كثرت المزايدات لدى حكام الدول العربية عند تأسيس دولة الصهاينة إسرائيل، فزجوا شعوبهم في حروب عبثية، راح ضحيتها الآلاف تحت شعارات واهية رُفعت آنذاك بعيدة عن واقع الإمكانيات العربية، ومبنية على صيغة كل شيء أو لا شيء، ولتغطية فشلهم في تلك الحروب، شن أغلبيتهم (الحكام العرب) حملات ملاحقة وأصدروا إعدامات بحق من أيد تقسيم الأرض الفلسطينية ومن دعم مساعي تشكيل الدولتين آنذاك. متهمين القوى الوطنية الديمقراطية بالتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني كما جرى في العراق.

 وبمرور الزمن ونتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي على الصعيد العالمي، وتلازم هذا التطور اتساع رقعة نضال القوى الوطنية الديمقراطية، وتطور مفاهيم القوى الوطنية الفلسطينية في أطار تحقيق وإشاعة العدالة الاجتماعية في المنطقة. أدركت مع المجتمعات العربية خطل سياسة كل شيء أو لا شيء، وانتابهم الندم في عدم موافقتهم على التقسيم الذي يدعون إليه حاليا وتصدر الشباب دورا بارزا في هذه العملية، متسلحا بمفهوم التعايش السلمي والمحبة والإخاء بين الشعوب، ولن يخلو من هذا ما حدث بين الشباب الإسرائيلي، فعارض المشاريع الاستفزازية الصهيونية في المنطقة ومطامعها الاستيطانية، بالضد من ما تريد تحقيقه الشعوب العربية، التي ارتفع مستوى نضالها لتتخلص من سيطرة الدول الإمبريالية ومؤيديها من القوى الرجعية العربية، وإقامة حكومات ذات صبغة مدنية ديمقراطية، تسعى للعيش المشترك، والتصالح في سبيل التصدي للمشاريع والخطط من خارج المنطقة، بالمطالبة بحل الدولتين على أن تكون للفلسطينيين دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، مشددين على أن اية اتفاقية مع إسرائيل لا تتضمن تأمين حقوق الشعب الفلسطيني، تعتبر  تفريطا بحقوقه ومكافأة لليمين الإسرائيلي، وتأكيد  على أن أمن المنطقة واستقرارها لا يأتي باتفاقات بين الحكام، ولا تتضمن اتفاقيات سلام مقرونة بما تملية مصالح الشعب الفلسطيني تعتبر باطلة، سيما وإنها جاءت بعيدة عن رأي شعوبهم، رغم تخليهم عن المواقف التي يتبناها المتشددون الإسلاميون حاليا

 إن الرضوخ لما تريده امريكا بالاستجابة لورقة صفقة القرن الترامبية، قد خلق علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. دون أن تحظى هذه العلاقة الدبلوماسية بتأييد شعوب المنطقة بما فيهم الفلسطينيون، ومن التزم وإياهم بسياسة الأمن والسلام في المنطقة (المغلوب على أمر شعوبها) فأغلب حكامها جاؤوا بموافقة أمريكا

عند ظهور داعش وحلفائها في المنطقة على الخط، تكالبت الدول الطامعة بمستقبل الشرق الأوسط وخيراته النفطية وموقعه الجيوسياسي، سيما وأن أغلب الشعارات التي كانت تقود الجماهير البسيطة مشبعة بروح إنتقامية استغلها المتشددون بما فيهم داعش لكونها نابعة من ثقافة لا تتماهى بصورة عامة مع الروح الوطنية، وما تطالب به القوى الديمقراطية الوطنية الملتزمة بصيغ متأتية من ثقافة مشبعة بروح وطنية وقومية ديمقراطية، فوقفت بالمرصاد وفضحت مآرب ما تريده داعش وتسعى الإدارة الأمريكية وأعوانها من الحكام العرب بتثبيتها ، رغم أنها تحتوي على مفاهيم بعيدة عن مستحقات الشعب الفلسطيني، ووراءها ثقافة أحادية الجانب.

 يرى المراقبون لمجرى الأحداث السياسية في المنطقة، أن ما دفع بعض دول الشرق الأوسط للتقرب لإسرائيل هو أطماع إيران التوسعية وإرهاب ميليشياتها الذي زرع الخوف والتهديد اليومي، منذ اندلاع ملامح شرارة الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات حيث راحت تتصاعد وتائرها بطرق خطيرة لضم بعض دولة المنطقة تحت عباءة "ولاية الفقيه"، الإيرانية. وهذا ما دفع تلك الدول لتغيير مواقفها المتشددة تجاه إسرائيل، ناهيك على السير قدما في تنفيذ إستراتيجية وأجندات الاستخبارات الامريكية في المنطقة، الذي قد يخلصها من تبعات ومخاطر التهديد الايراني

فشعوب المنطقة مدعوة لسحب البساط من تحت اقدام حكامهم مستفيدة من مواقف التعنت الإسرائيلي، الذي تقابل بتنازلات من لدن من أطر التعاون مع إسرائيل مقابل لا شيء ملموس، مما يضع الأخيرة أمام استياء الرأي العام العربي والعالمي، حيث أن إسرائيل لن تتخلى علنا عن قضم الأرض الفلسطينية وتحقيق المشاريع الصهيونية لتكون فاعلة في المنطقة، فتجبرها للرضوخ نحو حل الدولتين على اساس قرارات الامم المتحدة. إذ ليس لدى شعوب المنطقة خيار سوى المشاريع التي تخدم المنطقة وتنعش اقتصادها، ونبذ الأسطوانة المشروخة التي استفزت مشاعرهم، بأن تجميل صورة إسرائيل ما هي إلا ورقة تقع مسؤولية تحقيقها على أدراك ماهية المشاريع التي تسعى أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، وهذا يكفي بتحميلها المسؤولية ألأدبية والسياسية، على نكراها حق شعوب المنطقة في العيش بأمن وأمان، ضمن حدود أراضيها التاريخية.

عرض مقالات: