جمهورية الصين الشعبية تأسست في بداية الحرب الباردة، مما أثار الخوف  والعدوانية  لدى  المعسكر الرأسمالي  بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تبنَّت سياسة خارجية تهدف إلى احتواء ومعاداة الصين، ورفضت الاعتراف بها. ومع ذلك، ونظرا لأنها تمثل العدالة العالمية، فقد نالت الصين الجديدة الاعتراف من المعسكر الاشتراكي وبعض الدول ذات التوجهات الوطنية، وأقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع أكثر من عشر دول في العام الأول لتأسيسها (كان عدد الدول ذات السيادة في العالم آنذاك حوالي ستين  دولة فقط).  مرَّت قبل ايام  الذكرى المئوية لميلاد الحزب الشيوعي الصيني ، عام 1921،  ووصل إلى السلطة منذ 72 عاماً، بعد حرب أهلية طويلة. وشهدت الصين منذ ذلك الوقت تحولات كبرى، بعضها لم يظهر في الحملة الدعائية للذكرى المئوية.وتبث وسائل الإعلام حملة دعائية كبيرة عن تاريخ البلد بنسخة اعتمدها الحزب الشيوعي. كما صدرت أغنية جديدة بعنوان "مئة في المئة"، للإشادة بإنجازات الصين. وأعلنت بعض المواقع ذات الأهمية التاريخية بالنسبة للحزب الشيوعي، عن زيادة عدد السياح هذا العام .ومنذ  عام 1978 تميزت مرحلة الانفتاح على الرأسمالية بإدخال إصلاحات جذرية على الاقتصاد وذلك بالسماح بإنشاء مقاولات خاصة وتحديث الصناعة والسماح بالملكية الخاصة للأراضي وجلب التكنولوجيا الغربية. تحرص الصين على أن يكون لها دور فاعل في المؤسسات الدولية المالية وتطالب بتعديلات على النظام المالي الذي يخضع لسيطرة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وتطالب بكين مجموعة العشرين بعملية تدريجية للإصلاح بعيداً عن الدولار، والتوجه نحو عملة عالمية بإشراف صندوق النقد الدولي.واعلنت الصين خطة الحزام والطريق بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ وتهدف لاستثمارات 900مليار دولار وتتضخم إلى ثمانية  تريليونات دولار.   فالقيادة الصينيّة طَوّرت الفكر الشيوعي وأخرجته من بعض الجمود ، وأخذت من الغرب الجوانب الاقتصاديّة والتكنولوجيّة، والآن باتت تُنافِس الدول الغربية واميركا ، وتتفوّق عليهم، وتُهَدِّد هيمنتهم العالميّة، وتضع برنامجًا استراتيجيًّا لتوحيد الشرق، وتشكيل تحالف عسكريّ مُشترك مع روسيا وكوريا الشماليّة وإيران، وكُل من يُريد الخروج  من التبعية  الغربية والاميركية.  منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، قادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، التي يمثل شي جين بينغ نواتها، الحزب بأكمله والشعب الصيني إلى عصر جديد من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. هذا العصر الجديد هو عصر تحقيق الحلم الصيني، وتعزيز القوة الوطنية وتقديم مساهمات كبيرة للعالم. تستوعب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفي القلب منها شي جين بينغ، الاتجاه العام لتطور الصين والعالم في العصر الجديد، وتقود الصين إلى قلب المسرح العالمي، لتصبح الصين قوة دبلوماسية عظيمة للدفاع عن التنمية العالمية والحفاظ على السلام العالمي. وشهدت المرحلة الأخيرة فى الأحادية القطبية تطورات، على الأقل فكرية فى البداية، هدفها رفع مستوى القوات المسلحة الأمريكية بما يتناسب والصعود العسكرى الصينى. عرفنا  عن رغبة فى تطوير شامل لجميع أفرع هذه القوات والأسلحة وسياسات التدخل العسكرى.

مثلا دعت كاتبة أمريكية إلى انتهاج سياسة تتفادى الانحشار والامتناع عن الوقوع فيما أطلقت عليه إغراءات الانغماس فى حروب صغيرة. هناك أيضا دعوات بالامتناع عن مسايرة دول صديقة تسعى للدخول فى حروب لا مصلحة لأمريكا فيها، وأن تكون القضايا وليس الدول هى محل الاهتمام فى اتخاذ قرارات التدخل. من ناحية أخرى ظهر من يعرض فكرة استغناء أمريكا المتدرج عن الأحلاف الكبرى والثابتة والاكتفاء بتحالفات ثنائية مرنة. كيسنجر في كتابه عن الصين الذي نشره في العام 2012 يستند إلى مذكرة دبلوماسية نشرها  ايركرو عام 1907 موظف في وزارة الخارجية البريطانية وكان مكلفاً ببحث العلاقات بين بريطانيا وألمانيا حيث يختم فيها إيركرو أنه أياً كانت نوايا القادة الألمان فإن الاندفاع الاقتصادي لألمانيا جعل الصراع محتماً وفعلاً اندلع بعد سبع سنوات تماماً من نشر المذكرة ويذكر كيسنجر هذه التجربة في كتابه للتحذير من توجه العلاقات الصينية الأميركية الذاهبة في نفس الاتجاه ومع النتيجة ذاتها ذلك أن التوترات لا تتوقف عن التصاعد منذ إدارة أوباما حيث كان يتسع الرأي في أوساط الاستخبارات العسكرية والسياسية بأن صعود قوة الصين يشكل تهديداً وجودياً على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وهكذا فإن تحريض إدارة ترامب للحرب والتصعيد لحرب اقتصادية ضد بكين هي مصطلحات القوة التي تنبعث من دعائم الدولة الأميركية ذاتها والى الآن نفس لهجة التصعيد في فترة بايدن الحالية . كيسنجر يمثل الفئة التي تعتبر مصالح السياسة الخارجية الأميركية كأفضل خدمة عبر الاشتباك مع الصين وقد تم التوجه إلى ذلك بدءاً من أعوام 1970 في محاولة للتعاون ضد الاتحاد السوفيتي السابق وقد استمر هذا الالتزام خلال أعوام التسعينات وتعمَّقَ على قاعدة الانفتاح على موارد اليد العاملة بكلفة زهيدة للصين التي عادت بفوائد هائلة على الرأسمالية الأميركية وهذا ما قاد إلى تهيئة الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عبر إدارة كلينتون ثم في ظل إدارة بوش الابن وقد تم ذلك انطلاقاً من مبدأ أن توسع رأسمالية (السوق الحر) إلى الصين واندماجها في السوق الرأسمالي العالمي تحت هيمنة الولايات المتحدة سيقود إلى بزوغ نظام صيني مستعد للخضوع إلى المصالح الأميركية لكن في السنوات الأخيرة ومع وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى قيادة الصين فإن التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة عرف تغيراً أساسياً فالالتزام تم استبداله بما سمته صحيفة ول ستريت جورنال في عنوان مقال نشرته ( الصراع الكبير مع الصين ) آخذين بعين الاعتبار تطور السياسة الأميركية ويذكر المقال أن الأمل منذ زمن طويل كان أن تصبح الصين فاعلاً مسؤولاً في النظام الدولي.                                   

ويعود نجاح الصين الاقتصادي بشكل أساسي إلى التصنيع منخفض التكلفة ويعزى  ذلك إلى الأيدي العاملة الرخيصة والبنية التحتية الجيدة ومستوى عالٍ من التكنولوجيا والمهارة الإنتاجية المجتهدة والسياسات الحكومية المواتية، ويعود السعر المخفض لصرف العملة. وتساهم الصين بحصص مرتفعة من الإنتاج العالمي للصناعات الأساسية كصناعات الصلب والألمنيوم، والصناعات التجهيزية والاستهلاكية (في طليعتها صناعة اللعب والنسيج والأحذية) وسَجَّلت الصين تطوراً كبيراً في مجال الصناعات العالية التكنولوجيا منها الصناعة الإلكترونية والمعلوماتية ومعدات غزو الفضاء وتتمركز معظم هذه المناطق الصناعية في الواجهة الساحلية الشرقية حيث نجد مدناً رئيسية في مقدمتها شنغهاي، بكين، شانج شيون، تيانحين كوان زو.                 

إن الادعاء بأن الصين قد خلقت نموذجاً تنموياً خاصأ بها ليس بعيداً عن الخطأ، وميزة مهمة فيه يمكن أن تسمى "إدارة التنمية"، على النقيض من الإدارة العامة ومن المؤكد أن الخطط الوطنية الخمسية للصين والمؤتمر الاقتصادي السنوي للحزب الشيوعى الصينى هي جزء من إدارة التنمية فى الصين وينطبق الشيء نفسه على العديد من استراتيجيات وخطط التنمية المحلية وقد قدمت الجامعات الصينية في نهاية المطاف دورات وحتى درجات علمية في إدارة التنمية مثلما أن درجة الإدارة العامة شائعة في كل مكان.                      ولكن القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، ولا تدير السياسات المالية والنقدية مفهوم كينز فقط، ولكن أيضا " أدوات" أخرى قد لا تكون متاحة في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الاستراتيجية فضلا عن القطاع الحكومي الكبير، وتعطي هذه " الأدوات" الدولة الصينية سلطة أكبر.

إنَّ الذين يُعادون  الصين ويحبون أميركا لأسباب موضوعية ,أولها أن محبي الغرب هم غالبية الحكام وليست غالبية الشعوب لأن أمريكا ممثلة الغرب تتجاوز وتتواطأ في غالب الأحيان مع الحكام الفاسدين الذين يرون فيهم استمرارا لأحتلال هذه الدول . فالخيرات التي ذهبت للأستعمار لأجلها تأتيها حتى عواصمها على شكل استثمارات ومصاريف عطل ونوادي قمار وشراء شقق وقصور ومشتريات وطائرات مذهبة بمليارات الدولارات تنعش اقتصادها الوطني وتلبي حاجيات ورفاهية سكانها . إضافة الى آلاف الملايين  من مبيعات الأسلحة , والفساد لن تسمح به الصين . وقد وصلت الصين الى ما وصلت اليه اليوم من ريادة اقتصادية محمية بترسانة عسكرية يجعل الغرب يخاف منها ويعاديها هو والدائرون  في فلكه . الصين تُطبِّق أقسى العقوبات بحق لصوص المال العام وتجار المخدرات والفاسدين. واجتذبت الصين تدفقا مستمرا من الاستثمارات الأجنبية منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، إذ تسابقت الشركات لدخول سوق الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان الاستثمار في الأيدي العاملة منذ بدايات الثمانينيات جرى تشجيع الصينيين على الاستثمار في مجموعة واسعة من المؤسسات الصغيرة، في حين خففت الحكومة من الرقابة على الأسعار وشجعت الاستثمار الأجنبي. وركزت الصين على التجارة الخارجية بوصفها وسيلة رئيسة للنمو، الأمر الذي أدى إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة أولاً في شينتشين (بالقرب من هونج كونج) ثم في غيرها من المدن الصينية جرت أيضا إعادة هيكلة الشركات غير الكفء المملوكة للدولة من خلال إدخال النظام الغربي في الإدارة بينما أغلقت الشركات غير المُربحة، ما أدى إلى خسائر هائلة في الوظائف. 

  ما يهمنا من درس الصين أن نتعلم منهم معادلة الحياة، فقبل عقود فقط كانت الصين بلد نامي، ومهدد بالفقر والجوع والحصار، لكنهم  قاموا بشيء بديهي ، ألا وهو العمل والانتاج، فتحوا مصانع وشركات في كل مكان، بخطة حكومية وقطاع خاص، وخاصة في المناطق الفقيرة، أنتجوا، ولم يستوردوا كثيرا، صنعوا كل شيء تقريبا، حاولوا ونجحوا، هذه المصانع شغَلت الشباب، فإزدادت  القدرة الشرائية للأسر، فانتعشت الأسواق، وبقيت العملة المحلية داخل البلد، ولم تستنفذ للخارج للاستيراد، وهذا مهم كالبترول بتبادل تجاري عادل، ثم صدَّروا للأمم المستهلكة ، فإرتفع سعر  العملة الصينية، واعترف العالم بهم أنهم أمة تستحق الاحترام.هذا يعني إذا اردنا تطوير بلدنا  أن  نفعل الشيء نفسه، نحب العمل، وننتج، نُصنِّع ولا نستورد، نُصدِّر ولا نستهلك ما يصنعه غيرنا، لان الاستيراد استهلاك ، وأن نأكل ونشرب ونلبس من صناعتنا .هذه معادلة الحياة، وعكسه الفقر والضياع والتبعية والهوان والانقياد للغير. ينبغي أن نفعل ما فعلته الصين، وبذلك يكون المستقبل لنا، وليس للغرب ، لأننا نملك الى جانب قدرتنا على العمل الموارد والثروات الطبيعية كالبترول والغاز وغيره ، وأهم من ذلك الثروة الحضارية ، لأن الحياة  مال وقيم، والمستقبل لمن يجمع بينهما، وهذا ما عجز عنه الغرب.