منذ سقوط النظام الدكتاتوري لم تتوان القوى المتنفذة " لفرض اجندتها المنطلقة من مشروعها الهادف لاقامة الدولة الدينية. الا انها قد واجهت المجتمع العراقي ذات الطبيعة المدنية على الاغلب، التي بنيت خلال عمر الدولة العراقية. حيث تأسست على هذه القاعدة الحضارية، غير ان هذه الاوساط ما برحت تطرح بين آونة واخرى، بعض مفاصل مشروعها بغطاء ذرائع مختلفة. ماضية نحو مرماها الحساس. وكان اول فريسة انقضاضها، هو قانون الاحوال الشخصية .. وبدءا ذي بدء بشرت بقانون بديل سمته " القانون الجعفري " والحقته بمشروع اباحة تزويج القاصرات، وفي ذات الوقت عارضت قانون العنف الاسري. واليوم تطرح قضية حضانة الاطفال بعد الطلاق حيث يتم بموجبه تحويل الحضانة من الأم الى الأب بدءاً من عمر العشر سنوات، بعد ان كانت قد حددها القانون النافذ رقم 188 لسنة 1959 بعشر سنوات.
ان اثارة هذه المسألة الشائكة في غداة الانتخابات البرلمانية ليست ببعيدة عن غاية سياسية معلوم غايتها التي لا تخرج عن استمارها بالدعاية الانتخابية، وبتجاهل تام عن كون هذه الخطوة من شأنها اثارة الارتجاج في التماسك الاجتماعي وتأسس منصات اجتماعية متصارعة تنطوي على تعميق التمحور والتناحر بين العوائل المتصاهرة، وارساء حالة من الفصل الحضاري بين المدنيين والمتدينين. وتتوهم هذه الجهات بانها في هذا المسلك ستصل الى مساحة يمكن ان تجد فيها فئات ذات مستويات قليلة الوعي الثقافي والاجتماعي سهلة التجاوب العاطفي معها، ويمكن ان تؤيدها في هذا المنحى المعاكس للتطور الحضاري، الذي لا تحمد عقباه قطعاً.
ان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الحالي قد تم تأسيسه على قاعدة حضارية وانسانية. كما اشتركت في اعداده مختلف الاوساط العلمية والدينية والثقافية، ومنظمات المجتمع المدني، وكانت الحصيلة بقانون رصين. ولهذا لم يتمكنوا من استهدافه جملة وتفصيلاً مع انهم سبق ان جربوا باصدار ما سمي بـ " القانون الجعفري" وكان مآله الفشل. فاخذوا يتناولون بعض بنوده الواحدة تلو الاخرى. حيث تستهدف اليوم مادته " 57 " التي تعنى بحضانة الاطفال بعد الطلاق..التي طرحوا تعديلها لصالح الأب..ان الصيغة التي يعتمدونها مفعمة بعوامل الظلم للامهات وللاطفال على حد سواء، ومن شأنها اثارة الجدل والاختلاف المؤثرة سلباً على رصانة المجتمع العراقي.
لا يغرب عن بال عارف بمستويات التفكك العائلي غير المسبوق في العراق، الذي وصل الى ظاهرة تدمي القلوب. ففي كل يوم تحصل مئات وقائع الطلاق. هذه هي الحلقة المركزية التي ينبغي تسليط الضوء عليها.. ان التبحر في صلب هذه الظاهرة يدلك مباشرة الى منهج تعدد الزوجات. كما يمضي في ظل هذا وذاك تزويج القاصرات من عمر { تسع سنوات } المشرّع لدى القوى صاحبة مشروع التعديل. معلوم ان مبعث هذا المنهج يعود بالدرجة الاساس لحالات الغنى التي غمرتهم من جراء ممارسة الفساد المالي والاداري، الذي يقابله بوجهه الاخر، الافقار المتقع لاغلبية المجتمع العراقي مما اطلق حالات الزواج غيرالعادلة وبابخس شروط و مهورالزوجات غير المنصفة.
وتكشف لنا هذه الاحوال حيثيات دعوة الاوساط لتغيير قواعد حضانة الاطفال بعد الطلاق. وكأنهم يقولون: دعونا نمهد لممارسة " حقنا " بالزواج { المثنى والثلاث والرباع } متكئين على المفاهيم متخلفة، التي امست مخالفة لتطورات العصر.. كما ان لسان حالهم يقول ايضاً: نقوم بالتعديل لكي لن تعيقنا مصائر الاطفال من ممارست الطلاق الظالم . ولكي نضمن ان يعود مرجعهم للاباء.. هذه دواعي محاولة تغيير المادة " 57 " من القانون التقدمي 188، والذي يعد آخر ما تبقى من انجازات ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 بقيادة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم دون ان يعيروا اي حق للامومة ومصير المطلقات وتداعياته الاجتماعية.