في مثل هذه الأيام وقبل عام تم قمع المعتصمين من اصحاب الشهادات العليا، ورُشقت النساء بخراطيم المياه، وضُرب الشباب بالهراوات بوحشية، لأنهم طالبوا بحقوقهم في توفير فرص عمل وبصورة سلمية بعد ان اضيفت اسماؤهم لجيوش العاطلين عن العمل من الخريجين كل عام. ومن هنا كانت الشرارة الاولى لانطلاق تظاهرات ثورة تشرين/ اكتوبر 2019. وكانت مشاركة المرأة وحضورها في كل ساحات التظاهر في المحافظات المنتفضة بكل شرائحها واوضاعها الاجتماعية ملفت للنظر، ويشير الى دورها الفاعل في الحياة الاجتماعية ويؤشر وعيها بما يحيط المجتمع من مخاطر جراء الفساد والطائفية. فمن حقنا ان نفتخر بدور المرأة وما قدمته في هذه الانتفاضة المجيدة ونحن نحتفل بمرور عام على انطلاقها.
لقد صارت ساحات الاعتصام في كل محافظة بمثابة وطنها المصغر الذي تحلم به.. نساء من مختلف الاعمار نشاهدهن متواجدات وحاضرات، وبتواجدهن اعطين صورة مشرفة ومشرقة لجيلنا وللأجيال القادمة، هذا ماوجدته خلال مشاركتي في الانتفاضة.
في بداية انتفاضة تشرين توافدت النساء الى ساحة اعتصامات النجف لرغبتهن بالمشاركة، وكنا عندما نلتقي كل يوم نتفق على الحضور في اليوم الثاني بنفس المكان او يتم تعيين مكان اخر، من هنا انبثقت فكرة نصب خيمة خاصة لنا للتجمع وانطلاق تظاهراتنا منها ولتضم كل فعالياتنا وبرامجنا. فكانت خيمة (المرأة ثورة)، هذه الخيمة هي الخيمة النسوية الوحيدة في الساحة مع تواجد النساء من ضمن خيم الشباب المنتفض إذ كان دورهن يقتصر على مساعدة الآخرين بالطبخ وتجهيز الطعام او تقديم الاسعافات مع زملائها. عندما كنت ادخل هذه الخيمة أحس بانها البيت الذي يجمعنا نحن كعائلة، يجمعنا العلم العراقي والهوية الوطنية بدون اي هويات فرعية اخرى قومية او دينية او طائفية ولنا جميعا نفس المطاليب المشروعة. وجدت عمق الوعي لدى النساء بالرغم من بساطتهن ونضوج الفكر لدى الشابات، عرفت بأن النساء قادرات على اتخاذ وصنع القرار وتشبثهن بالمطاليب لحين تحقيقها، تواجدهن المستمر بالخيمة ماهو الا تعبير عن رأيهن لتقول كل منهن للمجتمع انها موجودة ولها كلمتها ودورها في تحفيز النساء الأخريات بالمشاركة بكل الطرق الممكنة وبعدة اشكال سواء الالتحاق بالتظاهرات ان استطاعت او دعمها.
خرجت المرأة العراقية في مقدمة التظاهرات تطالب بحقوقها وحقوق الشعب دون خوف او تردد، بالرغم من التهديدات، وقد طهرت دماء البعض منهن ساحات التظاهر فسقطن شهيدات من اجل استرجاع الوطن،فلن ننسى دماءهن ودورهن البطولي، فشهيدات تشرين خالدات في ذاكرة الزمن، وكل قطرة دم زكية سالت كانت حافزا لتبقى اصواتهن تعلو وتطالب بالتغيير، تطالب بعراق السلام والأمان والخير والبناء والوحدة.على مدى سنة كانت نشاطات خيمتنا تصدح تتغنى بالحب الكبير الذي نعيش لأجله، حب العراق،فكانت تظاهراتنا النسوية في الساحة الخاصة بالخيمة برفع اللافتات والهتافات الثورية مستمرة يوميا,كان لخيمتنا برامج نعدها وننفذها من غير الذي يطرأ من احداث عارضة تستوجب الاستعداد لها، ومن ابرز نشاطات خيمتنا:
تظاهرة الورود، أكبر تظاهرة نسوية في النجف حيث تم التنسيق من قبل الرفيقة سهاد مع تنسيقيات جامعة الكوفة وكلية التربية وتسمية التظاهرة بتظاهرة الورود، وتم كتابة الشعارات وكتابة لافتة تمجد شهيدات ثورة تشرين.
دعوة من قبل نساء الخيمة للمعتصمين لوجبة فطور صباحي وإطلاق اسم (ريوك عراقي) لدعم المنتجات العراقية وكان لها صدى كبير وحضورمتميز من قبل المعتصمين والقوات الامنية المتواجدة بالساحة.
جلسات حوارية امام الخيمة، منها أهمية دور المرأة في الحراك الجماهيري، استقطبت الجلسة كثيرا من الشباب المنتفض والنساء المتواجدات ببعض الخيم وحضور الفضائيات.
وقفة استذكاريه لشهيدات ثورة تشرين امام الخيمة ورفع لافتة تتضمن صور بعض شهيدات الانتفاضة والسير بها في الساحة وتوزيع اعلام عراقية مع ملصقات تحمل صور الشهيدات على المعتصمين في الساحة.
دور كبير لنساء الخيمة في حفظ الارواح فكانت النساء عنصرا فاعلا للسلام والأمن من خلال حماية المتظاهرين بإقامة حاجز بشري ورفع لافتات مكتوب عليها شبابنا عيشوا لأجل الوطن، لمنعهم من الوصول لمرقد الحكيم، حيث كان هناك إطلاق نار حي على مجموعة من المتظاهرين.
التثقيف بالسلمية وعدم الانجرار للعنف
زيارة جرحى التظاهرات وتقديم الورد والحلوى لهم.
توزيع الكمامات والكفوف ومواد التعقيم للمعتصمين.
وقفة تأبين لشهداء يوم الاربعاء الدامي وايقاد الشموع امام الخيمة.
توزيع وجبات غذائية صباحا ومساءا للخيم.
وفي جائحة كورونا دور متميز للمرأة بتقديم السلال الغذائية والملابس للعوائل المتعففة. وتقديم لوح تكريم لشعبة الاسعاف الفوري بالنجف وكذلك تقديم الشكر والورود والحلوى للجيش الابيض في مركز الفرات الاوسط للأورام في النجف.
وبسبب جائحة كورونا قلّت اعداد المتظاهرين وكذلك الحال لنساء الخيمة واصابة عدد منهن بفايروس كورونا، لكن دورهن كان مكثفا في مواقع التواصل ليعوض عن تواجدهن بالخيمة فكان هذا الدور بارزا في فضح فساد الحكومة ومايحصل من انتهاكات لحقوق الانسان وقتل وخطف الناشطين لتصبح قضية راي عام.
في ذكرى الانتفاضة نقول، الام والاخت التي قدمت اكثر من سبعمائة شهيد واكثر من خمسة وعشرين الف جريحوالمغيبين والمختطفين، لايمكن لها أن تهدأ وتعود ادراجها دون تحقيق ما خرجت من أجله, ودون تقديم قتلة اولادها واخوانها للقضاء ومحاكمتهم؟ومادامت أسباب الانتفاضة موجودة فالشعلة تتقد ولن تطفأ, فالبطالة تكثر والفقر يزدادوالفساد مستمر والمحاصصة على حالها والأمن مفقود والخدمات معدومةوالسلاح المنفلت يصول ويجول، وما زالوا يماطلون بتشريع قانون الانتخابات الذي هو أملنا في احداث التغيير المطلوب في انتخابات نزيهة مبكرة..

عرض مقالات: