كثر الحديث عن الفساد وتنوع، ولا نجد من لا يتحدث عنه، يشكو منه صانعوه قبل ضحاياه، فهو ممتد أفقيا وعموديا في المجتمع، وبسببه أصحبت الدولة العراقية كثيرة الثقوب مثل الجبنة السويسرية، وقد دخل في أحلام الناس وآمالهم وتصوراتهم عن المستقبل وفي الخطب ومجالات الفن والأدب وساح في الشوارع وتنقل عبر الكراجات الى الأماكن القصية والبعيدة وعلى الجبال وافترش كالبساط على السهول ونام كالقوارض في الصحراء والبساتين وحتى المقابر، ودخل في دوائر الدولة، وتغول في مهاجمة  وابتزاز الأحياء والأموات وله مع ضحايا وباء كورونا ( أسوة قذرة)، و يا ويل من (لا يورق)!

فهل هذا (البعبع) واقع؟ قد يسخر البعض ويقول بعد كل هذه المقدمة ترى في هذ النكد أو العدو (لابد من صداقته بد)، وهو يزحف من كل الجهات ويأكل الأخضر واليابس!!

 واحدة من مسلمات الحكومات غير الشرعية والمعادية لشعوبها هو تكريس الفساد ليس في النهب فقط بل أيضا احدى وسائل القمع والابتزاز وبث روح اليأس في نفوس المواطن وجعله شريكا في فسادها، ومعروف أن إفساد الشخص النظيف والجيد هو الأخطر، لتحكم الطوق على الأخرين.

ولا عجب ان تأخذ القوى المتنفذة في توزيع الرشى وبكل الأساليب الملتوية على المواطنين المغلوبين في كل المناسبات وخصوصا الانتخابات.

وحتى في زمن الدكتاتورية البغيض، فرغم تشددها، أصبحت الأموال والمجوهرات وسيلة لإنقاذ البعض من احكام الإعدام والسجن، وإرسال ضحايا اخرين بدلا منهم.

 وبما أن الدستور قد وضع اليوم على الرف، أصبحت حتى المراكز الحساسة في الدولة عسكرية أو مدنية تباع وتشترى في سوق النخاسة.

 والشهادات تعطى من (جامعة مريدي) ومن جامعات إقليمية أو عربية لم يسمع أحد بها، وفي اختصاصات مثيرة للقرف قبل الضحك.

وبهذا عم الفساد وضاع (أبتر بين البتران) وأصبح النظيف والشريف عملة نادرة كما عبر عنه شاعرنا عريان سيد خلف (ذاك من ذاك اللكه النجمة العزيزة و دكلها عينه)!

الفساد حقيقة وهو (أسوأ من الدعارة، فهذا قد يعرض أخلاق الفرد للخطر ولكن الفساد يهدد أخلاق البلد بأكمله) ويجري تكريسه كواقع، وهو مرتبط بنهج القوى المتنفذة التي تريد ان تجعله سمة عامة، بصمة للشعب، بحكم أنها لا تعتمد الشفافية وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية والقانون.

ولكن كيف يحدث هذا؟ ولماذا أصبح الفساد كما يقول محمود درويش، الهوية ( فساد المرآة التي يجب أن نكسرها كلما أعجبتنا الصور)؟.

من أين نبدأ؟  بالتأكيد من الأعلى، كما في تنظيف السلم.  فمن دون إزاحة الطغمة المتحكمة وما يسندها من مافيات وميليشيات وأعوان، لا يمكن  إزاحة هذا الكابوس ويعيد الأشياء الى نصابها. ولكن هذا في المنظور البعيد، ولكي يتحقق هذا الهدف على قوى المجتمع المدني الديمقراطية أن تعمل بنشاط في مكافحة الفساد وكشف أزلامه و أشكال تجليه في كل المرافق، وأن يصبح ديدنها اليومي من خلال الاعتصامات والنشر في وسائل الاعلام والتواصل المختلفة والعمل لجمع المعلومات وكشفها للناس وحث الجهات الرقابية والقضائية للتدخل.

 وتقع على المبدعين في المجالات المختلفة الاسهام في إيجاد جبهة ثقافية تتصدى لهذا الداء الذي يحط من إنسانية الانسان ومن حريته وإبداعه، وينتشل المبدع من إشكال الإرهاب المختلفة المعلنة والمستترة التي يتعرض لها على يد قوى الفساد، ويسهم في كسر أسنان طواحينه القاتلة..

 

عرض مقالات: