يؤشر صدور العدد الأول لـِ “كفاح الشعب” بتاريخ 1935/07/31 بداية نهج جديد في الصحافة العراقية، وهي بداية لنشر الأفكار اليسارية والتقدمية في العراق، ان ذلك الحدث لم يكن سهلاً آنذاك في بلد مثل العراق وفي ظروف صعبة، بل حذرة جداً لكن رغم ذلك توالى صدور أعدادها، كما صدرت بعدها العديد من الصحف والدوريات اليسارية الأخرى والتي كان لها دور كبير في نشر الوعي والفكر التقدمي والإنساني بالإضافة الى إيلائها أهمية لدعم النضالات المطلبية اليومية للشعب العراقي.

في نهاية تموز 2020 يكون قد مضى 85 عاماً على بداية صدور أول صحيفة شيوعية، وهذه المسيرة الطويلة قد عبدت بالتضحيات وعمدت بالدماء الغالية الزكية لرفاق عملوا بلا كلل من أجل رفع راية الشغيلة والكادحين عالياً، ويمر شريط الذكريات سريعاً، فكم هي الهجمات على رفاقنا وعلى كل من يحمل نسخة من صحيفة شيوعية، رغم ذلك كانت تستنسخ باليد وتوزع سراً بين الرفاق والأصدقاء والجماهير الشعبية في ظروف قاسية من المطاردات البوليسية في العهد الملكي، الذي سعت أجهزته الأمنية الى منع انتشارها ووقف تأثيرها الوطني ونشر الوعي الطبقي وكذلك الثقافة العامة في صفوف الجماهير.

بعدها صدرت جريدة الشرارة نهاية عام 1940 ثم جريدة القاعدة الصادرة في سنة 1943، وصدرت نشريات أخرى منها العمل في العام 1944 ووحدة النضال والنجمة والاتحاد وشورش وجريدة الأساس وجريدة العصبة بالإضافة الى النشرة الداخلية (مناضل الحزب)، وحتى داخل السجون والمعتقلات كان رفاقنا الشيوعيون يقومون بنشاطات ثقافية واعلامية ويصدرون النشرات منها مثل كفاح السجين الثوري، وصدرت في سنة 1954و جريدة راية الشغيلة.

وبعد ثورة 14 تموز المجيدة سنة 1958، صدرت جريدة “اتحاد الشعب” في 22 تموز1956، وكانت هذه المرحلة غنية بما قدمته بشكل علني للجماهير، وتطورت صفحاتها الغنية بالفكر التقدمي والتوعوي وأهتمت بالثقافة العامة والوطنية والأممية، ولا زالت المكتبة الوطنية العراقية تحتفظ بنسخ أعدادها، يمكن للباحثين الاطلاع عليها.

بعد انقلاب الفاشيين في 8 شباط 1963، تم تدمير كل شيء جميل، وتحطمت الأحلام وزج بالمناضلين وعشرات الصحفيين اليساريين في السجون وتم إعدام وتصفية العديد منهم، وتمت مصادرة أجهزة الطباعة وغيرها من التجهيزات، ومر العراق بفترة سوداء من جميع النواحي، حتى سقوط نظامهم، لكنهم عادوا من جديد سنة 1968 بوجه ثعلبي قبيح ليخدعوا الناس والمناضلين، وفسحوا مجالاً للحريات الصحفية وصدرت جريدة طريق الشعب و بيري نوي ومجلة الثقافة الجديدة بشكل علني،  لكن كانت توجهاتهم مبطنة بالخداع والحيل الخبيثة التي سرعان ما انكشفت وبدأوا حملاتهم الشعواء للنيل من الحزب الشيوعي ورفاقه ومناضليه وبالذات من صحافته، فلم يكتفوا بالتضييق والاعتقالات بل قاموا بتصفية العديد من الكوادر الاعلامية.

وفي مرحلة جديدة في سفوح كردستان حيث قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي وهي تواجه جبروت سلطة البعث الفاشي، كان للصحافة نهج جديد من إذاعة وإصدار طريق الشعب بالنسخ السرية الصغيرة ومجلات دفترية يصدرها الأنصار في العديد من المواقع الأنصارية، وكذلك إصدارات باللغة الكردية.

أما في الخارج حيث أضطر العشرات من الاعلاميين الشيوعيين والتقدميين من الهجرة، فقاموا بإصدار مجلة رسالة العراق في لندن، وأيضا عدة نشرات ثقافية مختلفة في بعض الدول حيث يتواجدون.

وبعد سقوط النظام البعثي الصدامي العفلقي الفاشي، كان لنا شرف كون أول صحيفة عراقية يتم توزيعها في شوارع بغداد هي جريدة طريق الشعب، ونشرت عدة فضائيات صور وأفلام لمواطنين وهم يتصفحون الجريدة، وكانت تلك بشارة خير لولا التدخلات الدولية لاحقاً مما أعاق عصر التحول الى نظام ديمقراطي حقيقي.

ونحن نحتفل بهذه المناسبة نحيي المسيرة الطويلة والسجل النضالي للصحافة الشيوعية في العراق، ونستذكر شهداءها من العاملين في الصحافة ونستذكر كوكبة رواد هذه المسيرة، الذين عملوا تحت شعار وطن حر وشعب سعيد، ونقف إجلالاً وإكباراً لهم ونحن على العهد لسائرون.

عرض مقالات: