تمهيد:

 ما دعاني الى ترجمة هذا المقال أن تشابها مدهشاً بين مشروعي الاحتلال الامريكي في العراق وافغانستان، على الأقل فيما يتعلق بالفساد و اللصوصية، تعاقدات مع شركات وهمية، استنزاف أرصدة المصرف المركزي، فضائيون في مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والشرطة٠

من الجدير بالذكر ان ترجمتي للمقال لا تعني اتفاقاً مع الرؤيه اللبرالية للكاتب، الذي يرى أن نخر المؤسسات بالفساد وفرض و دعم حكومة كليبتوقراطية خطأ ستراتيجي، كان يجب تفاديه لكي يحقق الاحتلال انتصاراً محققاً، دون اي اشارة الى نزعة الهيمنة الامبريالية في طبيعة مشروع الاحتلال ذاته.

 المقال:

  الانهيار المفاجئ للحكومة في أفغانستان ، و الصور المأساوية للأفغان وهم يحاولون الفرار من حركة طالبان ، جعل السياسيين والمعلقين الأمريكيين يتخبطون بحثاً عن إجابات شافية. ألقى البعض باللوم على الإدارة في عملية إخلاء مرتبكة ومتعثرة. وألقى آخرون باللوم على الرؤساء الحالي منهم والسابقين ، إما لإبرامهم صفقات مربكة، أو تجاهلهم لدروس الاحتلالات الأمريكية السابقة. 

 يُعزى الاجتياح السريع لطالبان إلى عدة عوامل. لكن الفساد عبر الإدارات المتعددة لم يتم تناوله الا قليلاً في الوقت الحالي، على وجه التحديد ، الفساد الذي ساعدت على تفشيه الولايات المتحدة و شجعت عليه على مدى سنوات عديدة ، مما طمأن المسؤولين الفاسدين الافغان الذين اسهموا في عرقلة التحقيقات المتعلقة بمكافحة الفساد، في حين استمرت معاناة الأفغان البسطاء و هم يشاهدون المسؤولين يزدادون ثراءً وثراءً. لا يمكن اعتبار الفساد سببا وحيدًا لتفكك الحكومة الأفغانية، إلا أنه يمثل نهجاً متسقًا و مستمراً للإدارات الأمريكية المتعاقبة - و قد تغافلت عنه الولايات المتحدة على الدوام.

 ليس الأمر كما لو أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بالفساد الذي تفشى إبان الاحتلال الأمريكي ، أو الدور الذي لعبته واشنطن في تشجيع الكسب غير المشروع، فقبل بضع سنوات ، أصدر المفتش العام المختص بالتحقيق باموال إعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) تقريرًا شاملاً يوضّح كيف هيأت الولايات المتحدة مناخاً مناسباً للنخبة لممارسة اللصوصية وانتشار الفساد على أعلى مستوى في أفغانستان بعد الغزو عام 2001. التفاصيل الواردة في التقرير المكون من 164 صفحة محيرة للعقل ، ليس أقلها مدى وضوحها في تفصيل الفساد الشامل الذي بلغته الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.

كشف التقرير عن تحقيق في قيام أحد مساعدي الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي بطلب رشوة لعرقلة تحقيق مستقل في الفساد. تم الإفراج عن المساعد ، وأسقطت القضية في نهاية المطاف بعد أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز أنه كان مدرجاً ضمن قائمة من يستلمون رواتب شهرية من وكالة المخابرات المركزية سرًا. كما أشار تقرير SIGAR ، " مع اعتقال [المساعد] وإطلاق سراحه ، كان قد تم وضع ترتيبات تتيح غالبًا للمسؤولين الأفغان رفيعي المستوى الذين يُشتبه في فسادهم بالتهرب من الاعتقال أو المحاكمة".

 بعد فترة وجيزة ، بدأت التقارير تتوالى مشيرةً الى أن وكالة المخابرات المركزية قد بدأت أيضًا في تسليم أكياس نقود كاش مباشرة إلى الحكومة الأفغانية، أطلق عليها رئيس أركان حامد قرضاي  "الأموال الفضائية" ، وذهب الكثير منها مباشرة إلى أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين. ووجد التقرير في تحقيق آخر أن ما لا يقل عن 40 في المائة من آلاف عقود وزارة الدفاع، التي يبلغ مجموعها عشرات المليارات من الدولارات ، انتهى بها المطاف في أيدي العصابات الإجرامية والمسؤولين الإجراميين. وكما قال أحد المسؤولين الأمريكيين " أكبر مصدر للفساد في أفغانستان هي الولايات المتحدة".

حتى عندما لم يكن المسؤولون الأمريكيون متورطين بشكل مباشر في تحويل الأموال إلى سياسيين فاسدين ، بدت واشنطن أكثر من سعيدة بغض الطرف و النظر في الاتجاه الآخر،, بينما كان المسؤولون الأفغان يستثمرون علاقاتهم للثراء. على سبيل المثال ، بعد أن تبين أن مصرف كابول ، ألمؤسسة المالية الرئيسية في البلاد ، ليس إلا واجهة للنصب والاحتيال، وحين إستحوذت الشخصيات الأفغانية المرتبطة سياسياً بالحكومة على ما يقرب من مليار دولار من خلال شركات وهمية - بدأت الولايات المتحدة التشدق بالكلام فاعلنت بانها ستواصل التحقيقات واسترداد الأصول المسروقة. ومع ذلك ، وكما يوضح تقرير SIGAR لعام 2016 ، لم تسفر المتابعه عن شيء على الإطلاق: "في النهاية ، لم تتعرض الحكومة الأفغانية لأي عقوبة بخصوص الدعم المالي من المانحين ، جزاء فشلها في محاسبة واسترداد الأصول الهامة من الأفراد المرتبطين بالحكومة الذين احتالوا على الشعب الأفغاني ".

 يبدو أن الامر استمر ضمن هذا السياق لسنوات ، حيث أعطت الولايات المتحدة الأولوية للمخاوف الأمنية على محاربة الفساد المستفحل. كما خلص تقرير SIGAR إلى أن "الولايات المتحدة ساهمت في نمو الفساد من خلال ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأفغاني ، مع التهاون في مجال الرقابة و اصول التعاقدات ، والشراكة مع الفاسدين من السماسرة ذوي النفوذ ." في ظل الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة ، غادرت مليارات الدولارات من الأموال غير المشروعة البلاد ، وتدفقت إلى النقاط الساخنة لغسيل الأموال مثل دبي  ليتم غسيلها. حتى عندما اعترفت الولايات المتحدة بالفساد باعتباره تهديدًا مستمرًا للاستقرار الأفغاني ، كما أفادت SIGAR ، "تفوقت الأهداف الأمنية والسياسية دائماً على الإجراءات الفعالة لمكافحة الفساد". أو كما لخصت صحيفة واشنطن بوست في عام 2019 ، "أغرقت الولايات المتحدة [أفغانستان] بالمال - ثم غضت الطرف عن الكسب غير المشروع الذي غذته بنفسها".

بدأ المواطنون الأفغان يلاحظون ذلك. وكما قال أحدهم في اتصال مع سارة تشايس ، التي أصدرت كتاباً مهماً عن الفساد في أفغانستان: "نحن نفترض فقط أن أمريكا تريد الفساد. ليس لدينا طريقة أخرى لتفسير تصرفها هذا". استثمرت طالبان هذا الواقع ، ووجدت المعارضة المسلحة تتهاوى أمامها ، ويبدو أنها غير مستعدة لمواصلة القتال نيابة عن حكومة فاسدة بشكل محزن. (تجدر الإشارة إلى أن مسار طالبان أصبح أسهل بكثير  لأن عدداً  كبيراً من قوات الدفاع الأفغانية كانت موجودة فقط على الورق ، كل ذلك من أجل الحفاظ على تدفق الأموال إلى القادة العسكريين المنحرفين وداعميهم السياسيين).

 أهي مفاجأة؟ هل هي مفاجأة أن يجد طالبان طريقاً سهلاً إلى كابول؟ هل يجب أن يكون مفاجئًا لنا أن رغبة الولايات المتحدة في تبني نظام حكم اللصوصية في أفغانستان قد انتهى بها الأمر إلى أن تنفجر في وجوهنا ، أم أن حكومة أي دولة عميلة فاسدة ستنهار بمجرد مغادرة راعيها؟.

أليكسي نافالني ، العارف بمخاطر الفساد ، كتب من زنزانته في السجن الروسي بعد سقوط كابول: " الحقيقة أن الغرب فشل في ملاحظة الفساد الشامل في أفغانستان - وقد فضل القادة الغربيون عدم الحديث عن موضوع بدا لهم محرجا - إنه العامل الابرز في انتصار طالبان (بدعم من السكان) ".

 ربما كانت المفاجأة الوحيدة ، بمعنى ما ، أنه لا شيء من هذا كان مفاجئاً. كل هذا كان يمكن - بل ينبغي - توقعه. هذا النوع من قصر النظر الاستراتيجي ، المتمثل في قيام القوات الأمريكية بدفع الأموال للساسة المنحرفين من أجل الأمن المفترض ، كان دائمًا محكومًا بالفشل.

نافالني ليس الخبير الوحيد في مكافحة الفساد الذي يمكنه قراءة الكتابات على الحائط. قال رايان كروكر ، سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان ، قبل سنوات: "إن نقطة الفشل النهائية لجهودنا ... لم تكن التمرد". "لقد كان ثقل الفساد المستشري". و توافقه الرأي المحللة كاثرين بوتز بقولها: "الفساد يكمن في قلب سقوط كابول". و تشاطرهما تشايس ، التي اكتسب كتابها عن  لصوصية النخبة في أفغانستان فجأة أهتماماً كبيرا ، مشيرة إلى أن السبب الرئيسي لنجاح طالبان المتزايد هو "فساد الحكومة الأفغانية ، والدور الأمريكي في تمكينها وتعزيزها".

انهم على حق تماما. إن الحكومة التي يقودها اللصوص لا يمكن أن تحظى بالولاء ، والجيش الذي ينخره فساد قادته من غير المرجح أن يبدي أقوى مقاومة ممكنة. ويجب أن تكون الولايات المتحدة قد تعلمت ذلك بشكل أفضل لعدد من الأسباب.

 مرارًا وتكرارًا قالت الولايات المتحدة إنها تعطي الأولوية في أفغانستان للأمن على جهود مكافحة الفساد. وفي النهاية ، لم تحقق أياً منهما.

 نشر المقال في موقع أن بي سي نيوز

https://www.nbcnews.com/think/opinion/america-enabled-afghanistan-s-corruption-years-taliban-knew-it-ncna1277327

 

عرض مقالات: