أكدّت القوى الوطنية أحزابا ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات على أهمية أن تكون الانتخابات رافعة للتغيير نحو دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية بدلا من نظام محاصصة بين أحزاب قومية وطائفية والتي تحكم وتتحكّم بالبلد بعد الاحتلال في 2003 تاركة وراءها وبعد كل فترة انتخابية حزمة من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية متحصّنة بنوابها الذين دخلوا البرلمان عن طريق تزييف الانتخابات باستخدامها المال العام المسروق وتهديد ميليشياتها بمختلف صنوفها وطوائفها، كلّ ذلك من أجل الحفاظ على امتيازاتها وتنفيذ أجندات خارجية تتقاطع مع مصلحة الشعب العراقي.
تكلل الحراك الجماهيري في شباط 2011 وتمّوز 2015 بقيام انتفاضة الأول من تشرين الأول 2019 تحت شعار "أريد وطن" والتي طرحت شعارات من شأنها تغيير نظام المحاصصة إلى نظام مدني ديمقراطي، وأهمّها: مكافحة الفساد، حصر السلاح بيد الدولة، تغيير قوام مفوضية الانتخابات المبني على المحاصصة، تغيير قانون الانتخابات وقيام انتخابات مبكرة، إسقاط حكومة عبد المهدي. بعدما انتشرت موجة الانتفاضة إلى معظم المحافظات والمساندة الجماهيرية الواسعة حتى سارعت فرق الاغتيال والاحتيال اختراق صفوف المنتفضين لتقتل وتخطف وتغتال المئات من شباب الانتفاضة، بذلك أصبح أحد المطالب المهمة للانتفاضة الكشف عن القتلى وتقديمهم إلى القضاء. القتل والملاحقة غير القانونية للمنتفضين والإغراء بالمناصب، خاصة بعد اختيار الكاظمي رئيسا للوزراء وتعهده بتنفيذ مطالب المنتفضين وزيارة بعض عائلات شهداء الانتفاضة،  كانت أحد أسباب هدوء الانتفاضة، وليس نهايتها كما يروق للقتلة والفاسدين،  لكن السبب الرئيسي هو انتشار وباء كورونا.
لم يستطع الكاظمي تنفيذ أي من مطالب الانتفاضة سوى اختيار موعد للانتخابات المبكرة والذي أجبرته أحزاب المحاصصة على تأخيره  حتى 10/10/2021 ليتسنى لها ترتيب أوضاعها بعد أن هزّتها الانتفاضة لتبدأ حملتها الانتخابية على حساب أموال الدولة ومتحصنة بالسلاح المنفلت ثمّ ادّعائها، وبكلّ وقاحة، بتنفيذ مطالب المنتفضين عبر المزايدات فيما بينها لتضليل الرأي العام في الداخل والخارج. إلى جانب ذلك تدعي حكومة الكاظمي بأنها تكافح الفساد مثلما ادعت الحكومات السابقة وتدّعي القبض على قتلة المتظاهرين وعرضهم كمسرحيات على الفضائيات ثمّ تنقطع أخبارهم، وتستولي على السلاح غير المرخّص من بعض العشائر، لكنّها لا تجرأ الاستيلاء على قطعة واحدة من سلاح الميليشيات. من الغرابة تدّعي حكومة الكاظمي بتوفيرها أجواء  سليمة لإجراء انتخابات حرّة بدون الإيفاء بوعدها بتنفيذ مطالب المنتفضين، إلاّ أنّها، أي الحكومة، ضمنت مشاركة نفس الأحزاب الحاكمة بعد إجبار الكاظمي على التنازل عن تنفيذ مطالب الانتفاضة، وتقوم هذه الأحزاب بشتى المناورات لكسب الأصوات وتتبارى فيما بينها لتشكيل الحكومة القادمة أي أنّ كلّ منها يتخيل عدد المقاعد النيابية التي سيفوز بها وبطريقته الخاصة بالتزوير، أية انتخابات هذه تتحدّثون عنها!!! وتساهم الرئاسات الثلاث بتحشيد الناس للتوجه نحو الانتخابات عن طريق الكذب والتضليل والادّعاء بأنّها الرافعة الوحيدة للتغيير، ولكن تغيير من وهم قمّة السلطة الفاشلة والفاسدة؟ من الغرابة أنّ بعض التنظيمات المنبثقة من الانتفاضة والشخصيات،باستثناء الذين رضخوا بقبولهم مناصب غير مضمونة في الحكومة القادمة، تشارك في هذه الانتخابات باعتقادها بأنّها ستساهم في عملية التغيير التي طرحتها الانتفاضة وعدم قناعتها بأنّها فرصة أخرى لدعم نظام المحاصصة الذي استشهد لتغييره المئات من شابات وشباب العراق. كانت المفوضية العليا للانتخابات تناور هي الأخرى جنبا إلى جنب الأحزاب التي انبثقت منها مدّعية بأنّ كل شروط إجراء الانتخابات متوفرة، بعد ادّعاءها السابق بعدم إمكانيتها إجراء الانتخابات، أي عندما كانت هذه الأحزاب تدّعي عدم دستوريتها. كما ضمنت الحكومة تأييد بعض الدول الكبيرة منها والصغيرة والإقليمية دعمها للعملية الانتخابية وبغض النظر عن طبيعة الأجواء التي تمرّ بها الانتخابات والتغاضي عن مطالب الانتفاضة التي كانت هذه الدول بالضدّ منها. كيف يمكن الوثوق بانتخابات تحت الرعاية العلنية والمستورة لرؤوس الفساد والإرهاب؟؟؟ 
لا يمكن إجراء انتخابات حرّة نزيهة في الأجواء السائدة حاليا بسبب: انفلات الأمن والأمان وملاحقة واغتيال الناشطين ورفض الحكومة الكشف عن رؤوس قتلة المنتفضين، تمويل الأحزاب الحالية مرشحيها بالمال المسروق من الدولة ورفض الحكومة تقديم كبار السرّاق إلى القضاء، رفض الميليشيات بالتخلّي عن سلاحها الذي يحمي مرشحي الأحزاب التي تنتمي إليها، فقدان الثقة بمفوضية الانتخابات بعدم استقلاليتها وقانون انتخابي يعطي للعشائرية المتخلفة دورا في قرارات الدولة المهمة.  لذلك فإنّ الانتخابات القادمة لا تغيّر طبيعة النظام الحالي، بل ستعطيه بطاقة العبث بمقدّرات الشعب لأربع سنوات أخرى. تحت هذه الظروف تمّ خلق حالة هدوء  لتمرير هذه الانتخابات، سواء كان باتفاق الأطراف المتحاصصة أو بدون اتفاق، ولكن حرصا على مصالحها والاحتفاظ بتمثيلها البرلماني، وكما يقال "الهدوء يسبق العاصفة"، العاصفة الآتية ما بعد الانتخابات.
 لذلك بادر الحزب الشيوعي العراقي وأحزاب ومنظمات وشخصيات أخرى إلى مقاطعة هذه الانتخابات واللجوء إلى النضال المثابر بطرق سلمية أخرى لتغيير نظام المحاصصة وإنهاء دور الحكومات الفاشلة- الفاسدة لفترة عقدين من الزمن والانتقال إلى نظام برلماني حقيقي تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماع
 
عرض مقالات: