من جديد تكشف وثيقة جديدة وحدة موقف مراكز الرأسمال العالمي من الصراعات الدائرة في العالم. وبعيدا عن دبلوماسية الحكومات، والتباين هنا وهناك في تفاصيل السياسات الاقتصادية والدولية، تأتي المؤسسات الاستراتيجية الأمنية للدول الامبريالية لتتحدث بلغة شديدة الوضوح. وتأتي أهمية الوثيقة التي نعرضها في هذه المساهمة، انها صادرة من المانيا، البلد الأكثر   تأثيرا في الاتحاد الأوربي، والأخير هو الشريك الاهم للولايات المتحدة الامريكية في العالم.

طالبت ورقة عمل صادرة من الأكاديمية لسياسة الأمن الاتحادية، التابعة لوزارة الدفاع الألمانية، وهي أهم مركز للاستراتيجيات العسكرية والسياسية للحكومة الألمانية، لحماية المصالح الألمانية، يجب على ألمانيا بـ „دعم ضربة عسكرية امريكية أو إسرائيلية ضد إيران".

لقد عمل ترامب على تصعيد التوترات مع إيران: انهاء العمل بالاتفاق النووي، وفرض عقوبات على البلاد، وهدد بالحرب عدة مرات، وعد الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية واغتال قائده قاسم سليماني. وحث ترامب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين على اتباع مسار المواجهة والانسحاب من الاتفاق النووي. لقد رفضت بلدان غرب أوربا الطلب، لأن الاتفاق النووي، سيمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية. وأكدت هذه البلدان على أن مجلس الأمن الدولي قد وافق على الاتفاقية، فضلا عن مصالح هذه البلدان التجارية مع إيران.

وبالمقابل علقت إيران العمل ببعض بنود الاتفاق النووي وزادت تخصيب اليورانيوم من 3,67 في المائة إلى 4,5 في المائة. وفي بداية كانون الثاني، أعلنت الحكومة الإيرانية أنه سيتم تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة.

لا عودة للاتفاق السابق

وتامل بلدان أوربا الغربية، بعد دخول بايدن البيت الأبيض، عودة بالاتفاق النووي، في حين ترى ورقة العمل، الموسومة بـ "الحرب الباردة في الشرق الأوسط: النزاع الإيراني – السعودي يهيمن على المنطقة"، إن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران في شكله السابق أمر غير مرجح، لأن الصراع بين إيران والسعودية اشتد على مدى السنوات الخمس الماضية وتحول "إلى حرب باردة صريحة في الشرق الأوسط".

من أجل تعزيز امكانياتها في المواجهة مع الولايات المتحدة وخصومها الإقليميين، قامت إيران ببناء جيشها خلال العشرين سنة الأخيرة وبنت "تحالفا شيعيا" بقيادة الحرس الثوري الإيراني، وهي تمتلك تأثيرا ملموسا   في لبنان وسوريا. والعراق واليمن، ويرى مهتمون ان الوجود العسكري الإيراني في هذه البلدان يبدو مؤمناً لسنوات.

وتعزز السعودية والإمارات ترسانتهما الحربية، وإسرائيل تقصف أهدافًا إيرانية ومليشيات مسلحة مرتبطة بإيران في سوريا والعراق، وتستهدف المواطنين الإيرانيين بالقتل. وتقول الوثيقة ان "إسرائيل تشن حربا غير معلنة ضد "التحالف الشيعي في سوريا والعراق منذ عام 2017، حيث نفذ سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من ألف هجوم ضد أهداف إيرانية وحليفه". واستنجت ورقة العمل ان اتفاقات بين بعض بلدان الخليج وإسرائيل، مؤشرا على تشكيل تحالف معارض لإيران.

صراع الهيمنة على الخليج

أن كلاً من إيران والسعودية تريد بسط هيمنتها في منطقة الخليج. تقول ورقة العمل: ″ بينما تهدف طهران إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي، تهدف الرياض إلى الحفاظ على الوضع الراهن، ففي ظل حماية الولايات المتحدة الأمريكية، لم تصبح المملكة قوة نفطية رئيسية فحسب، بل أصبحت أيضًا قوة قائدة في العالم العربي. ولهذا السبب يعد الصراع بين إيران والسعودية اليوم، صراع سياسي وهيمنة مركزي   في الشرق الأوسط".

وفي هذا الصراع، تعمل الولايات المتحدة وحلف الناتو على تزويد السعودية والإمارات ودول أخرى بالأسلحة والتدريب العسكري حتى يتمكنوا من مواجهة إيران دون الحاجة الى تدخل عسكري أمريكي. وبتوقيع الاتفاق النووي، أرادت إدارة أوباما تأمين الانسحاب من المنطقة عن طريق منع انتاج قنبلة نووية إيرانية. وبهذا الصدد تقول الوثيقة: "أصبحت الرغبة في الانسحاب من المنطقة ثابتة في السياسة الأمريكية، حتى وان كان أوباما وترامب يسيران على ما يبدو بشكل مختلف".

ويرتبط ذلك: بحاجة الولايات المتحدة الى تركز كل قواها للتعامل مع "منافستها العالمية الكبرى الصين". لذلك "من المتوقع أن يعتمد الرئيس الامريكي جو بايدن على سياسة مماثلة".

لكن بايدن سيواجه "مقاومة من السعودية والإمارات وإسرائيل"، وستعمل هذه البلدان على تعبئة مؤيديها داخل الكونغرس اثناء المفاوضات. وهنا تحث الورقة على "الوقوف خلف حكومة بايدن" في اية مفاوضات بشأن الاتفاق النووي، التي سبق أن أعلنت أنها ستضيف ملف برنامج الصواريخ الإيرانية والتوسع الإقليمي الإيراني الى جدول عمل المفاوضات. يجب أن "لا يكون هناك خلاف بين أوروبا والولايات المتحدة يمكن لطهران الاستفادة منه".

مصالح الغرب لا تتجزأ

وعلى الحكومة الألمانية: „الاستعداد للسيناريوهات الأكثر احتمالا، حيث الحل التفاوضي مفقود أو بعيد". في هذه الحالة تقول الورقة "يجب تطوير إستراتيجية احتواء طويل الأمد لإيران، التي لا يمكن أن تنجح، إلا إذا عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والدول الإقليمية الموالية للغرب معًا وبشكل وثيق". ويشمل هذا التعاون أيضًا "شحنات الأسلحة التي غالبًا ما تُنتقد إلى دول إشكالية مثل السعودية أو الإمارات ".

في هذا السياق، تطالب الورقة بـ "إعادة النظر في التعريف الألماني السابق للمصالح" وتضيف "يجب أن تكون المصلحة الأكثر أهمية لألمانيا هي منع الدول الإقليمية من التسلح النووي. وفي الحالات القصوى، قد يكون من النتائج الضرورية لتعريف المصالح دعم الضربة العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة و / أو اسرائيل ضد إيران".

بعد العراق وسوريا وليبيا واليمن، ربما ستكون إيران في غضون سنوات قليلة خامس دولة في الشرق الأوسط ​​يتم تدميرها من قبل دول الناتو أو حلفاء الناتو من خلال حرب مباشرة أو مشتركة.

عرض مقالات: