تتناسل في رؤوسنا الأسئلة يوما بعد آخر، دون أن نجد لها أجوبة، أو حلولا تقترب من الأجوبة، والملفات المعقدة تتشابك بشكل سريالي، ولا من سبيلٍ لاتخاذ إجراءات تبسُط هيبة الدولة وسلطة القانون، والعديد من أصحاب القرار، يدّعون بأنهم يسعون لفرض سلطة الدولة، فلم نلمس، لا حضورا للدولة ولا مؤشرات تدلل لسلطة البلاد، ليبقى الحبل على الجرار، والأبواب مشرعة لكل من هب ودب ليبرز عضلاته ويستعرض قدراته الاستفزازية  بشكل لا ينم على أن الفصائل العراقية المسلحة لا تعير ادنى اهتمام لهيبة الدولة وهي في الحقيقة، هيبة للمواطن وهيبة للشعب وهيبة للقوانين، وقبل كل شيء هيبة للعراق، اذا ما ارادت تلك الفصائل والعشائر والقوى المسلحة أن تفتخر بوطن آمن ومستقر ويحظى باحترام المجتمع الدولي لتشعر تلك القوى المدججة بشتى أنواع الأسلحة والتي تعتبر تحدٍ حقيقي للناس والبلاد والاستقرار الذي ينشده مجتمع ما زال يعاني من مجازر اعتى نظام فاشي، زج الأبرياء في حروب ومغامرات وكوارث، ما زال العراقيون يئنون من فواجعها، ليأتي خطر انتشار الأسلحة المنفلتة والخارجة عن سيطرة الدولة والقوانين التي ينبغي أن تكون هي الفيصل في استتباب الأمن والاستقرار للنهوض بالمجتمع العراقي الذي يعاني من شتى أنواع الكوارث نحو الشعور بالأمن والخروج من مسلسل الحروب والمذابح وقرقعة الأسلحة للانتقال  المواطنة الحقيقية، احتراما لتاريخ وحضارة وماضي عريق لوطن أسمه عراق.

فما الذي جرى لهؤلاء المواطنين المنتمين لفصائل لا تفكّر إلا بمصالحها وليست سوى أدوات لأجندات خارجية، لا تريد الخير للعراق ولا لأهله ولا لأبنائهم وعوائلهم، هم أنفسهم، لقاء ماذا؟ هذا ما لا يدركه فهم من يتابع مثل هذه المظاهر المخيفة.

فهل المواطنة والانتماء لتراب الوطن عادت مجرد هواء في شبك وفبركات من أجل تمرير المنافع الشخصية والنزوع البغيض للوطن؟ والعراق بأمس الحاجة لأبنائه، سيما الشباب منهم، لإعادة بنائه ووقوفه من جديد بتحد وهيبة ومباهاة أمام بلدان العالم، أم أن النوازع الذاتية والمصالح الشخصية والمنافع الزائلة وغياب الوعي ومحدودية المعرفة والمصالح المادية والانحياز المدمر للأجنبي، تغلّبت على مرؤة المواطن العراقي الذي تركناه في نهاية السبعينات من اشد المدافعين والحريصين على سيادة البلد والاستعداد التام للدفاع عنه وترخيص الغالي والنفيس وتقديم التضحيات للحفاظ على شموخ العراق وبقائه متسيّدا لقراره الحر المستقل، وذا هيبة تخشاها وتحترمها كل دول المعمورة.

قبل أن يزج المعتوه صدام ذلك الصبي عقلا والأبله تفكيرا والبلطجي سلوكا وهو يلملم ثلة من التافهين والأغبياء وعديمي الأهلية والجهلة، البلاد الى المهالك، ويوزع عليهم المناصب العليا وسلطة القرارات المصيرية وتوجيه البلاد ومستقبل أبنائه الى مغامرات قاتلة أحرقت كل شيء وعادوا جميعا كمن تلك التي (لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي) حتى أنهم لم ينالوا على قلة من المقابر التي تليق بالموتى. وهكذا انتقلت البلاد من شموخها الذي كان يحسب له ألف حساب الى أفقر وأجهل واشد تراجعا مخيفا بسبب تلك المغامرات الغبية، بالأمس القريب ويومنا الراهن، فهل اتّعظت القوى السياسية الحالية من دروس الماضي القريب؟ أم أن الامتيازات واموال السحت الحرام والكراسي المهترئة وفخفخة السلطة، اعمت عيونهم وحالت بين حكمة العقل وتفاهة المنافع الزائلة والمواقف المدمرة عاجلاً أم آجلاً؟ سيما أن ثورة تشرين لم يخمد وهجها وهي على شفا بركان ممكن أن ينفجر غضبا في أية لحظة، والشواهد في مواصلة الاحتجاجات في المحافظات المنتفضة وغضب الشباب الثائر يتصاعد، والأحزاب والكتل وقوى الخراب قد ادارت ظهرها لما يجري اعتقادا منها بان الخطر الداهم من ثورة تشرين المباركة وثوارها الأبطال قد انتهى، لنقول لهم أن ثورة الشعب سوف لن تنطفئ جذوة اوارها ما دام مسلسل الفساد والطائفية والمحاصصة وانتشار الفساد بشكل مخيف وانتشار الفصائل المسلحة التي تصول وتجول دون رادع، وغيرها من مظاهر اللا دولة، كلها زلازل ستهز عروشهم، فلا يغرنهم هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة والذي سيطيح بعروشهم، والدروس والعبر قريبة جدا من نحورهم إن كانوا يفقهون.

نحن نريد من الشباب المسلح المغرر بهم تحت اية ذريعة أن يعودوا لرجاحة العقل ووشيجة الانتماء للوطن والتفكير بمستقبل أبنائهم بالابتعاد عن المهاترات وتغليب القوة الفارغة وبروز العضلات على الانتماء للوطن والانصياع لأجندات أجنبية والتي لا تريد الخير لهم ولأبنائهم ولبلدهم، ولا نريدهم أن يعضّوا أصابع الندم لأفعال ستقضي عليهم قبل غيرهم وتجعلهم وقودا لحروب الآخرين، لتلتهم النيران كل شيء، قبل فوات الأوان.

إننا بحكم فارق العمر وتراكم التجربة وسعة الوعي المعرفي ورجاحة العقل، نوصي وبمحبة وصدق، شبابنا المنخرط في فصائل ستكون وبالا عليهم، أن يتّعظوا ويعودوا لرشدهم ويبتعدوا عن العواطف المزيفة ويفكّروا بمستقبل أبنائهم ومن اجل وطنهم وشعبهم الذي لا يريد المصادمات لأبناء الوطن الواحد وبالتالي يخسر الجميع كل شيء ويضيع الوطن، خيمتهم وملاذهم الوحيد، وليكونوا على بيّنة بأن الجميع ممن يدفعهم لهذه الفوضى وهذا التحدي الذي لا موجب له، إن في الوطن أو خارجه، سيتخلى عنهم ما أن تنتفي الحاجة لاستغلالهم كأدوات لتنفيذ اجنداتهم، وسيبقون وحيدين وفاقدي الأمل في الخروج من المحنة التي يسعون الآن لزج أنفسهم فيها دون موجب، لا وطني ولا ديني ولا اخلاقي.

وقد اعذر من أنذر

عرض مقالات: