لا يحتاج القتلة مدمنو امتهان وارتكاب الجرائم الشنيعة، للكثير من الجهد والوقت والوسيلة، لإسكات أي صوت وضمير وطني شعبي يحلم بعراق جديد آخر، إذ يكفيهم ذلك ترتيب دراجة موتوسيكل أو سيارة عادية، وكاتم صوت أو حتى مسدس عادي أو كلاشنكوف، واستئجار أو تكليف مرتزقة أو زبائنيين من مجاميعهم، لتنفيذ ذلك.

وقد أوغلوا في اللعبة وهم يكثرون من طعناتهم لهذا الوطن المبتلى، وعبر سيل الدماء التي أسالوها دون واعز ضمير ولا شرف.

في ضمائر الوطنيين وأبناء الشعب العراقي، تبقى دماء المضحين والواهبين غالية، وجوهرها ومعانيها واحدة ومتشابهة، والأصوات التي تعالت في عموم العراق منددة بجريمة سفح دماء الناطق الرسمي لتنسيقية كربلاء المناضل الوطني إيهاب الوزني، كانت لهول هذه الجريمة وبشاعتها ورمزيتها، ولتزامنها مع موضوع الانتخابات وقرب بدء التنافس في الحملات الانتخابية.

في جريمة تغييب الصوت المدني الوطني إيهاب الوزني في مدينة كربلاء، تلك المدينة التي ارتبطت عبر التأريخ بالفداء والشهادة والتضحية، وبمأثرة رمز الأحرار الحسين بن علي عليه السلام، كان المجرمون الأوباش مفضوحين ومكشوفين في الغايات الدنيئة، وحين اختاروا وبقصد وعمد، المكان والتوقيت والظروف، وكذلك الرسائل المسمومة التي أرادوا لها أن تصل لمن يبغون، وقد وصلت.

لقد اختاروا المكان بدقة، للمعاني الكثيرة التي يرتبط به تأريخيا، والذي زادته بهاء وهيبة، تلك المواقف البطولية الباسلة لشبيبة المدينة فتية انتفاضة تشرين.

وقد أفلحوا بحنكة القتلة، في اختيار الزمن، خصوصا بعد الاستعدادات والمواقف الوطنية التي تبنتها الكثير من مجموعات المنتفضين في رص الصفوف، وتكوين وتأسيس منظمات وأحزاب سياسية، وشروعهم في مجابهة أحزاب المحاصصة وقوى السلطة والمال والنفوذ، وعبر ترشيح العديد من الوجوه الوطنية الشابة لخوض معترك الكفاح السياسي في الانتخابات، مع البقاء والإصرار على جذوة الانتفاضة ومطالبها الاحتجاجية العادلة، وحساب العودة للساحات والاحتجاج كل ما تطلب الأمر ذلك. وقد نالت هذه المواقف تأييد ودعم القوى والأحزاب المدنية والوطنية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، الذي اصطف مع الانتفاضة مشاركا ومساهماً فيها، ومنذ لحظات انطلاقتها، ولازال مواصلاً لنهجه هذا.

هذه الظروف التي خلقتها وعكستها انتفاضة تشرين في وعي المواطن، كانت موضع الصدمة والرعب لأحزاب الإسلام السياسي ولكل قوى المحاصصة والنفوذ، ومع شعورهم المتزايد بنتائج سوف لن تسرهم بأي حال من الأحوال.

لم يكن المنتفضون ولا الشيوعيون ولا المدنيون، في جهل من قوة ونفوذ سلاح وعتاد المليشيات التي تريد فرض واقعها وحلولها المتخيلة، وعبر دعم أجنحتها السياسية، ولا حتى من مثالب قانون الانتخابات والمفوضية، والمال السياسي، وقانون الأحزاب المغيب. وكانت دعوة الحزب الشيوعي العراقي قبل مدة من الزمن واضحة وساطعة، وهو يناشد الضمائر الحية الوطنية من قوى وأحزاب مدنية ووطنية ومنظمات وأحزاب المنتفضين، من أجل الحوار واللقاء والتكاتف والعمل المشترك وضمن أطر معينة يتفق عليها، من أجل خلق قوة ضغط كبيرة وجبهة مدنية بديلة يمكنها قلب الموازين السياسية الحالية المختلة، وعبر تعدد وسائل النضال والكفاح، ومنها خوض الانتخابات بعناوين مدنية، مع استمرار فضح وتعرية كل الجهات والأشخاص، وكل من يقف ضد استكمال مستلزمات عملية انتخابية عادلة.

لقد بات مكشوفا وجليا فحوى رسائل الموت التي أرادت إيصالها جريمة اغتيال الوطني المدني إيهاب الوزني، وهي تعني بالتحديد التشرينيين المدنيين وحلفاؤهم من الشيوعيين والوطنيين والمدنيين، وكل الرموز الوطنية الشابة، التي شمرت عن سواعدها وبدعم وتضامن أبناء الشعب، من أن لا مكان لكم في ظل نظام اللادولة الذي تتحكم فيه لغة الرصاص والسلاح، وبمعنى أن تكون الانتخابات ونتائجها مقررة سلفاً وفق منطق لغة التهديد والسلاح.

لقد أرادوا توجيه رصاصهم، لا لقلب وروح إيهاب الوزني فقط، بل لفكرة الأمل والدوس على الجروح والتعويل على الشعب، التي أراد منها الوطنيون والمدنيون جسراً لتجسيد مطاليب تشرين وروح الانتفاضة الباسلة.

خيار الشيوعيين العراقيين في تعليق مشاركتهم في الانتخابات، والمطالبة بكشف قتلة الشهيد الوزاني، وكل شهداء تشرين، واستمرار التأكيد على ضرورة توفر مستلزمات حقيقية لخوض الانتخابات، والدعوة لإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، يعبر عن الموقف الوطني الجريء والضروري والمتزامن في وقته وظروفه، وهو استمرار لمواقف الحزب الوطنية المشهودة والمعروفة في المشاركة والتضامن في انتفاضة تشرين، والمطالبة المستمرة بتجريد سلاح المليشيات والحد من نفوذها.

وتأتي أهمية هذا الموقف تزامنه مع نفس الخيار الذي اتخذه عدد من الأحزاب والقوى الوطنية والمدنية، ومنها قوى انتفاضة تشرين من الأحزاب المسجلة في مفوضية الانتخابات، وهو ما يحتم على جميع هذه القوى، ومعها قوى الشعب المدنية والوطنية الخيرة، وكل من يعز عليه حاضر العراق ومستقبله، من الشروع في الحوار والتباحث واختيار الطريق المناسبة للهدف الأسمى دولة العراق المدنية بأفقها الشعبي الوطني الملبي لروح المواطنة والعدالة الاجتماعية. كلما كان الموقف والخيار معبراً عن القوى الحية المدنية والوطنية الفاعلة مجتمعياً، كلما كان تأثير هذا الموقف مؤثراً وأكثر قدرة على الفهم والإقناع..

المجد والخلود للشهيد إيهاب الوزني ...

العار والذل دوما للقتلة المأجورين ...

عرض مقالات: