاشتراكية منهج نقدي يعتمد الواقع والممارسة اساسا في منهجه وكون هذ المنهج جاء من الخارج لايبرر مثل هذا الاستنتاج ، لان الاشتراكية لا يمكن ان تنمو في مكان اذا كان الظرف االموضوعي او التربة التي تنشا فيها غير ملائمة ، اضافة الى ان الواقع المعاش والمعطى لا يمكن ان يكون منفصلا عن ماضيه .

 النمط الثالث :

 وهو النمط الذي يغلب ما هو خاص على العام ، وهذا ما تؤكده عدد من طروحات المفكرين والباحثين الصينيين وغير الصينيين من ان الثقافة والفكر الصيني استوعب الماركسية واعطاها خصائصه المميزة ماجعلها " ماركسية صينية " والاساس الفكري لهذا الطرح هو ماطرحه " ماو تسي تونغ " " لا توجد ماركسية مجردة بل ماركسة مشخصة اتخذت شكلا وطنيا وتطبق على النضال المشخص في شروط الصين المشخصة " وعلى اساس ذلك التحليل ظهرت مفاهيم " تتويت الماركسية " اي تاثير الطاوية على الماركسية او " كنفشة الماركسية " اي تاثير الكونفوشيوسية على الماركسية ، او " اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية " .

 ثانيا 

   دور قادة ومفكري الحركات الاشتراكية  في النظرية و التطبيق

 

تكاد تكون النظرية الماركسية متفردة في تشخيصها على ان الجماهير هي صانعة التاريخ وان الافراد مهما بلغوا من قدرات عقلية وجسدية لا يمكنهم ان يغيروا مجرى العملية التاريخية التي تحكمها قوانين موضوعية ، دون تقليل من اهميتهم ارتباطا بالاستقلال النسبي للوعي ودوره في محطات التحولات الاجتماعية . ومن نافل القول ان الماركسية تتقاطع تماما مع ظاهرة عبادة الشخصية لانها منتج ميتافيزيقي يعطي للافراد قدرة الخرق لقوانين التطور الاجتماعي .

لكننا نرى ان الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ، اذ استشرت ظاهرة عبادة الشخصية بعد انتصار ثورة اكتوبر و بعد تمكن ستالين من السيطرة على مفاصل الحزب الشيوعي والدولة في الاتحاد السوفييتي وتحكمه على مقاليد الحركة الشيوعية من خلال الكومنترن وعلى بلدان المعسكر الاشتراكي في اوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية . ولم تقتصر هذه الظاهرة على الاتحاد السوفييتي وستالين وانما استشرت في كثير من البلدان والاحزاب الشيوعية سواء الحاكمة او غيرها مثل ماو الصين ، كيم ايل سونغ كوريا ، تشاوشسكي رومانيا ، تيتو يوغوسلافيا ، انور خوجة البانيا .

لقد تركت عبادة الشخصية اثارها السيئة على الاحزاب الشيوعية في نواحي متعددة وابرزها هو قتل الروح النقدية والابداع في دراسة الواقع وتحليل الواقع الحي على ضوء المنهج الديالكتيكي ، واعتماد الاستنساخ والتقليد بعيدا عن متطلبات الواقع . وتهميش الطبقة العاملة و وتكريس البيروقراطية في صفوف الحزب واجهزة الدولة واختزال القرارات الهامة بشخص القائد او السكرتير بديلا عن هيئات منتخبة تمارس صلاحياتها بشكل كامل.

 ثالثا :

     دور ( ماو تسي تونغ في الثورة الصينية ( 1918-1976 )

 من خلال اطلاعي على ما كتبه ( ماو تسي تونغ ) في مجلده الاول والثاني وجدت انه في المرحلة الاولى من الثورة الصينية قد حذا حذو لينين وماركس سواء في التامل والدرس الفلسفي او في دراسة اللوحة الاجتماعية والواقع الاقتصادي والثقافي في الصين على ضوء المنهج الماركسي وحاول استنباط النظرية السياسية التي تقود الصين في النهاية الى الاشتراكية . ومن اهم ما انجزه في هذا المجال هو :

  • " في التناقض " 1937 : اكد ماو في هذا البحث ما اكده لينين ان قانون وحدة وصراع الاضداد هو " لب الديالكتيك " وركز ماو على القضايا الاهم وهي " النظرتان الى العالم ، عمومية التناقض ، خاصية التناقض ، التناقض الرئيسي والطرف الرئيسي فيه ، والوحدة والصراع بين طرفي التناقض ، مركز التعادي في التناقض " .  واثناء عرضه لتلك الموضوعات تناول بعض الظواهر في المجتمع السوفييتي والصيني بهدف تعليم الشيوعيين كيفية تحليل الواقع على ضوء المنهج الديالكتيكي .
  • " تحليل لطبقات المجتمع الصيني " في 1926الذي بدأه بسؤال " ما هي اوضاع الطبقات المختلفة في المجتمع الصيني " وتوصل في نهاية مقالته من هم الاعداء الطبقيون الذين " يتواطاون مع الامبريالية " ، و البروليتاريا واصدقاؤها ، وحذر من البرجوازية الوسطى المتذبذبة .
  • " اهمية مسالة الفلاحين " تناول ماو دور الفلاحين والقضية الزراعية في الصين في الكثير من المقالات والخطب والمحاضرات ، سواء دورهم في الحرب الاهلية او دروهم في قيام جمهورية الصين الشعبية . حدد ماو تناقضين رئيسيين في المجتمع الصيني قبل انتصار الثورة وهما التناقض بين الامبريالية والامة الصينية اولا ثم التناقض بين الاقطاعية وجماهير الشعب الغفيرة . وان الصراع بين طرفي كل من هذه التناقضات يؤدي الى ظهور حركات ثورية . والثورات الكبرى في الصين الحديثة والمعاصرة قامت على اساس هذه التناقضات الاساسية . وبناء على هذا التشخيص احتل الفلاحون والريف الصيني دورا مهما خلال المراحل المختلفة للثورة الصينية .
  • مقالات مختلفة عن دور الحزب الشيوعي الصيني في المراحل المختلفة للثورة : الفكرة الاساسية التي تطغى على تلك المقالات هي تاكيد الترابط بين وطنية واممية الحزب الشيوعي الصيني سواء خلال الحرب الاهلية او الحرب الوطنية . واكد على فكرة اخرى وهي قيادة الحزب الشيوعي الصيني لتعبئة جميع " قوى الامة " الفعالة في النضال من اجل التغلب على المصاعب وقهر العدو وبناء صين جديدة " .
  • مقالات مختلفة عن الستراتيج والتكتيك والحرب الاهلية وحرب العصابات و الجبهة الوطنية .

لقد كثر الحديث عن " صيننة الماركسية " و اعتماد الحزب الشيوعي الصيني على شعار " اعتماد المرء على قواه الذاتية " كما قالوا بان " الشيوعية الصينية خلافا للشيوعية الروسية لم تكن ذات صلات مباشرة حقا بماركس والماركسية . فوراء رداء الماركسية – اللينينية كان هناك طوباوية صينية بسبب تكوين عقل ماو المحلي ، ولم يمسك ماو من الماركسية الا بتلك الجوانب التي كانت تلائم رؤيته وقد استخدمها لتبرير ذلك " . ذكر ماو تسي تونغ " ان على الاشتراكية ان تحقق الطوباويات الكونفوشية القديمة " . و " سوف تصل سلطة الدولة والاحزاب السياسية بصورة طبيعية تماما ، الى الزوال متيحة للانسانية الدخول في عصر ( الداتونغ ) الذي هو عالم الوفاق الكبير " ، " الثقافة الاوربية الجديدة سواء الفوضوية او الاشتراكية هي في الصين نظريات قديمة تعود الى الاف السنين " .

 لكنني توصلت الى استنتاج مغاير تماما لما تقدم من اراء وهو ان " الشيوعية الصينية " وصيننة الماركسية " و " الاعتماد على القوى الذاتية " ليست الا تعمية وتضليل ايديولوجي مارسته الماوية وجهاز الاعلام الصيني الرسمي والحزبي لعمليات استنساخ حرفية قام بها ماو متاثرا بتجربة ستالين العملية وطروحاته النظرية . اليست خطوات ماو في مصادرة الاراضي وتوزيعها على الفلاحين وانشاء المزارع التعاونية والحكومية ، ومصادرة الشركات الصناعية الكبيرة و سياسة " القفزة الكبرى الى امام " تعبير اخر ونسخة طبق الاصل من سياسة شيوعية الحرب وحرق المراحل ، وبعد فشلها الذريع الذي خلف المجاعة الكبرى ووفاة اكثر من ( 40 ) مليون صيني نتيجة اثارها السيئة ، لجأ الى " الثورة الثقافية " وهي بكل اختصار عبارة عن تصفية شاملة لقيادات الحزب الشيوعي الصيني التي تقاطعت مع سياسات ماو بواسطة الحرس الاحمر . اضافة الى اثارها الثقافية والاجتماعية الكارثية الاخرى ، اليست الثورة الثقافية نسخة لحملات التصفية والقمع المنظمين التي قام بها ستالين واتباعه لتصفية قيادات الحزب الشيوعي السوفييتي التي تقاطعت مع سياساته .

و ما يؤكد تاثر ( ماو تسي تونغ ) المطلق ب( ستالين ) هو رسالته الى ستالين عام 1939 التي تتضمن تهنئة وتحية بمناسبة ميلاد ستالين الستين ، وتكمن في طياتها الاثار التي تركتها الستالينية كظاهرة في فكر وممارسة ماو تسي تونغ قبل وبعد انتصار الثورة الصينية اذ ربط ماو بين تاييد ستالين وبين تاييد انتصار الاشتراكية واكد ان " اغلبية الجنس البشري تعاني من البؤس والشقاء ولا تستطيع الخلاص الا باتباع الاتجاه الذي بينه ستالين وبمساعدته " . ويستعين ماو باغنية صينية لكي يشبه الشعب الصيني بالطائر الذي يغرد ليحوز تجاوب اصدقائه .

  رابعا :

      دور بينغ هسياو بينغ وخلفاؤه في المرحلة الثالثة ( 1978-..........)

 على نفس الطريق الذي سلكه ماو في تبرير سياسته باللجوء الى ادعاء مزاوجة الفكر الطوباوي الصيني القديم بالماركسية او الفكر الاشتراكي فاعتمدوا مفاهيم ماو القديمة " صيننة الماركسية " او المفهوم الجديد " اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية" . اما ما يجري على الواقع فهو استنساخ الانموذج الراسمالي لبعث الراسمالية من جديد في الصين . وهذا التوجه يتضح مما قاله يينغ هسياو بينغ “ لا يهم إذا كانت السياسات المتبعة اشتراكية أو رأسمالية, طالما أنها ستعزز التنمية” و " ليس مهما ان يكون القط اسود او ابيض الأهم والأفضل من يمسك الفارة " فالتنمية هي الثابت الوحيد الذي يجب السعي لتحقيقه أيًّا كانت نوعية السياسات المتبعة . وواضح جدا ان هذا التوجه استند الى أساس مبادئ البراغماتية وليس الى دراسة متطلبات الواقع الصيني الملموس . و النتائج التي تمخضت عن هذا الاتجاه تؤكد ان الغموض هو الذي يطغى على مستقبل الصين . والتناقض الي يواجه هذه السياسة هو كيف يمكن للصين ان تسير في الطريق الذي يؤدي الى الراسمالية في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وهو امر تؤيده الارقام وقواعد المعلومات المتوفرة ، وفي نفس الوقت تحافظ على إدارة الحزب الشيوعي الصيني للبلاد مع انعدام التعددية السياسية ومع اعتماد القوانين المنظمة للعمليات الاجتماعية والثقافية بالطريقة القديمة ، هل تستطيع الصين التكيف مع قيم العالم الغربية بعد عقود عديدة من القيم الاشتراكية ؟ . كيف تستطيع الصين حل المعضلات الضخمة التي تحيط بها في ظل تعزيز العلاقات الراسمالية مثل البطالة و ارتفاع أسعار الأراضي والسكن و ازدياد التباين بين الريف والمدينة . إضافة الى ذلك توجد الكثير من الإشكاليات تواجه هذه التجربة منها : مشاكل الطاقة ، هيكلة الاقتصاد ، مشكلة التضخم ، قيمة العملة ، مشكلة الفساد ، التلوث البيئي والكوارث الطبيعية ، شيخوخة المجتمع ، التحديات السياسية ، مشكلات تطوير النظام السياسي ، وحدة الصين مع مشكلة وجود تايوان ، النزاعات الحدودية ، مشكلة المعارضة ومطالبة التبت بالاستقلال ، مشكلة التعددية السياسية ، مشكلة الديمقراطية ، مشكلة حقوق الانسان .

                                      المصادر

  • المجلد الأول والثاني ماو تسي تونغ
  • جمهورية الصين لياو كاي لونغ
  • مدارات صوفية                                           هادي العلوي
  • المستطرف الصيني هادي العلوي
  • قوى جديدة في السياسة العالمية سيوم براون
  • أسس الاقتصاد السياسي نيكيتين
  • تاريخ الفكر الاشتراكي ( الماركسية والفوضوية ) كول
  • الحركات الاشتراكية هاري ليدلر
  • التاريخ العام للاشتراكية جاك دروز
  • الاشتراكية الطوباوية لينين
  • كيفية تغيير العالم هوبز باوم
  • النزاع السوفييتي الصيني    جورج طرابيشي
  • المفهوم المادي للتاريخ بليخانوف
  • الصين عزيز سباهي
  • عصر النهايات القصوى هوبز باوم
  • الغزو مستمر نعوم تشومسكي
  • ظاهرة ستالين جان ابلينشتاين
  • مقالات مختلفة من الانترنيت مواقع مختلفة

 

عرض مقالات: