يقول المثل العراقي " الباب التي تأتيك منها ريح اغلقها واستريح " وباب الاستثمار لدينا غارقة في مهب ريح عاصفة مفضية للانفلات من الضرائب، ومطلقة العنان للاستحواذ الرخيص على عقارات الدولة. ذلك من خلال السماحات الضريبية الخيالية من قبل الهيئة المعنية. فهي لم تدرك المخاطر ولا تتحلى بالاحتراس من الحرامية، وظلت مفتوحة على مصراعيها منذ سقوط النظام السابق من دون تحفظ او وجود صيانة لقانونها، الذي من شأنه ضبط عملها. فصارت تتصف بالنافذة المستباحة التي يدخل منها ريح الفساد بكل يسر. فالتهريب والتهرب من دفع الضرائب في ظل " قانون الاستثمار " المفتوح للتلاعب والانتهاك. مما اصبحت نافذة الاستثمار تعد باخطر" ثقوب السد " كما يقال.
قانون الاستثمار العراقي قد صاغه الفاسدون، وظل مستغلاً من قبلهم، دون مساس او رقابة حكومية.. رغم النهب الذي ضرب اطنابه تحت جنح هؤلاء المتنفذين، كما صُنعت له بوابات تتسم بالخداع المقنن، والواجهات الطائفية ، التي تجلت بالسماحات المطلقة لاستيرادات مختلف مؤسسات الاوقاف.. هذا وناهيك عن الاعفاءات الكمركية للمشاريع المجازة دون سقف زمني للانجاز، او حدود لكمية المستوردات التي يتطلبها المشروع المعني. او التقيّد بالمواصفات المقررة للاعمار.
كانت التفاتة رئيس الوزراء الاخيرة حول واقع الاستثمار المنتهك. وقد وردت ضمن ثنايا تشكيل اللجان الحكومية لمكافحة الفساد. الذي بقي في غاية التحفظ الشديد، والترقب السلبي الوجل، امام قلاع حيتان الفساد. مع ان هذه الخطوة قد جاءت متأخرة، ولكنها افضل من لن تأتي، رغم كونها مكتفية بتجميد تسرب الفساد ولم تقطع دابره بالمعاقبة والمحاسبة وارجاع ما نهب. لاسيما وان هنالك 1128 مشروعاً وهمياً، او مستحوذاً على ارض الدولة دون حسيب او رقيب. ولا ننسى ان المشاريع المنفذة اغلبها غير منتجة اونافعة للمواطنين العراقيين حسب تصريح السيدة " سها داود النجار " رئيسة مجلس الاستثمار، مما يضع تلك المشاريع في دائرة التجاوز على قانون الاستثمار، وتبعاً لذلك ينبغي التدقيق والمعاقبة الحازمة لاصحابها والمتغافيلين عنها من المسؤولين.
ان هذه الخطوة اخذت تثير نسبياً تطلع الناس بالمزيد من الخطوات الحازمة في طريق مكافحة الفساد، بعد ان اصاب الجماهير اليأس من سلوك الحكومة المتهيب غير الجدي حيال اللصوص ناهبي ثروات البلاد. وثمة حقيقة يتوجب ان تقال. حيث كان قرار رئيس الوزراء لم يقترب بجد من مستوطنات الفساد، وانما اخذ يمر في ضواحيها.. كالمنافذ الحدودية، وبيع المناصب الحكومية، وفساد العقود التجارية الرسمية، والاستحواذ على عقارات الدولة، والاعفاءات الضريبية، واصدار سمات دخول البلاد للعمال الاجانب بذريعة حاجة المشاريع الاستثمارية اليهم ولكن يتم بيعهم او تاجيرهم للاخرين. كما يتم تعبير اشخاص مشكوك بامرهم بجوازات مزورة.
نرجع ونقول ان ذلك لن يوفر القناعة التامة بان السجون ستستقبل الطغمة الفساد، الا اذا تم ما يجب اتمامه، كألقبض على الفاسدين ورميهم بزنزانات السجون عبر اصدار الاحكام وفق القوانين المرعية، وكذلك مصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة المكونة من السحت الحرام.. اما اكتفاء الحكومة باجراءات الاستدعاء والاقالة وحتى التوقيف للمدانين بالفساد. لا تداوي جرحاً ولا تحمي مالاً لان السرّاق لهم ذرية اشرس منهم.