يطلق مجازاً على العملية الانتخابية بـ " المعركة الانتخابية " بمعنى من المعاني ان دخولها يستلزم امتلاك اسلحة خوض غمارها. حالها حال أية حرب، في هذه الجزئية طبعاً. ولكن الفرق هو في نوع الاسلحة. ففي المعارك بين جيوش الدول المتنازعة تستخدم الاسلحة " النارية " اما معركة الانتخابات فاسلحتها " ناعمة " كالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعبّرة عن طموحات اوسع الناس وافقرهم، وكذلك ترشيح الشخصيات النزيهة الجديرة ذات الرصيد النضالي. ومن جملة هذه الوسائل، حُسن التحرك لكسب الناخبين واختيارالحلفاء، ولا يهون استثمار اية فسحة وقت من الزمن المتاح قبل ازوف ساعة الاقتراع.
ومن المعلوم ان زمن التحضير لخوض الانتخابات ليس كزمن ما بعد اجرائها، لانه حينذاك يتغيّر الايقاع السياسي مرتهناً بالنتائج، اي بعدد المقاعد التي يحصل عليها كل طرف. حيث لن سيأتي صاحب المقاعد الاكثر، الى الذي اقل منه ليقول له: دعنا نتحالف. حتى وان كانا متوافقين بالتوجهات السياسية، انما العكس اذ ينتظرصاحب العدد الاكبر ان يؤتى اليه ويُطلب منه ذلك.. وبفعله من الوارد سيصبح من الصعب بمكان، تمرير مفاهيم الطرف الحاصل على اقل المقاعد، مع الذي لديه مقاعد برلمانية اكثر. وعندها يغيب مناخ التواضع والتنازل البيني.. ولكن اذا ما كان التحالف قد تم قبل فرز النتائج، وما زال مجهولاً مقدار رصيد كل من المتحالفين.. عندها سوف لا يحتمل حصول اختلافات حول البرنامج. او التوجهات السياسية التي حسم الاتفاق حولها مسبقاً، اذ انها قد امست بحكم التعهد وكميثاق شرف سياسي، يرافقها التماسك والمضي معاً لشق الطريق نحو تحقيق الغايات والسياسات المتحالف عليها.
هنالك قنطرة تحالفية اخرى ينبغي عبورها، والمتمثلة باستغلال الزمن المريح. اي ما قبل وقت الاقتراع. الذي يتيح اريحية اختيار الحليف الاقرب، والذي يخلو من العقد او ينطوى على مكامن الخلافات التي تتطلب عناءً ثقيلاً لتخطيها. اما تحالفات الايام او الساعات الاخيرة، فعندها يقتضي الامر.. ان تتجاوز بالضرورة وبفعل ضغط العامل الزمني لبعض العثرات، وربما يتم التساهل مع امور لم تُقبل في الوقت المريح وغير الضاغط، يحصل ذلك بغية اللحاق بركب وتوقيتات العملية الانتخابية الدستورية. هذا يفترض ان يجري في ظل توفر نظام انتخابي عادل ورصين، وظرف انتخابي آمن، ومفعم بالشرعية القانونية.
ومن هذه النافذة ماذا نرى في اللوحة السياسية المُلتبسة والمُحتبسة بحرارة الصواريخ { السلاح المنفلت } وغياب دور الدولة والقانون. في حين تمضي القوى المتنفذة بكل اريحية متسارعة، وباستباق موعد الدعاية الانتخابية، وكذلك ترتيب احوالها، وانطلاق دور اموالها السياسية الفاسد المفسدة، وترصين تحالفاتها، وتقسيم حصصها في شبكة موظفي المفوضية ناهيك عن ما طالها هي بالذات التحاصص المستتر، الذي اجتاح ايضاً الدوائر الانتخابية. اضافة الى التحكم بمصير البطاقة الانتخابية " البايومترية "، وغير ذلك من مفسدات الحياة السياسية في البلاد الضامنة لتزوير الانتخابات التي تعيد تدوير الفاسدين..
اذن ماذا بقي للذين ما زالوا يأملون بعقد المؤتمرات لعلها تنتج لهم احلاف الساعات الاخيرة ؟!!. التي لا تؤدي الغرض المطلوب في العملية الانتخابية. لانها قد خسرت اريحية التحرك والتهيئة ضمن الزمن المتاح، لكونها قد تأخرت ولم يتوفر امامها من الوقت سوى القليل جداً، مما تبقي من الفترة المحددة " اربعة اشهر "، التي تسبق اجراء الانتخابات البرلمانية، والتي لم تعد كافية، ولا تلوح فيها فرصة لتحقيق ما ينبغي انجازه من المبتغى..
اليس هذا ما يدعو الى تكريس الجهود لتشكيل تحالف معارضة خارج البرلمان ليكن ذا فعل سياسي مطلوب في عملية التغيير.. فهو افضل من تشكيل تحالف انتخابي ينوي صعود العربة الاخيرة من قطار الانتخابات، بغية دخول البرلمان القادم ولا يمتلك من تاثير غير اضعف الايمان. فيصعب تصور مستقبله في ظل الاحوال العراقية عامة المضطربة للغاية، والمطوّح بها من قبل الفساد والفشل وتحكم التدخلات الخارجية على مختلف مناحي الحياة في العراق.