كان في ماضي السنوات، وعندما يحل وقت الحصاد يبدأ الفلاحون بجمع الغلال، بغية معرفة ما جنوه يقومون على تقسيمه الى " كيلات " محددة لعدم وجود وحدات وزنية معتمدة لديهم، ولكي يسهل التعامل بالحاصل يتم اعتماد اناء يُملأ بالحبوب ويسمى  "الكيلة". وتوضع مئة كيلة في شوال تسمى " الوزنة " يتولى عدها وفرزها شخص يسمى الوزّان، ولكن عندما يعطس ذلك الشخص وهو يعد  غالباً ما ينسى حساب عدد الكيلات التي قام بها. حينها يقال عنه { عطس وزّانها فضاع الحساب} هذا ما ينطبق على حال بلادنا اليوم فلا حساب يركن له ولا وزّان جدير بشغلته. وكل من استلم الوزن السياسي كان عطاساً جاهلاً او متجاهلاً لواجباته.

لقد صار لازمات العراق مواسم، تتكرر فيها الحالة المائلة شكلاً ومضموناً. بمعنى لا يوجد ثمة رؤية ضابطة لمبعث الاخطاء والفشل والتخلف بغية تجنبها. اما البؤر التي تنطوي على بيئة كامنة فيها الازمات هي: العملية الانتخابية، واعداد الموازنة العامة للدولة، وكذلك تكليف شخص لرئاسة الوزراء. وتبعاً له تعيين الاشخاص غير مناسبين باماكن المسؤولية. وهذه الحالة الاخيرة هي التي غالباً ما تكون عاملاً مسبباً لازمة اقتصادية او سياسية تنموية او سواهما.

ان الكارثة الشاملة الحاصلة في البلد قد تفشت بعمق، ووصل لهيب نارها الى مستوى تهديد رئيس الوزراء بقطع اذنه !!. والقيام بالاستعراضات المسلحة غير المصرح بها. ولم يتم التعرض لها من قبل الحكومة. في حين تقوم السلطات بالاعتراض على المظاهرات السلمية بالقمع الشديد، بحجة انها غير مجازة. فهل هذا قدر محتوم على العراقيين يا ترى.؟!!. ام هو انعدام القدرة على وجود الشخص المناسب في المكان المناسب..؟ لا نغالي اذا ما اكدنا على ذلك اي اختلال التوازن بين الكفاءة والمهمة في ادارة مختلف شؤون الدولة. الامر الذي يسخن الصراع بين ارادة  الجماهير الواسعة وبين ارادة " فساد " الطغمة المتسلطة. وتحصيل حاصلها يعلن:نهاية العدالة واعمام الفساد والفشل بلا حدود. واذا ما استمر متراكماً سيحصل التغيير النوعي، حينها لا احد يتوقع دوام السكون او بالاحرى لا عاقل مدرك يتصور عدم الانفجار المدوي.

وبمقتضيات ما تقدم لزاماً على المسؤولين عدم الوقوف في مربع الترقب، يملأهم التخيل الواهم بانهم خارج دائرة المساءلة، حينما يحصل الدمار، متذرعين بدعوى ان المسبب للكارثة قد حصل موضوعياً، ولا ذنب لهم بما جرى. بغياب الشعور بتقصيرهم وجشعهم وفسادهم الشنيع. وربما يأخذهم الوهم القاتل ايضاً الى الاعتقاد بان لهم الفضل بتأخير حصول الفاجعة. ولولاهم لكان البلاء اعظم. وان ما جرى للعراق من كارثة مهلكة. لا يمثل سوى اقل الخسائر. هكذا لسان حالهم يدعي ويتنكر. هذا في حال افلاتهم من تداعيات الانفجار.

ليس من الواقعية بمكان ان ندعو الطغمة الحاكمة بالتنازل او التخلي عن كراسيها الذهبية وامتيازاتها الفريدة، التي لم يكن احداً من رموزها يحلم بها قبل الوصول الى ما هم فيه. عندئذ نجد انفسنا نتحدث مع الحيطان الصماء. ونتأمل ان يدر علينا الحصا لبناً.

وبما ان القناعة لدى المناضلين في سبيل قلع خيمة الفساد، تكاد تكون مطلقة بحصول التغيير. فينبغي الادراك بان لا احد يتكهن بما سيحصل بعد وقوع ذلك، الذي لا شك في حتميته. بيد ان نظرية الاحتمالات سلباً او ايجاباً تلزم التنبه الى ضرورة ايجاد الحلول والحلول الاحتياط لكل ظاهرة سواء كان مبعثها ذاتياً ام موضوعياً يشم منها رائحة العطب.. وكثيراً ما حصل في التاريخ حيث اجهضت ثورات شعوب ناهضة، بفعل فقدانها المنهج العلمي المتناسب مع ظرفها زماناً ومكاناً، ووحدة قواها المحركة وتماسك رموزها القائدة المؤمنة بالتغيير. ويقال كمثال: ان ثقباً صغيراً قد أهمل فأهدم سداً كبيراً.

عرض مقالات: