تمر الذكرى الأولى على انتفاضة الشعب العراقي التي بدأت في 1 تشرين الأول تمهيدا لانطلاقتها الكبرى يوم 25 تشرين الأول 2019، ولأول مرة في تاريخ العراق لم تقد من قبل حزب أو أحزاب بشكل مباشر إنما دعمت من قبل أحزاب وكانت بينها وساهمت في مدها بجماهيرها وشعاراتها وقدمت شهداء من شبيبتها وبناتها، ولأول مرة تتعرض إلى غدر وخيانة بعض الأحزاب المتنفذة التي دخلت بين صفوفها واغتالت الكثير من المنتفضين والمنتفضات وحاولت حرف منهجها ولكنها لم تفلح. بينما وقفت قوات الأمن جيشا وشرطة محايدة إلا بعض الخروقات هنا وهناك، وامتازت بسلميتها وبشعاراتها بعيدا عن المحاصصة والحزبية الضيقة، بدأت بمطالب العاطلين عن العمل من خريجي الكليات وغيرهم وتصاعدت تدريجيا إلى مطالب سياسية فطالبت بإسقاط الحكومة واستبدالها بحكومة مؤقتة تكنوقراط تمهيدا لإجراء الانتخابات المبكرة، على أساس قانون انتخابي عادل واستبدال المفوضية بأخرى مهنية ونزيهة، ولأول مرة بعد تغيير 2003 تسقط الحكومة وتجيء حكومة أخرى. ومن شعاراتها عدم تبعيتها لهيمنة الدول الكبيرة في المنطقة، فكان شعار “ إيران برَّه برَّه”، “نريد دولة حره حره لا إيران ولا أمريكا”. يصدح عاليا في سوح الانتفاضة، وضد السلاح المنفلت وينبغي أن يكون بيد الدولة، أي مؤسساتها العسكرية والأمنية.
وقد أسهم فيها كل الطيف العراقي الجميل من عرب وكرد وسنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وخاصة في بغداد وفي المحافظات الي يتواجد فيها كل الطيف أو جزء منه.
وكان الشباب من كلا الجنسين هو السائد مع مشاركة الكبار أيضا ، وما يميزها هو أن النقابات والاتحادات والجمعيات حاضرة وبشكل خاص نقابة المعلمين التي عطلت الدوام في المدارس من الابتدائية إلى الثانوية وكانت هناك خيمات لطلبة الجامعات كل حسب كليته وخيمة لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، والمسيرات الليلية والنهارية والفعاليات الثقافية، وساهم الفنانون والفنانات الشباب بتزيين الشوارع بلوحات رائعة إلى جانب الاهتمام بنظافة الشوارع وصبغ الأرصفة وأسيجة الجسور، كل هذا جرى بدعم مالي من عموم الناس كتبرعات تعطى بقلوب محبة ووعي كامل.
ومن المظاهر الجميلة أن العوائل ساهمت في التظاهر بقوامها الكامل أي الأب والأم والبنات والأبناء، كما أن نسبة النساء كانت كبيرة جدا وبمحض إرادتهن. والدعم بالتبرع جار على قدم وساق كل حسب مقدرته.
وتبلور الشعار المركزي في خضم النشاط اليومي للانتفاضة (نريد وطن) وهذا يعني وطن المؤسسات، وطن يسود فيه القانون، وطن للعراقيين بغض النظر عن قومتهم أو دينهم أو مذهبهم، وطن العادلة الاجتماعية، وطن خال من الفساد مزدهر اقتصاديا وعلميا وطن السلام والأمان والعمل.الوطن النظيف والمعمر والمأوى الصالح والمتوفر لكل أبنائه. خال من المليشيات والقتل من دون حساب أو رقيب، وطن التسامح والتراضي والتعايش والمحبة بين أبنائه. وطن يضمن مستقبل كل الأجيال، وطن يرتبط مع جيرانه والعالم أجمع وفق القوانين الدولية والمصالح المشتركة بينه وبين شعوب المعمورة.
ولذلك نحن مع انتفاضة موحدة بين جميع أبناء الشعب العراقي من الفاو إلى زاخو. شمالا وجنوبا، شرقا وغربا؛حيث لا يوجد فرد عراقي واحد مرتاح ضمن الشروط التي ذكرناها.
نحتاج تنسيقيات موحدة لها مركز يقودها ديمقراطيا يمتلك رؤية لما جرى ويجري وله مقدرة على توجس ومعرفة ما سوف يكون، وكل ذلك يمكن أن يكون ويخلق بالعمل الجماعي وعدم التفرد أو الفوضى بطرح الشعارات. ومن هنا تأتي وحدة الشعارات المتضمنة الأهداف الصحيحة والرئيسة.
علينا أن ندرس تجربتنا خلالالسنة الماضية بإيجابيها وسلبها ونستقي منها العبر والدروس، هناك أخطاء وقعت كثيرة سمحت لأعدائنا استغلالها لضرب انتفاضة الشعب بالصميم...
تحديد بداية الانتفاضة واختصار زمنها، وهنا تحضرني مقولة لينين:” اليوم أو أبدا” وهذا مهم جدا، إذ كلما طال عمرها كلما تمكن أعداؤها من لملمت صفوفهم وانقضوا عليها، أي تحديد البداية الصحيحة والنهاية بتحقيق مطالبها.وكل يوم لها انتصاراتها، وليكن شعارنا أيضا (قليل من التضحيات لتحقيق العديد من المكتسبات) وهذا لا يعني عدم الإقدام والضغط على المتنفذين للحصول على المطالب). وكما يقول الشاعر أحمد شوقي: “وما نيل المطالب بالتمنيولكن تؤخذ الدنيا غلابا “... أدعو إلى التمسك الصارم بالسلمية ومراعاة القوانين مع الحرص على سلامة المنتفضين بالتعاون مع القوى الأمنية وكشف المعتدين بالصورة والصوت والمعلومة الدالة على الجاني وهذا يتطلب أن تكون هناك عيون ورجال تحرس المنتفضين من المندسين...
وعلى الانتفاضة أن تحدد أعداءها وأصدقاءها بدقة، ولهذا أقول لم يكن شعار” لا للأحزاب” سليما لأن هذا المطلب ضد التعددية وهو مطلب جماهيري وضروري في المجتمعات الديمقراطية. يمكن القول لا للأحزاب الخائنة، السارقة، أو الفاشلة...
وكذلك المطالبة بقانون تعدد الدوائر في المحافظة الواحدة، لم يكن صائبا في ظرف العراق،وجاء لصالح القوى التي انتفض الشعب ضدهم وهذا السبب الذي جعلهم يقبلونه فورا. يكفي أن نقول نريد قانونا عادلا لانتخابات حرة نزيهة...ونرفض ما يطرح من قوانين غير عادلة، ونحدد القانون الذي ينفع الشعب العراقي ويخرجهم من محنتهم بتشاور مع من له باع في هذا الجانب من المختصين المنتفضين. هذه الأمثلة وغيرها كثيرة واجبنا دراستها والإفادة من دروسها في انتفاضتنا المستمرة منذ العام الماضي ونريدها ظافرة مخلّصة للوطن والشعب من أزمته المستعصية...

عرض مقالات: