الخلفية

ذكرت منظمة "ميدل إيست آي" أنه لا توجد مناجم ذهب تحت رمال دبي ولا عمال مناجم حرفيين أو أطفال يكدحون في محاولة لالتقاط الذهب. ولكن هناك سوق عامر للذهب في دبي، ومصانع تكريره تنافس أكبر المصانع العالمية، حيث تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى توطيد مكانتها كمركز رئيسي للذهب في العالم.

في السنوات الأخيرة، عززت دولة الإمارات العربية المتحدة، ودبي على وجه الخصوص، مكانتها كواحدة من أكبر وأسرع أسواق المعادن الثمينة نمواً، حيث ارتفعت الواردات بنسبة 58% سنوياً، إلى أكثر من 27 مليار دولار في عام 2018، وفقًا لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC).

ونظراً لعدم وجود مصادر للذهب المحلي للاستفادة منه، على عكس المملكة العربية السعودية المجاورة، يتعين على الإمارات العربية المتحدة استيراد الذهب من أي مكان، سواء كان ذلك بشكل مشروع، أو عن طريق تهريبه دون طرح أية أسئلة حول مصادره، أو أن مصدره من مناطق النزاع، أو مرتبطاً بالجريمة المنظمة.

 الذهب الدموي

لقد وجد تحقيق "الحراسة"(The Sentry) (فريق التحقيق التابع للشرطة البريطانية حول غسيل الأموال المتعلقة بجرائم الحرب في أفريقيا وتهريبها)، أن 95 % من الذهب يتم تصديره رسمياً من وسط وشرق إفريقيا، ويتم تعدين الكثير منه في السودان وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم ينتهي به الأمر في الإمارات.

لقد أصبح الذهب ركناً مهماً للغاية بالنسبة لاقتصاد دبي، حيث أصبح عنصر التجارة الخارجية الأعلى قيمة في الإمارات المتحدة، وتتجاوز قيمة الهواتف المحمولة والمجوهرات والمنتجات البترولية والألماس وفقاً للبيانات الصادرة من إدارة الكمارك في دبي.

ويعد الذهب أكبر صادرات الإمارات العربية المتحدة بعد النفط، حيث صدرت ما مقداره 17.7 مليار دولار في عام 2019. وزادت أهمية الذهب بالتزامن مع تضاؤل ​​احتياطيات دبي النفطية، لذا حاولت الإمارات تنويع اقتصادها.

الاتصال السويسري

دبي ليست اللاعب الذهبي الوحيد الذي تلطخت يديه بالتراب وحتى بالدم.

"إنها ليست دبي فقط، إنها سويسرا أيضاً. إذ يحصل السويسريون على كميات كبيرة من الذهب من دبي. ويتحدث السويسريون إنهم لا يحصلون على الذهب من بلدان معينة مرتبطة بالصراع حول الذهب الصراع، ولكن بدلاً من ذلك فإنها تتجه صوب دبي، علماً أن الذهب في دبي يأتي من هذه البلدان التي تتعرض لمثل هذه الصراعات. ويشير لاكشمي كومار، مدير السياسات في Global Financial Integrity (GFI) في واشنطن العاصمة: إن "دبي متواطئة، ولكن الأيادي السويسرية هي الأخرى قذرة بنفس القدر لأنها لا تستطيع عزل دبي عن سوق الذهب".

تعد سويسرا أكبر بلد في تكرير الذهب في العالم، حيث يمر أكثر من نصف الذهب عبر البلاد في مرحلة ما، وفقاً لفريق مراقبة مكافحة الفساد Global Witness. وترتبط تجارة سويسرا بالمملكة المتحدة، التي تستورد حوالي ثلث الذهب.

وسأل مراسل TV Press بيتر كوينغ إلى أن الذهب أصبح سلعة مهمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبح السلعة التي تتجاوز تصديرا بعد النفط، حيث تم تصدير 17.7 مليار دولار في عام 2019. ولكن هناك جانب آخر لهذه القصة. كما ذكر تقرير صادر عن وزارة الداخلية ووزارة الخزانة في المملكة المتحدة في وقت سابق من شهر كانون الأول، أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي إمارة يمارس فيها غسيل الأموال من قبل الشبكات الإجرامية بسبب السهولة التي يمكن بها نقل الذهب والنقود عبر البلاد. فهل هذا هو واقع الحال؟

سويسرا، عاصمة الذهب الدموي في العالم

وأجاب بيتر كونيغ: أولاً، يعتبر غسيل الذهب الدولي انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، وذلك في المقام الأول لأن الذهب المغسول يأتي من العديد من البلدان في إفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث تمارس عمالة الأطفال على نطاق جماعي. ولا يتعرض الأطفال فقط لأخطار جسيمة عند العمل في المناجم في أنفاق ضيقة متهالكة تحت الأرض ويمكن أن تنهار في أية لحظة، وغالباً ما تنهار، ولكن هؤلاء الأطفال يتعرضون أيضاً للتسمم بشكل يومي بالمواد الكيميائية المستخدمة في استخراج خام الذهب من الصخور، ولا سيما المواد السامة مثل السيانيد والزئبق وغيرها.

ثانياً، يعتبر غسيل الذهب جريمة دولية، لأنه غير قانوني وتتم إدارته في الغالب من قبل منظمات على شاكلة المافيا، حيث يمارس القتل وأنواع أخرى من العنف، بالإضافة إلى الاعتداء الجنسي على النساء والدعارة القسرية الذي يحدث يومياً في الإمارات.

ويجب أن يكون هناك قانون دولي - قابل للتنفيذ - صادر عن الأمم المتحدة - وتطبقه المحكمة الجنائية الدولية ضد أي ممارسة لها علاقة بغسيل الذهب. ويجب معاقبة المخالفين. ويجب تحميل الدول المتورطة في غسيل الذهب المسؤولية - ووضعها على القائمة السوداء جراء قيامها بالمعاملات المالية غير القانونية وتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان.

الإمارات العربية المتحدة ليس لديها ذهب، لذا فإن كل صادرات الذهب البالغة 17.7 مليار دولار يتم استيرادها و "غسلها" عن طريق إعادة تصديرها بشكل أساسي عبر المملكة المتحدة إلى سويسرا وأماكن تكرير الذهب الأخرى، مثل الهند.

بالرغم من أن الإنتاج العالمي يبلغ حوالي 3500 طن، ولكن يحدث أحياناً أن تستورد خلالها سويسرا مقداراً من الذهب يتجاوز حجم الإنتاج العالمي السنوي، ويأتي معظمه من المملكة المتحدة. لمزيد من التكرير أو إعادة التكرير، ومن أجل "غسيل أفضل أو مزدوج"، يجري التستر على مصادر الذهب. وبعد مروره بمصانع التكرير في سويسرا، يذهب في الغالب إلى النظام المصرفي أو يُعاد تصديره كذهب "نظيف" قادم من سويسرا. ولم تعد مصادره قابلة للتعقب.

ويتم تكرير 70٪ من الذهب في جميع أنحاء العالم في سويسرا.

لقد بلغ إجمالي إنتاج مناجم الذهب في العالم 3531 طناً في عام 2019، أي أقل بنسبة 1٪ مقارنة بعام 2018. ويتم تكرير حوالي 70٪ من إجمالي الذهب في جميع أنحاء العالم في سويسرا. لذلك، من المحتمل جداً أن تقوم المملكة المتحدة، التي تتلقى الذهب من الإمارات العربية المتحدة، بإعادة تصدير الذهب إلى سويسرا، لإعادة تكريره، ولمزيد من التصدير إلى، على سبيل المثال إلى الهند. ويحمل الذهب القادم من سويسرا "علامة" النظافة. فإلى متى ستستمر هذه السمعة” المرموقة"؟

يعتبر "ميتالور" أكبر مصفاة للذهب في العالم الذي تأسس في سويسرا. ويقوم المسؤولون فيه بعملهم في غاية السرية، فلا تسألهم من أين يشترون ذهبهم، لأن الحكومة السويسرية لا تطلب الأصل عندما يدخل الذهب إلى سويسرا.

وبمجرد تكريره، لم يعد من الممكن تحديد المصدر، لأن الذهب لا يحتوي على "حامض نووي" DNA.

مراسل: PressTV إن التحقيق الذي قام به فريق The Sentry أكد أن 95% من الذهب المُصدَّر رسمياً من وسط وشرق إفريقيا، والكثير منه يتم استخراجه في السودان وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ينتهي به المطاف في دولة الإمارات، من خلال ما يُعرف باسم الذهب الدموي: أي الذهب الذي يتم الحصول عليه من خلال ممارسات التعدين الوحشية والأرباح غير المشروعة بما في ذلك استخدام الأطفال، كيف ترون ذلك؟

بيتر كونيغ: نعم، هذا صحيح تماماً.

كما ذكرنا من قبل إن الكثير من الذهب المستخرج في إفريقيا / وسط إفريقيا وغانا وأمريكا الجنوبية، ولا سيما بيرو، هو الذهب الدموي. بالطبع، يمر عبر العديد من الأيادي قبل أن يستقر في مصنع التكرير في المملكة المتحدة أو سويسرا أو أي مكان آخر، وبالتالي لا يمكن تعقبه تقريباً.

لكن الشركة التي تشتري الذهب، مثل ميتالور، تعرف بالضبط من أين يأتي الذهب.  لكن كما ذكرنا سابقاً، بما أن الحكومة السويسرية لا تطلب من الشركة المستوردة الكشف عن مصدر الذهب، فإن انتهاكات حقوق الإنسان تظل في الخفاء، ولا تصل إلى دوائر العدالة.

تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 30٪ من الذهب المكرر في سويسرا يعتبر ذهبًا دموياً. وتخيل ما يتعرض له العمال من معاناة وأمراض وحتى الموت، أو الموت المتأخر جراء التفاعلات الكيميائية البطيئة مثل السيانيد والزئبق.

ومع ذلك، إذا لم يكن هناك قانون دولي - قانون مطبق - يضع المجرمين أمام العدالة، ويضع البلدان التي تسهل غسيل الذهب في قائمة العقوبات الدولية - ليراها العالم ويتم حاسبتها، على سبيل المثال عقوبات مالية، فإن القليل سوف يتغير في هذا المضمار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* پيتر كونيغ (Peter Koenig) محلل جيوسياسي وخبير اقتصادي أول سابق في البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، عمل في أكثر من 30 عاماً في مجال المياه والبيئة حول العالم. يحاضر في جامعات في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا الجنوبية. يكتب بانتظام في المجلات على الإنترنت وهو مؤلف كتاب"Implosion”؛ وهو عبارة عن قصة اقتصادية مثيرة عن الحرب والتدمير البيئي وجشع الشركات. شارك في تأليف كتاب سينثيا ماكيني "عندما تعطس الصين: من تأمين فيروس كورونا إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية العالمية" بيتر كونيج باحث مشارك في مركز أبحاث العولمة.

 

عرض مقالات: