بات من المؤكد في كل دول العالم المتمدنة، أن القوانين التي تشرع، يتم إلزام المؤسسات التنفيذية بتطبيقها دون تأخير، أو تدخل قرار تنفيذي شخصي يهدف الى حذف اوتغيير مضمون مادة قانونية، اجتهادا. إذ يجري العمل بالقاعدة القانونية التي تؤكد أن لا اجتهاد في مورد النص.

 ويلاحظ المتتبع ان معظم القوانين التقاعدية العراقية التي صدرت بعد ٢٠٠٣، تتميز بأمور عدة، أبرزها التمييز بين المتقاعدين انفسهم. وهذا واضح ويعيه الجميع رغم انه يتقاطع مع المادة ١٤ من الدستور التي تنص على: “العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز”.

لكن لو عدنا الى قوانين التقاعد تلك، لوجدنا أن قانون التقاعد رقم ٢٧ لسنة ٢٠٠٦ وتعديله الاول رقم ٦٩ لسنة ٢٠٠٧، قد ميزا المتقاعدين، عندما قسماهم كمسمى وشمول، إلى قسمين، هما “المتقاعدون القدامى”، أي المحالين على التقاعد قبل نفاذ القانون وتعديله. وهؤلاء غير مشمولين بالقانون أعلاه، الذي قال بصريح العبارة: “اما المتقاعدون المحالون الى التقاعد قبل نفاذه فتستمر دائرة التقاعد بصرف مبالغ مقطوعة”.

 قانون التقاعد رقم ٩ لسنة ٢٠١٤، ميز هو الآخر المتقاعدين من حيث الشمول والاستحقاق. اذ نص على شمول بعض فقراته، المتقاعدين المحالين على التقاعد بعد نفاذه، وحرم المحالين قبل نفاذه، من بعض الامتيازات.

وتتميز قوانين التقاعد العراقية أيضا، بكونها تشرع وبعض موادها لا تنفذ. مثال على ذلك، التعديل الاول رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٩ من قانون التقاعد الموحد، والذي شرع على عجالة دون دراسة وافية، واعتبره اختصاصيون من أسوأ القوانين. فهو تعامل مع المتقاعدين من مواليد ١٩٥٧ و١٩٥٨ و١٩٥٩ و١٩٦٠ عموما، والكوادر الطبية والهندسية والاكاديمية والفنية خصوصا، على أنهم ارقام فقط، دون معرفة ما سيؤول إليه ذلك على مستوى سير العمل في البلد. واليوم برهنت جائحة كورونا على خطأ هذا الإجراء، نظرا للحاجة الملحة للكوادر الطبية والصحية وغيرها، اضافة إلى ما لحق بهذه الكوادر من حيف وظيفي من حيث المدة القانونية التي تمت مصادرتها عند تخفيض السن القانوني، ماديا ونفسيا.

لكن للامانة نقول، أن هناك مادتين قانونيتين فيهما جانبا إيجابيا يضع حدا للتمييز بين المتقاعدين، هما المادتان 13 و١٤ من قانون التعديل، اللتان تمنحان تاركي العمل راتبا تقاعديا يساوي 75 في المائة من الحد الأدنى للراتب التقاعدي، والبالغ 400 ألف دينار.

إلا أن المادة 14 لم تنفذ رغم مضي سبعة اشهر على تشريع القانون، فيما صرفت على ضوء المادة 13، هويات تقاعدية للكثيرين من المشمولين بها، وقسم منهم تسلموا راتبا لثلاثة أو أربعة شهور، غير انه تقرر إيقاف صرف الرواتب بدون سابق إشعار، وبعد الاستفسار تبين ان ايقاف الصرف جاء بقرار محكمة التمييز. وإن صح ذلك، من حقنا التساؤل: إلى ماذا استندت المحكمة عندما أصدرت هذا القرار، وأين كانت طيلة الفترة التي صرفت فيها هويات التقاعد، والرواتب أيضا؟

إذا كان هناك مانع قانوني لنفاذ المادتين المشار إليهما، أليس من الاصوب مفاتحة البرلمان من قبل المحكمة، والاعتراض حول النقطة التي استوقفتها لغرض التصحيح، وانقاذ العائلات التي بقيت دون مورد مالي في هذا الظرف الاستثنائي الصعب!؟

اتساءل ويتساءل معي الملايين: هل يوجد مبرر قانوني يوقف تنفيذ هاتين المادتين، إذا ما علمنا ان المشمولين بهما، هم من اصحاب الدخول المحدودة، بل المحدودة جدا.. فهل يعقل هذا في زمن الديمقراطية!؟

عرض مقالات: