ارسلت الحكومة الى البرلمان ما أسمتها بالورقة البيضاء تجسد رؤيتها في الاصلاح المالي والاقتصادي لمواجهة الازمة المالية المتفاقمة. وقد سبق ان توجهت الحكومات السابقة لإصدار قانون الاصلاح الاقتصادي الذي لم ير النور على أرض الواقع بالرغم من ان الاقتصاد العراقي في تحول من سيء الى أسوأ،علما ان ما ورد في هذه الورقة لم يكن مختلفا كثيرا عن مناهج الحكومات السابقة التي اعتادت الهروب الى الامام.

ولئن جاءت الورقة بأفكار يمكن أن تسهم في تنشيط القط\ع الخاص لكنها لم تضع حلولا سريعة لمعالجة الازمة المالية الراهنة فضلا عن العديد من الطروحات المؤدلجة نشير الى بعضها وربما تسنح الفرصة في عرض تفصيلاتها لاحقا:

1- من بين الاستنتاجات التي اشارت اليها الورقة هو ان الزيادة السكانية كانت السبب وراء الازمة الاقتصادية والمالية،وإذا كان الأمر كذلك فهل كانت الادارة الحكومية على درجة عالية من الكفاءة لكي تنهض باقتصاد نام ومتطور مع أنها استلمت أموالا مالية فاقت ميزانيات أربع دول في منطقة الشرق الاوسط.

2- حملت الورقة النظام السياسي في فترة السبعينات مسؤولية الاعتماد على الريع النفطي في تنشيط القطاع العام، وكلنا يتذكر ان البلاد في ذلك الوقت مع وجود أمراض في الادارة السياسية الا أن الصناعة في القطاع العام كانت في أوج نشاطها وكان القطاع الخاص في أحسنأحواله.

3-  الورقة استمدت منهجيتها من برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الهادفة الى إعمام اللبرالية الجديدة بنسختها المتوحشة،  فقد القت مسؤولية توفير الموارد المالية على ذوي الدخل المحدود من الموظفين والمتقاعدين عبر تخفيض الرواتب بنسبة 25 في المائة من الانتاج المحلي الاجمالي يتناقص الى 12،5 في المائة خلال ثلاث سنوات، وفي نفس الوقت صرف رواتب المتقاعدين من صندوق التقاعد مباشرة، وواضعوا الورقة يدركون ان صندوق التقاعد جرى التصرف بأمواله من قبل وزارة المالية  بحيث لا يستطيع ان يغطي رواتب المتقاعدين خلال الفترة التي حددتها الورقة  .

4- خفضت الورقة الدعم المالي للشركات المملوكة للدولة بنسبة 30 في المائة كل عام لمدة ثلاث سنوات، وهي خطوة متعسفة لتصفية هذه الشركات تمهيدا لخصخصتها دون النظر الى الآثار المترتبة عليها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وتعظيم نسبة البطالة، وعرض هذه الشركات للبيع فمن سيكون المشترى غير الطغمة المالية ممن سرقوا ثروة البلاد سبيلا لغسل الأموال المسروقة.

5- تخفيض الدعم الحكومي من الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 13 في المائة تقل الى 5 في المائة، وهذا التخفيض سيشمل بالتأكيد البطاقة التموينية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها خصوصا وان الورقة اكدت على مساهمة المواطنين في تكاليف الخدمات التي تقدمها الدولة.

6- الذهاب الى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد العجوزات في الموازنات السنوية مما تلقي بعبئها في نهاية المطاف على الاجيال القادمة.

7- سكتت الورقة عن معالجة ظاهرة الفساد التي تحولت الى منظومة تديرها الدولة العميقة وتمارسها عبر اقتصاد مواز في ظل عجز الدولة عن مواجهته وفي الوقت الذي يقيم وزير المالية عاليا الورقة البيضاء فانه في نفس الوقت عبر عن استحالة محاربة الفاسدين.

8- الورقة سكتت عن وضع معالجات عاجلة للأزمة المالية الراهنة التي لا تحتمل التأجيل لثلاث او خمس سنوات، ونعتقد ان هذه الامكانيات متوافرة في فرض الضرائب التصاعدية وفرض الضرائب المسبقة على البضائع المستوردة ابتداء من نافذة البنك المركزي، مع ضبط ايقاع المنافذ الحدودية ومراجعة ملفات عقارات الدولة واستيفاء ايجاراتها واعادة تقييم العقارات التي تم بيعها وفقا لأسعار السوق وقت عملية البيع.

من كل ذلك يتضح ان هذه الورقة تريد بقصد او بدونه ان تحول الحكومة الى شركة حراسة أمنية وانتمعن في عملية إفقار لا سابق لها امتثالا لما يجري في العديد من البلدان مثل مصر والسودان لإخراجها من قائمة الارهاب ولبنان وبلدان شمال افريقيا والكثير من بلدان افريقيا على وفق المثل القائل (اشوفك الموت حتى ترضى بالسخونة). فاين البياض في هذه الورقة وكيف ستكون ردود افعال الشباب المنتفض؟

عرض مقالات: