نقصد بالعادي هنا كما جاء في التعريف اللغوي، البسيط، المألوف، المعهود غير متجاوز مستوى عامة الناس.
ومن الطريف ذكره، عندما كنا في اليمن، كانت كلمة عادي تسمعها كثيرا حتى في وصف الأشياء الغريبة وغير المألوفة بالنسبة لنا نحن المغتربين، ونعتقد أن الأمر مدعاة للسخرية ولا نعرف أن (الحكمة يمانية) فما مر به اليمنيون من مآس خلال حكم الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب لأكثر من 126 سنة، جعلت الأمور الأخرى التي تحدث لهم عادية وخصوصا وأنهم اليوم يحاولون الخروج من مستنقع حرب الجميع على الجميع ومن التدخل الإقليمي.
وفي عراقنا أصبحت المآسي أيضا عادية بعد أن شوه براءة عيوننا مرأى الدم والقتل والنهب والرشى وغيرها.
كما شوهت رؤيتنا، وأصبحنا نقبل الأمور وأن كانت غريبة، على أنها عادية مئة بالمئة، ولهذا لا يحق لنا ان نتساءل عن الفرق بين من يقول الأرض واقفة على (قرن ثور) وبين حديث إعلامي ومدير مركز بحوث يخبرنا فيه أن الصين طلبت من عادل عبد المهدي أن يكون مستشارا لدولتها للاستفادة من خبراته الاقتصادية؟! وكذلك لا يحق لنا التساؤل عن الفرق من يؤمن بأن بول البعير دواء لا مثيل مثله وبين تصريح رئيس اللجنة الصحية في البرلمان العراقي الذي يقلل فيه من شأن مخاطر كورونا ويعتبرها (وباء سياسي)؟!
وإذا كانت الطرفة تقول إن الغرب اخترع طائرة بلا طيار وسيارة بلا سائق، فنحن نقول لهم نحن الأفضل، فلدينا وزارة كهرباء بلا كهرباء ومديرية ماء بلا ماء وخزينة أموال بلا أموال.. الخ. فهذا الواقع أصبح عاديا، ومتفقا عليه من قبل جميع الأطراف وروايته صحيحة جدا من قبل إعلام السلطات الثلاث.
ولكن ما هو غير العادي في وضعنا وغير المألوف والمفاجئ، أن يصحو المواطن في صباحه ويجد ما قاله المسؤول في طريقه إلى التنفيذ، وأن لا تعبس زوجته وتقول له آن المصرف اليوم لم يعد كافيا لشراء الأكل، وأن يشم رائحة وردة مع سماع أغنية (يا صباح الخير يلي معنا)،
ولا يسمع أخبار القصف أو التفجير أو الاختطاف، أو الاغتيال، أو الضرب أو الاعتداء على المواطن بالركلات أمام انظار المسؤولين. ويأمل أن ينجز معاملته تحت ظل نظيف يحميه من المطر والشمس، ومعاملة حسنة من قبل الموظف الحكومي، وألا يدفع لقمة عائلته رشى لإنجازها، وأن يجد من يعتني به كإنسان عندما يمرض ويذهب إلى المشافي الحكومية، ويجد الدواء الناجع له.
وحين يعود لا تطالعه وجوه أطفاله الشاحبة وملابسهم المتسخة من الجلوس على الأرض في الصفوف.
وفي المساء لا يطالعه مسؤول في ندوة أو لقاء أو تصريح تلفزيوني كي لا تداهمه الكوابيس في الليل، فحين يقول المسؤول سننظف الأزقة، يعني سينظف جيوب الناس، وإذا قال إن المواطن آمن في بيته وفي تجواله ومن دخل (بيت فلان) فهو أمن، فعليه ان يتحسس رأسه.
عادي أم غير عادي؟ سؤال لا يجيب عنه إلا الراسخون في معرفة سريالية هذا الواقع، ولله في خلقه شؤون (عراقية)!