في منشور على أحد مواقع التواصل االإجتماعي جرى التطرق الى ولع الخلفاء المسلمين باقتناء الجواري اللواتي سبين في الفتوحات الأسلامية، وإلى أسعارهن في أسواق النخاسة في الحواضر الأسلامية، وكيفية التعامل معهن. وتضمن المنشور أرقاما مهولة عن أعداد الجواري خاصة الأمازيغيات التي ولع بهن الخليفة عبدالملك بن مروان وأبنه وخليفته هشام أبن عبد الملك.

 الأرقام التي وردت في المنشور مستلة من كتب التأريخ الإسلامي التراثية المعتمدة على مدى قرون، لكن أحد المتفاعلين مع المنشور اعتبره (( تشويها متعمدا للإسلام )). وفي هذا إفتراض ضمني بمعاداة صاحب المنشور للدين، وسعي إلى هدمه، ومعروف ما يمكن أن يترتب على وضع شخص ما في دائرة معاداة الدين. فما هي الحقيقة؟

 لا ريب أن المؤرخين المسلمين كانوا يبالغون كثيرا في أعداد السبايا، ليس بقصد التشويه بالطبع وإنما بقصذ التفاخر، كما كانوا يبالغون بأرقام القتلى من الأعداء في الفتوحات الإسلامية. وذلك يعود إلى أن مدوناتهم لم تكن تعتمد على وثائق كما هو حال مؤرخي اليوم، وأنما على روايات متداولة. ولا شك أيضا أن من علق على المنشور لم يكن ليعتبره تشويها للدين لو أنه عاش في الزمن الذي يجري الحديث عنه، فالعبودية وأسترقاق النساء لم تكتسب آنذاك الصورة البشعة التي هي عليها الآن، بل كانت نشاطا تجاريا مشروعا، وظلت كذلك حتى الحرب الأمريكية التي أنتهت بتحرير العبيد، دون أن تساويهم بشكل كامل مع الآخرين، وحتى خمسينات القرن الماضي كان يتعين على أحفاد العبيد ذوي البشرة السوداء، في الولايات المتحدة، أن يتخلوا عن مقاعدهم في حافلات النقل العام لصالح أي أبيض لا يجد مقعدا شاغرا فيها.

 ليس في التذكير بشناعات الماضي أي محاولة للتشوية أو الإساءة الى دين معين أو مجتمع معين، وفيما يتعلق بالإسلام فأن كتب الفقه الإسلامي تتضمن أبوابا مطولة تتعلق بالعبودية، وبالتعامل مع العبيد والإماء، والجوانب الحقوقية المتعلقة باستغلالهم جسديا وجنسيا. لكن التعصب الديني أنسى صاحب التعليق هذه الحقائق، وحال بينه وبين ما إراد كاتب البوست الوصول إليه، وهو أن الغرض من الغزوات ((الفتوحات)) التي صبغت بصبغة دينية لم تكن لوجه الدين قدر ما كانت لأغراض أخرى منها نهب الخيرات والموارد الطبيعية والبشرية للمجتمعات المفتوحة. ومثل هذا الإستنتاج لا يمكن نفيه أو أستبعاده، إلا إذا تأكد من يتصدى للنفي من خلو الخلفاء والطبقات الحاكمة في المجتمعات الأسلامية من نوازع الطمع والعدوان، وقدم براهين مقنعة على قناعاته، وعدم الإكتفاء بأنكار الوقائع التأريخية والزعم بأن أيرادها والتذكير بها ليس أكثر من ((تشويه متعمد للدين)).

 أن مواصلة صبغ تأريخنا بصبغة دينية وتقديس ذلك التأريخ، والحيلولة دون تحليله تحليلا علميا، لا يلحق الضرر بالدراسات التأريخية فقط، بل يرسخ حالة الجهل والتعصب في الوعي الفردي والجمعي، ويديم توالد تيارات وحركات الإرهاب التي تتلفع بالدين.