العنف هو ما يشوش النظام من اغتصاب الحقيقة واغتصاب العدالة واغتصاب ثقة اﻵخر

لا نزا ديل فاستو

يُعلمنا تاريخ الحركات الوطنية في العالم أن نشر الديمقراطية ونموها واتساع مفاهيمها يتم عبر المصالحة وتحالفات القوى الوطنية حتى لا تغرق الأوطان في وحل الدكتاتورية الذي تُمهد له خطط وتسلكات الأحزاب القومية والإسلامية التي تصاعد نموها وظهور جديد منها في الساحة السياسية. فبعد صعود نجم تغيير النظام الشاهنشاهي، وسعي النظام الجديد السيطرة على بعض بلدان المنطقة، بما تم تأسيسه من منظمات ولائية له فيها، مدها بمقومات المال والسلاح، حيث عملت على تشويش مسيرة الكثير من البلدان، وهي تعمل على خلق ممهدات لتطبيق خططها وإستراتيجيتها المذهبية الطائفية.

 ولهذا الغرض أقدم المتشددون الإسلاميون في المنطقة كحركة الإخوان المسلمين والوهابية وبعض الأحزاب الإسلامية وميليشياتها المنفلة في المنطقة قبل كل شيء على التحرش بالملاكات العلمية لكثير من بلدان المنطقة، حيث اختطفت وصفت جسديا المئات من الأطباء والمهندسين والطيارين والصحفيين ناهيك عن أصحاب الأقلام الأدبية من الذين تشهد لهم ساحات الحراك الجماهيري بالمواقف الوطنية.

لقد صُفي خزينها العلمي، ولم يبق سوى من يُحسن التلون وتقاسم المغانم مع من سَهْلت له الظروف أن يرث تراث عائلته الوطني. بنهج منظم من قبل ميليشياته والأحزاب المتحاصصة.

 وطبقا للمنطق وخبرة الأحزاب الوطنية الديمقراطية، تأكد بما لا يُشك به، بأن كل الاحزاب الإسلامية المتحاصصة ستتعرض للنخر داخليا، ومع هذا تتسابق فيما بينها  للسيطرة على المواقع الإدارية والأمنية للدولة، لما تدره تلك المواقع من مكاسب مالية وجاه، ونيل المغانم من هنا وهناك، وكانت نتيجة ذلك أنها حصدت المال والقوة، بينما فقدت شعبيتها بين أوساط الجماهير الفقيرة التي خُدعت بشعاراتها الطائفية، وبذلك نالت العزلة داخليا وعالميا كالعراق و سوريا ولبنان واليمن وليبيا. وبهذا تكون قد فقدت أعز شيء يمكن أن يملكه تراث تلك الأحزاب طائفيا. ودلل على أنه بدون الدعم الطائفي والإقليمي والدولي لا يمكن أن تقوم دولة مستقلة تنهض بمهامها الوطنية بحرية وشكل ديمقراطي.

  فعند حجب الديمقراطية والعدالة الإجتماعية عن الجماهير، تُخلق أوضاع لا تُمكن وصول القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية، لتحالف سياسي رغم تأكيد الإثنين على ضرورة تواصلهما السير نحو تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية، فلا زال تعدد تنظيمات مدنية وطنية رغم تشابه يرامجها غير قادر على إيجاد صيغ توافقية لتوحيد نشاطاتها في برامج تُخرجها مما عليه من تشرذم، وتوحد صفوفها  ليس في الداخل فحسب بل في الخارج ايضا، فعلى الرغم من البرامج الوطنية والتقدمية التي تعلن عنها إلا أنها تبقى منغلقة على نفسها،  حيث تبقى تلك المنظمات متأثرة بتعدد الأساليب، وبتواجد بعض الأحزاب المستقوية بقوة سلاح ميليشياتها الولائية في الساحة السياسية، تعمل على أساس بأن كل شيء يأتي من فوهة البندقية  وتبقى متمسكة بنصرة مظلومية طائفتها على حساب المصالح الوطنية العليا، 

وهذا ما غَيَب  شجاعة الذين تولوا مسؤولية السلطة وتبنوا سياسة التوازنات السياسية بين الأحزاب المتحاصصة على أساس طائفي وقومي، دون ألأخذ بنظر الإعتبار الظروف التي يمر بها البلد، والتي تتطلب، لا بل تحتم تغيير أسلوب التعامل مع الجماهير، حيث الأوراق التي تٌسْتخدم  للتقرب من  الجماهير، وهي تعلن لفظيا محاربتها للفساد والمحسوبية، مما تفسره الجماهير كذر الرماد في العيون، إذ هي من أوجد المحاصصة والفساد وأبعد حاملي الهم العراقي عن مسؤولية تنمية الوطن، وهي من لا يَتخذ مواقف واضحة ورزينة لإنقاذ الوطن من ما أوصلته اليه. إنها مدعوة اليوم قبل غيرها إلى إيجاد أنجع السبل للوقوف على أسباب محنتنا، وترتيب أسبقية الخروج منها، بالإضافة إلى رفض كل المساعي الرامية إلى إيجاد توازنات سياسية وإقتصادية بين الحلفاء الولائيين وأمريكا التي طاما بقوا متمسكين بنهجهم الطائفي، وإنكار ما نهبته من أموال الشعب، وأودعته في الخارج، وهم لا زالوا يقفون وراء عدم كشف من كان وراء تصفية المنتفضين السلميين ومحاسبتهم قانونيا، علاوة على وضع العراقيل أمام حصر السلاح بيد الدولة لعرقلة إجراء الإنتخابات المبكرة. بينما يواصل لسان حالنا مؤكدا خطل من يعتقد إننا نعيش خارج السرب وسننتهي بلقمة صغيرة في جوف حيتان الفساد. بينما سيبقى من جاء على ظهر الدباب الأمريكية دون متاع ودون شعارات، يحمل بإصرار النجاح في تقاسم المغانم فحسب، ورغم ذلك سيواصل حاملو الهم العراقي الاحتفاظ بعراقيتهم  محافظين على تراثهم الوطني، وعلى جذورهم في حب الناس والوطن.   

عرض مقالات: