تشكل منظومة الفساد والمحاصصة الطائفية وجهين لعملة واحدة، حيث تشكل كل منهما الغطاء للأخرى مما تنتج للقابضين على السلطة الاستمرار في ممارساتهم الفاسدة.
ونود أن نتطرق في موضوعنا هذا إلى أهم التشريعات النافذة التي تشكل منظومة متكاملة، وفي حالة تفعيلها يصبح بالإمكان التصدي بقوة لجميع ممارسات الفساد، ويتطلب ذلك توفر الإرادة الحقيقية لدى أجهزة الدولة بكافة تشكيلاتها، وتوفير الدعم الكامل لهذه المهمة من قبل سلطات الدولة التشريعية والتنفيذيةوالقضائية، ونستعرض أدناه أبرز التشريعات الصادرة والنافذة بهذا الخصوص: -
• دستور جمهورية العراق حيث نصت المادة (27) ضمن الفقرة (أولاً) على (للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن) مما يعني أن لكل مواطن ممارسة دوره في التصدي لكل أنواع ومستوياتالفساد.
• كما يعتبر قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 (المعدل) من أكثر القوانين النافذة شمولاً للتصدي للفساد حيث ورد في هذا القانون ضمن الباب السادس وتحت عنوان (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) وبثلاثة فصول ، الفصل الأول منها عالج موضوع الرشوة ضمن المواد (307 - 314) من القانون وتصل العقوبة لمن تنطبق عليه هذه المواد إلى السجن لمدة (7) سنوات ، بينما عالج الفصل الثاني جريمة الاختلاس ضمن المواد (315 – 321) من القانون وتصل العقوبة لمن تنطبق عليه هذه المواد إلى السجن المؤبد، وأخيراً الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان تجاوز الموظفين حدود وظائفهم وضمن المواد (322 – 341) والذي تصل العقوبة لمن تنطبق عليه هذه المواد لغاية السجن لمدة (10) سنوات، وبذلك فإن النصوص القانونية الواردة ضمن هذا القانون تغطي القدر الأكبر من جرائم الفساد المتفشي في أجهزة الدولة، ويمارس من قبل مسؤولين في مختلف المستويات، إلا أن غياب الارادة والجدية في التصدي لهذا الوباء تجعل من نصوص القانون حبراً على ورق.
• ومن المؤسسات المعنية بشكل مباشر ورئيسي في التصدي للفساد هيئة النزاهة المؤسسة بموجب قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 المعدل بالقانون رقم (30) لسنة 2019 ، وقد أستعيض بهذا التعديل عن قانون الكسب غير المشروع الذي سبق وعرض على مجلس النواب وتمت القراءة الأولى له بتاريخ 24/آذار/2019 وتم صرف النظر عنه بعد تضمين أهم مواده في قانون التعديل الأول لقانون هيئة النزاهة المشار إليه آنفاً ، وتضمن هذا التعديل بشكل أساسي وضمن المادة (16/أولاً) منه إلزام كل من يشغل أحد الوظائف أو المناصب في الدولة وكالةً أوأصالةً تقديم إقرار عن ذمته المالية وتشمل جميع المناصب بدءًا برئيس الجمهورية وانتهاء برئيس وأعضاء مجالس إدارات ومسؤولي هيئة الاستثمار، و لهيئة النزاهة تكليف أي موظف مكلف بخدمة عامة بوجوب تقديم كشف بذمته المالية وكذلك أي تنظيم سياسي أو منظمة غير حكومية أو اتحاد أو نقابة أو جمعية لإثبات مشروعية مصادر التمويل والتبرع وأوجه الأنفاق، وتضمنت المادة (18) من القانون إيقاف صرف رواتب المكلف ومخصصاته إذا لم يقدم الاستمارة خلال المدة المطلوبة المحددة بـ (90) يوما من تاريخ توليه الوظيفة أو انهاء علاقته بها وخلال شهر كانون الثاني من كل سنةو الاجابة على الملاحظات خلال (60) يوما، ونظمت المادة (19) العقوبات التي تفرض بحق المخالفين لأحكام القانون والتي تتراوح بين الحبس لمدة سنة لغاية السجن لمدة (7) سنوات في حالة ثبوت الكسب غير المشروع مع إعادة كافة الأموال التي حصل عليها بشكل غير مشروع.
• وأخيراً وليس آخراً إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 التي انظم إليها العراق بموجب القانون رقم (35) في 8 /12 /2007، ونشرت في جريدة الوقائع العراقية ذي العدد (4047) في 3 /8 /2007، وبذلك أصبحت الاتفاقية جزءا لا يتجزأ من المنظومة القانونية العراقية وملزمة بجميع أحكامها للجميع، ومن بين أهم المواد الواردة في هذه الاتفاقية ضمن المادة (44) الخاصة بتسليم المجرم الموجود في أي دولة إلى الطرف الذي يطلب تسليمه، على أن يكون المجرم خاضعاً للعقاب بموجب قانون تلك الدولتين، كما أجازت للدولة تسليم المجرم حتى في حالة عدم اعتبار فعله جريمة وفقاً لقانونها، كما نصت المادة (51) من الاتفاقية آلية استرداد الموجودات وحيث ان الفاسدين أو معظمهم قاموا بنقل الأموال المسروقة خارج العراق فإن هذه الاتفاقية تمكن السلطات المختصة استرداد جميع الأموال المسروقة.
وفي الختام يبقى السؤال الأهم عن كيفية تصفية منظومة الفساد المتغلغلة في جميع مفاصل الدولة، بحيث أصبحت تشكل أمراواقعا، وهنالك مصالح مشتركة ومتبادلة بحيث تتوفر لهم الامكانيات لإجهاض كل محاولات التصدي لهذه المنظومة، ولتحقيق الهدف المطلوب يتطلب تضامن الجهود وتوفر الإرادة من قبل جميع السلطات وخاصة السلطة القضائية، إضافة إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية مع توفير الدعم من قبل كل القوى الخيرة بضمنها منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام مستفيدين من الزخم الجماهيري الذي وفرته انتفاضة تشرين المجيدة، التي ما زال أمامها الكثير من الأهداف التي تعمل على تحقيقها، ولا يفوتنا أن نقيم إجراءات السيد رئيس الوزراء بالسيطرة على سير العمل في المنافذ الحدودية الذي مازال بحاجة إلى المزيد من الرقابة والتنظيم وتشكيل لجنة ترتبط به للتحقيق في قضايا الفساد الكبيرة، والتي نأمل أن لا تكون مثل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي تم تشكيله في حكومة السيد عادل عبد المهدي، ونأمل أن نطلع على إجراءات ملموسة في وقت قريب.

عرض مقالات: