في تصريح لوسائل اعلامية حكومية، كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل أيام، عن ارتفاع نسبة الفقر في البلاد من 22 الى 34 في المائة. من جهته، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط أن نصيب الفرد من الناتج المحلي للفصل الأول من العام الحالي انخفض بنسبة بلغت أكثر من 12 في المئة..
مؤشر زيادة الفقر هذا، بدلاً من الحد من ظاهرته، في بلد غني كالعراق، هو مؤشر مخجل، باعتباره نتيجة حتمية لـ” نعم “ النظام الفاسد السائد، الذي يستحق “مباركته” عليه، ليضيفه، مفتخرا، للمؤشرات المخجلة الأخرى في حياة العراقيين في ظله !..
علماً بان الأرقام الرسمية المذكورة لا تعكس الواقع بدقة، فقد أعلن عضو لجنة الصحة البرلمانية غائب العميري إن نسبة العائلات العراقية التي أصبحت تحت خط الفقر تقدر ب 48 في المئة: ويؤكد متخصصون مطلعون بان النسب الحقيقية تفوق هذه الأرقام. وأفادت تقارير غير حكومية بان الفقر المدقع طال خلال السنوات الأخيرة نحو ثلثي المواطنين في محافظات المثنى والديوانية وذي قار ونيسان..
وبشأن المعالجات، فقد بين وزير العمل والشؤون الاجتماعية د. عادل الركابي، ان وزارته “ تسعى الى تجاوز الازمة من خلال التعاون مع مختلف الجهات الدولية لإيجاد حلول سريعة لزيادة معدلات الفقر والبطالة، اضافة الى الاجراءات التي تقدمها الدولة للشرائح التي ترعاها الوزارة من خلال توزيع المنح بين المواطنين من اصحاب الدخل المحدود الذين تضرروا من اجراءات فرض حظر التجوال الوقائي”. وافاد بأنه سبق ان رفع طلبا لمجلس الوزراء برفع سقف الإعانة الاجتماعية وتوسيع الشمول لمستحقي الاعانات الاجتماعية وذلك بشمول اعداد اضافية من المستفيدين والاشخاص ذوي الاعاقة، فضلاً عن قيام الوزارة بحملة تفتيشية موسعة للشركات الاستثمارية لتسجيل بيانات العمال العراقيين والأجانب ليتم شمول العمالة المحلية بقانون الضمان الاجتماعي.
نأمل ان لا تكون تصريحات الوزير وعودا جديدة، فقد شبع الفقراء من الوعود حد التخمة. نقول ذلك وقد اعتبر الوزير الركابي سبب الزيادة في الفقر هو “جائحة كورونا وانخفاض اسعار النفط”، ونسى، أو تناسى، ان الفقر لم يحصل خلال بضعة أشهر، وإنما هو ظاهرة اقتصادية- اجتماعية سيئة، تعكس عدم المساواة بين المواطنين وانعدام العدالة الاجتماعية في المجتمع، ولها تداعيات خطيرة. من هنا، فان الحكومات الوطنية الحريصة على حاضر ومستقبل أجيالها، حتى في الدول الفقيرة، تولي لهذه الظاهرة اهتماما كبيراً، وتضعها في أولويات برامجها، ساعية بجد، وبكل ما تستطيع عليه، للحد منها، وصولا للقضاء على أسبابها..
واستطرادا، يحق لنا ان نعيب على الوزير تجاهله، شاء أم أبى، للمسؤولية الأساسية لسياسات وممارسات النظام الفاسد ومافيات أحزابه المتنفذة في تفاقم ظاهرة الفقر في العراق، التي هدرت ونهبت أموال الدولة، وافرغت خزينة الدولة، وتركت ملايين العراقيين من الكادحين، الذين يؤمنون لقمة العيش بما يكسبونه من عملهم اليومي، لا غير، يواجهون لوحدهم الأزمات المعيشية المتفاقمة، من دون أية مساعدة مطلوبة. فحتى المبلغ البائس الذي خصصته حكومة عبد المهدي (150 ألف دينار للأسرة الواحدة التي لا يقل عدد أفرادها عن 5، ولمرة واحدة) رحلت، غير مأسوف عليها، ولم تسلمه لمستحقيه.. لكنها سلمت خزينة الدولة لحكومة الكاظمي خاوية تماماً من المليارات..
ومع أننا لا ننكر تفاقم محنة الفقراء في ظل أزمة كورونا، وقد أظهر استطلاع أجرته “لجنة الإنقاذ الدولية” ((International Rescue Committee، المعنية بالأزمات الإنسانية حول العالم، شمل 1491 مواطنا في العراق، حول تداعيات أزمة كورونا عليهم اقتصاديا، أن 87 في المئة منهم فقدوا وظائفهم جراء الإغلاق، و73 في المئة قللوا كميات الطعام التي يأكلونها لتقليل النفقات، و68 في المئة ينفقون مدخراتهم، فيما ذكر 61 في المئة أنهم أصبحوا غارقين في الديون..
لكننا نُذكرُ السيد الوزير ببعض الحقائق عن مزيفي الدين والمتاجرين باسمه والكروش المنتفخة و”القطط السمان”، الذين تحولوا، خلال أقل من عقد من الزمن، من شحاذين حفاة الى مليارديرية، على حساب ملايين العراقيين، والذين كانوا يتفرجون، بكل صلافة واستهتار، على محنة ملايين الفقراء، التي فاقمها نظام الفساد والمحاصصة وتقاسم المغانم والسلطة والنفوذ والمال، وزاد من أعدادهم، غير مكترثين ولا اَبهين لمعاناة هذه العوائل وأطفالها تحت وطأة الفقر والجوع والبؤس والحرمان والأمراض، والملايين منها تقطن العشوائيات وخيم النازحين والمهجرين، محرومة من أبسط الخدمات العامة ومن حقوق الأنسان....
وتواصلا لنهج النظام الفاسد، و التشبث به، والدفاع عنه، نشهد هذه الأيام خطبا وتصريحات وتهديدات مسعورة، مقرونة بحملة إعلامية هستيرية لوعاظ سلاطين المنظومة التي خربت العراق ودمرتم ونهبت ثرواته وأذلت شعبه طيلة 17 عاماً، هدفها الأساس التغطية على فشل نظامهم السياسي، وفسادهم الإداري والمالي، وسرقاتهم، وهدرهم للمال العام ونهبهم للمليارات وتهريبها للخارج، واستباحتهم للوطن، وإمتهانهم لسيادة العراق، ومسخهم للثوابت الوطنية، وانتهاكاتهم للدستور وخروقاتهم للقوانين النافذة، وغيرها من الجرائم التي أرجعت العراق للوراء قرناً كاملاً.
ويبدو ان الهجمة المسعورة الراهنة هي ردة فعل على الخطوات التي قامت بها مؤخراً حكومة الكاظمي، وأولها إجراء عدد من التغييرات في المناصب العليا التي أزاحت عدداً من المتنفذين، وعزمها على إعادة هيبة الدولة وسيطرة القانون. وإعلان الكاظمي مراراً نيته محاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة، وقرب فرض سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية ومواردها وملاحقة العصابات المسيطرة عليها..
وكل هذا أرعبهم، مع ان بعض الوعود لم تنفذ لحد اليوم. فواجهوه بالتهديد والوعيد، ولجأوا مؤخراً لأساليبهم الخبيثة، تحت يافطة “الدفاع عن مصالح العراقيين” !، محملين حكومة الكاظمي، بكل وقاحة، وهي التي لم يمض على تسلمها لمسؤولياتها سوى بضعة أسابيع، “مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية أكثر”، متهمين إياها بـ “ الفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية “ و”في التصدي لأزمة كورونا “.. وبذلك يواصلون استغفال البسطاء والضحك على الذقون.
لقد وعد السيد الكاظمي بمكاشفة الشعب بشفافية، معلناً مراراً بأنها “ جاءت لخدمة الشعب بالأفعال وليس بالأقوال”. ويعرف القاص والداني ان الأفعال المطلوبة هي من ستعيد ثقة العراقيين بالحاكم وتشجعهم على إسناده. والأفعال الحقيقية لابد ان تستند الى الواقع بهدف معالجة المشاكل القائمة. وهذا لن يتحقق من دون الكشف عن الأسباب الحقيقية لكل مشكلة، ومنها مشكلة الفقر وتفاقمها، ومحاسبة المسؤول عنها!
وبانتظار تنفيذ الوعود..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث عراقي مقيم في السويد