كانت جداتنا ينهين حكاياتهن دائما بأن أبطالها (عاشوا عيشة سعيدة) ونحن فرحون بهذه النهاية رغم توقعنا لها، غير أن واقعنا اليوم لا يشبه حكايات الجدات، فهي مصائب تأتي دفعة واحدة وليست فرادى، وهي مستمرة مثل المسلسلات التي لا نهاية واضحة لها، وأبطالها - نحن - نعيش حياة تعسة جدا، فحنطة الفلاحين تحرق في موسم الحصاد، وتركيا تحرق قرى وبساتين دهوك، وأزمة مياه تلوح بالأفق، والكهرباء غائبة في هذا الصيف اللاهب، وألف مليار دولار من خزينة الدولة قد أهدرها الفساد، كما يقول رئيس الجمهورية، و تزوير الانتخابات على الأبواب، والمرشحون يفتتحون موسم حملاتهم بترقيع الطرق وتوزيع الرشى، و أجنحتهم السرية تواصل اغتيال الناشطين، وايران تتبنى مجموعات سرية في العراق، وإعلان ذي قار كمحافظة منكوبة، وكردستان تضيق الخناق على العمل الصحفي، ولجنة النزاهة البرلمانية تؤكد وجود تدخل سياسي لمنع فتح ملفات فساد الوزراء والمسؤولين في الحكومات السابقة، والحيتان الكبيرة تخطط لابتلاع منتزه الزوراء، والمصائب لن تنتهي وهي عديدة ولا حصر لها وموجودة في كل المجالات من التعليم والصحة والخدمات ومعيشة الناس وغيرها، فأين يولي العراقي وجهه يجد الأبواب مغلقة أمامه وكما يقول المثل ( الفگر تطلعه حتى بالكرشه عظمه)
نحن إذن في المرحلة الزرقاء، وهي الفترة التي مر بها الفنان بابلو بيكاسو في بداية عام 1901 بعد انتحار صديقه الفنان كارلوس كازاجيماس، أذ جسدت أعماله التي خرجت باللون الأزرق والاخضر المائل للزرقة، البؤس، المصائب الحزن، الفقر.
وقد خرج بيكاسو بعد حين إلى المرحلة الوردية وبدأ يستخدم الألوان المفرحة والحارة. ولكن عراقنا الحبيب غير مقدر له أن يحقق ذلك، فألوان شوارعه متربة، تعلو أطرافها ووسطها المزابل، وسماؤه غير صافية من الغبار، وقد تساءل أحد الرسامين الأجانب كيف يستطيع الفنان العراقي عمل ألوان في لوحته في هذا الجو المكفهر؟! والتموجات الغرينية لنهر دجلة تختفي بسبب اليباس، والأقنعة التي تغطي وجوه المسؤولين أخذت تتشابه، وتبدو وجوه المواطنين كطين مفخور من لهب الحر والتعب والأنين، وأمهات الشهداء الذين اغتيلوا تملأ عيونهن الدموع ويتساءلن: بأي ذنب قتلتم أولادنا؟
القوة المسيطرة عمياء، لا تعرف الألوان وتراها كلها متشابهة ماعدا لون دمنا المسفوح من أزلامها بالشوارع. فمن يتبع الخيط الأحمر النازل من جرحنا كي يضع الضماد؟