هناك تشابك مريب بين منظومة الفساد والمتنفذين الفاسدين في اجهزة الدولة ومؤسساتها من جهة، وفئات البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية واوساط من التجار الكومبرادور وبعض اصحاب المصارف والمتاجرين بالعملة ومالكي الفضائيات ومهربي النفط من جهة اخرى. وتوسعت هذه الظاهرة لتكتسب ابعادا مجتمعية. وقد انعكس ذلك وامثاله على حياة الناس ومستوى معيشتهم، وتجلى في انخفاض قدرتهم الشرائية وارتفاع معدلات البطالة، وفي سوء الخدمات والأزمات في الكهرباء والماء النقي والنقل والسكن والتعليم والصحة، وتصاعد نسبة من هم تحت خط الفقر .. وان اعتماد المحاصصة عرقل اقامة دولة المؤسسات والقانون ووفر في المقابل غطاء للفاسدين وحماية لهم من المساءلة والمحاسبة القانونيتين. وان المحاصصة الطائفية الاثنية هي أس أزمة النظام السياسي وفشله البين في مختلف المجالات. لذا لابد ان يكون هدف الخلاص منها اعلاء شأن المواطنة اساسا لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية وعنصرا رئيسا في اية رؤية جدية الى عملية الاصلاح والتغيير. ومنذ 2003 والى اليوم والصراع دائر بين القوى والكتل السياسية المتنفذة من اجل مغانم السلطة ومنافعها في اضعاف الدولة العراقية.
ان اعتماد الاصلاحات العميقة والتغيير والاستجابة لمطالب المنتفضين المشروعة والتخلص من نظام المحاصصة المقيت سيخلص البلاد من التدهور الذي وصلت اليه. ويعتبر هذا الأمر احدى التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الجديدة المؤقتة.
كما يعتبر الفساد من التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة، والفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية ويؤثر ويعرقل عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية ويساعد على تفشي الرشى خاصة في انجاز المعاملات الحكومية، كما انه يكون عاملا سلبيا يؤثر في الاستثمار الأجنبي المباشر وعدم جذبه. ويتسبب الفساد في حرمان المجتمعات من المدارس والمستشفيات وغيرها من الخدمات الحيوية. كما يقوض الفساد سيادة القانون ويحرض على ارتكاب جرائم مثل الاتجار غير المشروع بالأشخاص وبالمخدرات والأسلحة والتهرب من الضرائب وغسل الأموال وغير ذلك من الممارسات التي تؤثر على تحقيق التنمية المستدامة. ووفقا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي تبلغ كلفة الفساد ما لا يقل عن (2,6) تريليون دولار أو (5في المائة) من الناتج المحلي الاجمالي العالمي. ووفقا للبنك الدولي تدفع الشركات والأفراد رشاوى تزيد قيمتها على تريليون دولار كل عام . كما ان الفساد يولد المزيد من الفساد ويعزز ثقافة الإفلات الهدامة من العقاب. وتصل قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد الى ما يزيد عن تريليون ونصف دولار. وفي البلدان النامية وبحسب ما يشير برنامج الأمم المتحدة الانمائي تقدر قيمة الفاقد بسبب الفساد بعشرة اضعاف اجمالي مبالغ المساعدة الانمائية المقدمة، ويعتبر الفساد أحد أكبر العوائق امام تحقيق اهداف التنمية المستدامة.
وفي العراق تعاني مختلف المؤسسات العراقية المدنية والعسكرية من تفشي الفساد فيها منذ سنوات، دون ان تقوم الحكومة والبرلمان بدورهما بمكافحة الفساد وانهائه طيلة الفترة الممتدة من 2003 والى اليوم، وكان هذا أحد العوامل التي دفعت الجماهير الشعبية في مختلف المدن العراقية بالانتفاض ضد الحكومة وعجزها وسوء ادارتها وفشلها. ومنذ اكتوبر 2019 يشهد العديد من المحافظات احتجاجات شعبية سلمية واجهتها الحكومة بالعنف المفرط، مما ادى الى استشهاد أكثر من 700 شهيد وأكثر من 25 ألف جريح، وكانت مطالبهم تتلخص في مكافحة الفساد المستشري بين المسؤولين ووضع حد نهائي للفقر والبطالة وتوفير وتحسين الخدمات الضرورية وخاصة الكهرباء التي أنفق عليها أكثر من 60 مليار دولار ولم تتحسن بسبب الفساد وسوء الادارة. اضافة الى عدم توفر الماء النقي والسكن وغيرها في ظل عجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وفسادها. وفي العراق فإن قرارات التوظيف مرتبطة بالمحسوبية والمنسوبية والرشوة، وأحيانا يتم تعيين موظفين وهميين (فضائيين مدنيين وعسكريين). ويشير تقرير رسمي لمنظمة الشفافية الدولية الى ان العراق قد احتل مرتبة متأخرة في مؤشرات مدركات الفساد لعام 2018، وفي عام 2017 حل العراق في المركز 169 بين 180 دولة على مؤشر الفساد حسب منظمة الشفافية الدولية. كما بلغ العراق اعلى درجة له في الفساد عام 2007 ليحتل المرتبة 178 بين دول العالم الأكثر فسادا. وقد اشارت هيئة النزاهة الى ان العراق فقد بسبب الفساد الحكومي نحو 320 مليار دولار في السنوات الـ 15 الماضية.. ويلاحظ ان المسؤولين في العراق منذ 2003 والى اليوم يطلقون التصريحات المنددة بالفساد مطالبين بملاحقة المتورطين ولكنها في ارض الواقع لا تفعل شيئا وانما مجرد وعود كاذبة، حيث لم يقدم كبار الفاسدين الى المحاكمة ولم تسترجع الأموال المنهوبة.. وعلى الرغم من ان العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة اوبك ويتلقى عشرات المليارات من الدولارات سنويا من بيع الخام، لكن الحكومات العراقية لا تزال عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للسكان بسبب الفساد وسوء الادارة ونهج المحاصصة والطائفية.
يعاني العراق من ازمات خانقة سياسية واقتصادية واجتماعية وسيطرة الدولة العميقة على الدولة ومؤسساتها، وان السبب الرئيسي لهذه الأزمات المتتالية هو اعتماد نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية،الذي ساهم المحتلون في ترسيخه والمستفيدون منه في ادامته، وادى هذا النهج الى اقصاء العناصر الوطنية الكفوءة والنزيهة عن مواقع المسؤولية اضافة الى سوء الادارة وغياب الرؤى الاستراتيجية لإدارة البلد في الجوانب كافة .
ولغرض التخلص من المحاصصة المقيتة في حزمة واحدة متكاملة لابد من:
1)
تشكيل حكومة كفاءات بعناصر نزيهة ومؤهلة لتأخذ مواقعها ضمن منهج متكامل وبسقوف زمنية على ان يشمل ذلك الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة.
2)
تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي لاختيار شاغلي الوظيفة العامة وفق معايير النزاهة والتحصيل العلمي والخبرة والكفاءة بعيدا عن المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية ودرجة القربى من الوزير او المسؤول الحزبي. وبعيدا عن بيع الوظائف والمناصب الحكومية والفساد.
3)
اعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة وابعاد الجيش والمؤسسات الأمنية المختلفة عن المحاصصة.
4)
تشكيل احزاب وكتل سياسية وبرلمانية عابرة للطوائف وتأخذ بمبدأ المواطنة، سيكون عاملا مهما في التخلي عن المحاصصة.
5)
المباشرة بضرب رؤوس الفساد ومنظومته وفتح ملفات الفساد بدون تردد وخشية من الفاسدين.
6)
تصفية الدولة العميقة والعمل على تجريد الميليشيات الخارجة عن القانون من سلاحها ومنع تشكيل أي قوة عسكرية خارج الدولة والقوات المسلحة وفرض العقوبات الصارمة.
7)
تحقيق العدالة الاجتماعية وفرص العمل والعيش الكريم للمواطنين ومكافحة الفقر وازمة السكن والعشوائيات.
ان تفكيك منظومة المحاصصة والفساد في العراق هو واجب وطني بامتياز، فلنعمل معا على تحقيقه ..