تقول الطرفة إن قائدا عسكريا في نقطة التفتيش طلب من جنوده تفتيش كل المسافرين والمركبات بحثا عن السلاح. وحين مرت دبابة سمح لها أحد الجنود بالمرور. فتساءل القائد من عدم إيقافها، فقال الجندي لقد فتشت سائق الدبابة ولم أجد سلاحا معه!
ففي هذا الزمن، لم يعد السلاح الثقيل سلاحا بالمعنى المتعارف عليه، فلا هو كاتم صوت يقتل بهدوء ولا عبوة ناسفة يتم تفجيرها من بعد، ولا هو حزام ناسف يفجره المنتحر على هدفه، وليس سلاحا أبيضا يستخدم في الهجوم والدفاع، ولهذا فأن الجندي بالطرفة لم يكن غبيا، فالدبابة والسيارات الرباعية وعليها (الدوشكا) أو المدرعات لا تقتل إنما تخيف فقط، وعلى ضعاف القلوب أن يبتعدوا عن مشاهدة استعراضها والاكتفاء بإخبار تحركها.
ومن المعروف أن أي امرئ يستطيع القيام بهذه الاستعراضات لأنها لا تحتاج كثيرا، سوى اتباع ملثمين وسيارات يمكن تأجيرها او مدرعات يمكن استعارتها من المعسكرات، أو شراؤها بأثمان النفط المهرب.
كما أن القانون النائم، يسمح بالاستعراض حتى لا تقلق نومته، وهو لا يريد حدوث مشاكل، فليفعل (الأولاد) ما يحلو لهم، فهناك وقت متبق كاف لاستنكار افعالهم.
والاستعراضات المسلحة لا تقل طرافة عن الاستعراضات الرياضية أو الراقصة في الشوارع، فكل شيء نكهته،
فهي تظهر النسق الطويل من السيارات، وتجعل المرور مزدحما ما يوفر للبعض نزهة التمشي المجانية أو استخدام الدراجات، وكما يوفر أيضا المعرفة لأنواع السيارات الأكثر استخداما. وتصبح نهكة النهار بالاستعراض المسلح، مثل قهوة الصباح في طعمها ولونها الأسود أيضا. وحتى القنوات الفضائية تصير مشوقة في رصد هذا الحدث وأن كان يثلم مكانة الحكومة، ويحرج القوات الساهرة على الأمن.
وحين يغيب الاستعراض ويختفي رجالاتها الصناديد المزنرين بالرصاص، يفكر فقراء بغداد بالعودة إلى منازلهم بعد أن ضاع عليهم التمييز (بين رجلها من حماها) كما ضاعت فرصتهم بالعمل أو إنجاز معاملاتهم. وحين يلتئم شمل عائلتهم مبكرا، تدفئ جلساتهم حكايات الاستعراض، بدلا من الأفلام المصرية أو المسلسلات المكررة، وحالهم يقول:
(شامخة شموخ قرن الثور – يا قوة الاستعراض - بين البقر) ولا يحرمنا من نورك، فقد (خلا لك الجو وقد طاب فبيضي واصفري)!