تقول الأرقام والدراسات الاقتصادية ان هناك شيئا اسمه مصيدة الفقر the poverty trap هذه المصيدة تعني أن هناك نسبة من الفقراء يعيشون فقراء ويموتوا فقراء..

لوتمعنّا الحكمة من اهتمام سيدنا علي في الفقر والفقراء وتلخيصه الحالة “لو كان الفقر رجلا لقتلته “الدالة على بحثه المستمر عن ذلك القاتل الذي يفتك في المجتمع بكل انواع الجرائم بدءا من التضور جوعا وآثاره الصحية والنفسية ولوجاً للموت واقتراف الجنحة وانعكاس ذلك بالصراع الطبقي وما قد ينجم عنه.

أثبتت الأبحاث أن هؤلاء الفقراء (الذين يشكلون حوالي 30 % من الشعوب الغنية و60 % من الشعوب الفقيرة)عادة سيظلون فقراء مهما تم إعطاؤهم من مساعدات ومعونات مالية و قروض و صدقات... لأنهم سينفقونها في أشياء تافهة ثم يعودون الى فقرهم!!

وأن هؤلاء الفقراء سيظلون فقراء حتى لو ذهبوا للتعلم في المدرسة أو أنجبوا عدد مواليد أقل. الكارثة في وجوداحتمال كبير جدا أن يظل أبناء هؤلاء الفقراء فقراء حتى لو تعلموا وذهبوا الى المدرسة..

على سبيل المثال لن يتمكن أمثال هؤلاء من الوصول إلى خدمات الإنترنت أو خدمات الهاتف النقال، أو شراء الصحف أو اقتناء بعض أجهزة الترفيه الأساسية في العالم اليوم، ومن الطبيعي أن نجد أن أمثال هؤلاء قد تغيب عنهم حقائق بديهية يعلمها الجميع نظرا لعدم وصولهم إلى مثل هذه الخدمات الأساسية، على سبيل المثال قد لا يعلم هؤلاء كيفية حماية الأطفال الرضع في الأسرة من الأمراض الفتاكة مثل شلل الأطفال من خلال التطعيم المناسب في التوقيت المناسب.

لعنة مستمرة ولكن ما تفسير ذلك ؟؟؟ تقول الدراسات ان السبب أن هذا النوع من الفقراء لا يدخر أي مال، فهو ينفق أي مال يحصل عليه.. شعارهم اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. رغم أن المنطق يقول انه لو ادخر هذا المال لسنوات يمكن ان يخرج من مستنقع الفقر وكل فقير يعرف ذلك.. لكن ما سبب عدم الادخار؟؟ ... كما رأينا.. ليس نقص مال.. وليس بسبب الجهل والغباء.. فكل الفقراء أذكياء ويعرفون جيدا ان مصلحتهم في الادخار.. لكن لا يستطيعون منع أنفسهم وإجبار أنفسهم على الانضباط لفترات طويلة في الادخار.. يقول العلماء ان السبب هو اليأس.. هو فقدان الأمل في غد أفضل.. هو حالة نفسية تنتشر في الأحياء والمجتمعات الفقيرة تقول ان غدا ليس أفضل.. ولا يوجد أمل.. وبالتالي يظل حبيسا في مستنقع الفقر.. في الجزء الأسفل من المنحنى..

ويستمر للأسف الإنسان الفقير ينساق وراء المظاهر والإعلانات، ويكون أكثر رغبة في شراء كماليات من أول مبلغ صغير يحتاجه على سبيل التجربة، أو عدم حرمان نفسه وصغاره وهو لا يعرف أنه يقع ضحية لمروجي الكماليات، وبذلك يلح الطفل الصغير على والده الفقير، وتلح الفتاة الشابة على والدها لكي يشتري من هذه الكماليات، مثل: علب الهدايا الخاصة بخروف العيد، ألعاب العيد على شكل خروف، وعلب الحلويات المخصصة لتقديم الضيافة للضيوف.

ولا ننسى في هذا المجال، العامل الخارجي الذي ساهم في تكريس مصيدة الفقر في أغلب الدول النامية والمتخلفة، ولك ان تتخيل ان الفقر أصبح صناعة تعمل على نشرها الدول الكبرى من خلال الترويج لبعض السياسات الاقتصادية تحت اسم العولمة، حيث تجرعت قطاعات عريضة من محدودي ومتوسطي الدخول مرارتها علقما، وصارت تئن وحدها تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة، ومن ثم سيكون الفقر هو المتحمل الحقيقي لنتائج سوء الإدارة الحكومية وأعباء سداد ديونها، وتكريس ظاهرة مصيدة الفقر ونتائجها النفسية لدى الناس.

لا مفر من العلاج استراتيجياً، وكخطوة وقائية، على الحكومات تحصين المعرضين للفقر، بتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لا إضعافها؛ وأن تسعى إلى تقليل العبء عن تلك الأسر بكل تفاصيل قراراتها؛ لأن حماية هذه الفئة الهشة تضمن ألا تزيد نسب الفقر التي فشلت كل الحكومات المتعاقبة في ضبطها.

العلاج الأهم هوالأمل.. هو عدم اليأس.. وبأن عليك العمل.. الفقر ليس نتيجة نقص مال أو موارد.. ولا حتى تعليم أو صحة!! لكنه نتيجة طريقة تفكير وتجاهل الأمل وما عليك سوى الاعتياد على الادخار اليومي لا أكثر.

فنحن اليوم في ظروف اقتصادية صعبة وزيادة سكانية على مستوى العالم وانخفاض مستويات إمدادات الغذاء بشكل لا يوصف، فأبناؤنا بحاجة للاستمرار أقوياء ومتعلمين ورواداً كما يفترض ان يكون، ولن يكون ذلك بلهاث الكبار خلف المظاهر، ولا باتباع الترويجات. يجب أن نعلمهم ونعلم أنفسنا أهمية الادخار للمستقبل، وان نثقف على ضرورة إخفاء قرشنا الأبيض كالأطفال حين يخبئون ما لديهم من نقود في مخادع أمهاتنا او في صدورهن الدافئة الحانيات حباً وحناناً، وخوفاً علينا من الوقوع في الغد الأسود المرتقب في عالم التغييرات الرهيبة.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*دكتوراه اقتصاد / وزارة التجارة العراقية