النفط أو " البترول " هذه القدسية من هبات الأرض الذي وفر ويوفر القدرات المالية التي تدعم الاقتصاد الوطني وتساهم موارده المالية في البناء والتطور حيث يعد في العصر الحديث وبخاصة بعد اكتشافه في ارجاء المعمورة ومن ثم في العراق كطاقة مهمة قدمت خدمات جليلة للإنسان في مجالاتٍ شتى، سياسية او اقتصادية واجتماعية وثقافية وفي مجالات الصناعة والتكنولوجيا والباقي من الخدمات العامة والكهرباء والماء ووسائل الآليات المتطورة في مجالات الزراعة وغيرها، ولهذا لجأت الدول الى اتخاذ جميع السبل الأمنية للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية باعتبارها المفتاح الصحيح لفتح آفاق المستقبل بمنظور علمي تقني ، وحسب ما كتب تاريخياً بان الانسان استخدم البترول في بلاد ما بين النهرين " العراق " حوالي (4000 ) عام قبل الميلاد  حيث كان القار الخام القطراني يستخدم لقضايا شتى منها السفن ومقابض الأسلحة ويذكر ان المصريين استخدموه في التحنيط، اما اكتشافه من خلال الابار فقد جاء اثناء حفرها للبحث عن الماء ويذكر انه حدث في أواخر القرن التاسع عشر وبرزت أهميته بعد ذلك ولا سيما بعد اختراع (مصباح الكيروسين) الذي كان يحتاج الى كميات كثيرة من النفط للإنارة  وتكلل عام (1856) ميلادية بحفر البئر النفطي من قبل العقيد ادوين دريك ثم تلته الاكتشافات الأخرى وقدرت الاكتشافات في العديد من دول الشرق الأوسط العراق والكويت والسعودية العربية والامارات حسب الأبحاث الجيولوجية بوجود كميات هائلة من النفط تقدر بـ ( 25) مليار برميل من النفط الخام، اما اكتشاف النفط في العراق يعود الي عام 1927 وقد كان في منطقة كركوك ذات الكميات الضخمة حيث اكتشف حقل النفط في (1927) مثلما اشرنا، وهكذا اعتبر العراق بلداً نفطياً له مكانة عالمية في الكميات او الإنتاج الذي تدرج منذ اكتشافه في العهد الملكي وتطورت إمكانيات الحفاظ عليه وطنياً بعد ثورة ( 14 تموز/ 1958) بقرارات وطنية في مقدمتها اصدار القانون (80 )  بصيغته النهائية  في 12 كانون الاول 1961، وقد صدر هذا القانون الذي احتوى على سبع نقاط حددت فيها معالجة إعادة الأراضي غير المستثمرة ، حيث استعاد العراق لأول مرة (99.5% من أراضيه) وقد نصت المادة الخامسة على "1- على الشركات ان تقدم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون الى الحكومة مجاناً جميع المواد والمعلومات والجيوفيزيائية وجميع المعلومات والامور المتعلقة بالهندسة النفطية الخاصة بالأراضي المشمولة بحكم المادة الرابعة من هذا القانون" واعتبر القانون رقم (80) اول واهم قانون  سجلته حكومة ثورة 14 / تموز / 1958 وقد مهد الى اصدار قانون تأميم النفط في عام  (1971). نستعرض هذه اللوحة لتسجيل البعض من سطور التاريخ بخصوص بعض القضايا التي تخص السياسة النفطية والصراع من اجل الحفاظ على هذه الثروة الوطنية التي هي ملك للشعب العراقي ودعامة أساسية للاقتصاد الوطني، ولكن ولشديد الأسف فان تلك الجهود الوطنية والتاريخ النضالي للقوى الوطنية والديمقراطية واكثرية الجماهير بعثرت بعد احتلال العراق وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي على السلطة وبدلاً من استغلال الأموال الضخمة في إعادة بناء العراق وتطويره ونقله من الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط فقط وهو اقتصاد تستغله الدول وتعتمد عليه كمصدر طبيعي يعتمد على التبادل التجاري مما يؤدي الى ظهور مجتمع استهلاكي يعتمد كل الاعتماد على الاستيراد وهو اقتصاد لا يشمل الاقتصاد في الصناعة التحويلية او الاقتصاد في الزراعة، هكذا خططت الأحزاب الطائفية المتنفذة التي استولت على السلطة بواسطة الانتخابات التي زورت تحت طائلة قانون انتخابي غير عادل وبوجود مفوضية للانتخابات غير مستقلة، نقول خططت لسياسة هدفها النمط الواحد المعتمد على ثروات النفط التي اخذت تسرق بشكل علني ووفق عقود استثمارية لشركات وهمية او عن طريق تهريب أموال النفط وطريق غسيل الأموال تقوم به مافيات اقتصادية محلية وعالمية فنهبت بدون أي رادع ضمير مليارات الدولارات وأصبحت بعد حين الدولة مفلسة عندما استلم رئاسة الوزراء مصطفى الكاظمي بينما اغتنت طائفة من القيادات الإسلامية من كلا الطرفين واصبحوا في صف المليارديرية وبخاصة منذ حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وما تلاه من قيادات لحزب اسلامي معروف، الذين ترأسوا مجلس الوزراء بعد نوري المالكي ولو كانت هيئة النزاهة غير مخترقة ونظيفة وتعمل بشكل مخلص ومسؤول لتوجهت الى تدقيق ثروات هؤلاء بشكل قانوني مبدئي فسوف نجد الهوائل ونكتشف طرق الفساد التي استخدمت للسرقة أموال البلاد حتى ان هذه الأموال لم تصرف على صف مدرسي ابتدائي فكيف الجوانب الأخرى الي أصابها الجدب والخراب والإهمال ، انه فساد منقطع النظير اوجدته سياسة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي وحلفائهم من اطراف أخرى حتى بات العراق مضرب المثل ففي مؤتمر الفساد العالمي  لعام (2019)  ) اعتبر العراق الأكثر فساداً لأنه خلال اكثر من (17) عاماً والكم الهائل من مبيعات النفط التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات والعراق مازال يتذيل في ذيل التصنيف الدولي واشر مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية " احتل العراق التصنيف( 162 بحصوله على (20) نقطة فقط، كدولة مغمورة بالفساد من مجموع 180 دولة" وهو مؤشر خطر ومأساوي لان العراق يعتبر من الدول الغنية بالموارد الطبيعية وما يملكه في مجال النفط والغاز الطبيعي والثروات الأخرى من إمكانيات يجعله في مصاف الدول المتقدمة اذا ما استخدمت موارده بشكل عقلاني ومسؤول لكن  مثلما اشير وبعد اكثر  من 17 عاماً على احتلال العراق من قبل الغزو الأمريكي فقد اصبح من افقر الدول والأكثر فساداً ، فبالإضافة الى النهب المنظم وفساد الطبقة السياسية المتنفذة نجد المؤشر يؤكد  إن " الأحزاب  والميليشيات المتحكمة بالعراق تنهب عشرات مليارات الدولارات من عائدات النفط، فضلا عن تحكم هذه الزمرة بكل مفاصل الاقتصاد العراقي، بعد أن باتت المناصب الوزارية ومناصب المدراء العامين تباع وتشترى بملايين الدولارات، بحسبه." هذا الواقع المر انعكس على جميع مرافق الدولة والمجتمع وبات الفقر والاقل منه يشكل نسبة عالية خلال السنين التي تلت السقوط والاحتلال وفقدت تقريباً فرص العمل مع ازدياد مضطرد في نسب البطالة ولم ينل القطاع الخاص او الزراعي او الصناعي باي فرص حقيقية لإعادة دورة الاقتصاد عامة ولقد تفشت ظاهرة التجاوزات على ممتلكات واراضي الدولة بشكل لم يسبق له من مثيل وباتت العشوائيات السكنية تحتل رقعاً جغرافية واشعة وبدون تخطيط او دراسة وبقى وباء الكهرباء والماء كأنه آفة لا علاج لها لا من قريب ولا من بعيد، ولهذا اوضح أستاذ الاقتصاد الدكتور محسن الطائي "أن العراق ومن الناحية العملية يعد أكثر دول العالم  فساداً" وهذه هي الطامة الكبرى لم يفقه ويحسن بما حل ببلاد ما بين النهرين من نكبات وليس نكبة واحدة حتى اصبح " خان جغان" لكل من هب ودب وفي مقدمتهم دول الجوار ايران وتركيا ثم بعدهما الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وكذلك يعود اصلاً لكرم الأحزاب والتنظيمات الطائفية المتنفذة والتحالف المريب مع ميليشيات مدججة بالسلاح تستخدم لاغتيال المعارضين وخطفهم وزجهم في سجون ومعتقلات سرية. هذا هو حال النفط العراقي وكيف اصبح وبالاً عليه بدلاً من المساهمة في انقاذه والتوجه للبناء والتقدم الصناعي والزراعي والثقافي وفي القطاعات الاقتصادية والاعمار والتنمية العلمية ويجب ان يخص القطاع النفطي بأهمية استثنائية في ظروفنا الحالية وقد اشير الى معالجات جمة برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي نشر في يوم الأربعاء 4 / كانون2/ 2017 " تشترط عملية إعادة الاعمار تطوراً متلازماً ومتناسقاً في مختلف القطاعات الاقتصادية" وأكد التقرير على (12) نقطة حول القضية النفطية بدءً من النقطة "

 1 ــ اعتبار قطاع استخراج النفط والغاز قطاعاً استراتيجياً ينبغي ان يظل ملكية عامة، لا سيما المخزون النفطي والغازي. ثم تلتها النقاط الأخرى، اعتماد سياسة عقلانية وعدم الهدر، وإصدار القوانين، وتأهيل المنشآت النفطية، وهيكلية شركة النفط الوطنية، وتطوير الكوادر التي تعمل في المجال النفط وغيرها من القضايا المهمة التي تحافظ على هذه الثروة الوطنية وختمت النقاط بــ 12 ـــ مراجعة آليات التراخيص وعقودها ومعالجة ثغراتها، بما يضمن اعلى العوائد للعراق، والاستغلال الأمثل للحقوق النفطية والغازية".

اليوم وبعد سنين عجاف وتداعيات عذاب الاكثرية من الشعب العراقي وبخاصة كادحيه من عمال وفلاحين ومثقفين وموظفين أصحاب الدخل الضعيف والكسبة وملايين الفقراء والمسحوقين من العاطلين عن العمل والمهجرين والمهاجرين ليس في الخارج فحسب بل انما داخل الوطن، ونحن على اعتاب افلاس مالي رهيب وتلاعب غير محدود بواردات النفط الهائلة وما نهب من الأموال العامة، من الضروري  التوقف امام التراجيدية العراقية "ونعمل" وبالذات الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي من اجل إيقاف نزيف الفساد والتدهور والالتفات بشكل وطني مسؤول لمنع الخراب الشامل ولإيقاف النزيف وإصلاح شأن الدولة والمجتمع ووضعها على الطريق الصحيح لتجنب الانهيار والتمزق ومن اجل التخندق خلف الوطن والمواطنة العراقية.

عرض مقالات: