دخلت قضية سد النهضة الاثيوبي طوراً جديداً ينبي باستبدال التفاوض باساليب سياسية جديدة، بعد ان احالتها مصر الى مجلس الامن، واعلان اثيوبيا على لسان مسؤولين كبار فيها  عن اصرارها  على ملء السد في شهر يوليو الحالي، مما يعتبره الاخرون تهديداً لامنهم القومي الذي اعلنوا جاهزيتهم للدفاع عنه.

مواقف الدول الثلاث:

تنطلق اثيوبيا من حقها الطبيعي في التحكم في مواردها وسيادتها الوطنية على ارضها. وتلتزم بقواعد لملء الخزان  مع مراعاة حقوق الشركاء وفق اعلان المباديء الذي تم توقيعه بينهم في 2015، والذي اقر حق اثيوبيا في التنمية مع ضمان عدم تضرر دولتي الممر والمصب. وتطالب مصر بملء الخزان على مراحل حتى لا ينخفض منسوب النيل بشكل مفاجيء، في حين تتمسك اثيوبيا بالملء الفوري.

 بالنسبة لاثيوبيا يشكل سد النهضة فرصتها الوحيدة لمحاربة الفقر. فهو من ناحية يوظف 8500 شخص على مدار 24 ساعة، ويشغّل 16 توربينا ، تنتج 6 الاف ميغاواط من الكهرباء، تسد احتياجات الاستثمار والبنى التحتية، ويصدر المتبقي الى بعض الدول الافريقية. فهو اكبر مصدر للطاقة في القارة.

ويحرم السد مصر من خمسة مليارات متر مكعب من المياه، ويدخلها في جفاف بعدد سنوات الملء. كما يفقدها مليون وظيفة، وتخسر بسببه 1,8 مليار دولار وكهرباء بقيمة 300 مليون دولار.

لذلك عبر وزير خارجية مصر امام مجلس الامن  عن رفض بلاده تهديد امنها المائي بسبب سد النهضة. ومن المقرر الآن استئناف المفاوضات  الثلاثية على مستوى اللجان الفنية بغية الوصول  الى اتفاق خلال اسبوعين، وتأجيل البدء بملء الخزان الى ما بعد التوقيع على اتفاق.

هشاشة سياسية:

وتعيش  الدول الثلاث مجتمعة  اوضاعاً صعبة. فاثيوبيا تواجه اضطرابات تتصدرها قومية (الارومو)، وقد تجددت الثلاثاء اثر اغتيال ابنها المغني الشعبي الشهير (هوند يسا). وفي السودان خرجت مسيرات في نفس اليوم لاستكمال ثورة ديسمبر. اما مصر فتواجه في سيناء تحركات التنظيمات الاسلامية، فيما تستعد لاحتمالات انفجار حدودها الغربية في اي وقت، عقب تدخل تركيا في الازمة الليبية. كما تخضع اقتصادات الدول الثلاث لاعادة هيكلة، وتعيش على وعود باستثمارات ومنح الخارجية، مما يدخل القضية في قلب التنافس الدولي على الموارد والنفوذ في القارة.

 وبمجرد طرح مصر القضية في مجلس الامن، هبت واشنطن داعمة لها. وقالت وزارة الخزانة (وليس الخارجية) الامريكية ان واشنطن سهلت اعداد اتفاق  بشان ملء  وتشغيل سد النهضة، بمساهمة فنية من البنك الدولي وبموجب اعلان المبادي الموقع بين الدول الثلاث.

لكن صحيفة اثيوبية وصفت الموقف الامريكي بانه (دنيء) ومنحاز لمصر، وقللت من اهميته “اذا كف الاثيوبيين  عن التناحر فيما بينهم، واظهروا الوحدة”. وحمّلت الصحيفة السياسة الامريكية الخارجية مسؤولية قيام حرب في افريقيا حول المياه.

وكانت اثيويبا قد امتنعت عن ارسال ممثل لها الى مفاوضات عقدت في واشطن في شباط الماضي. و قال وزير الخارجية الاثيوبي في آذار ان “الارض ارضنا والماء ماؤنا والمال مالنا ولا احد يستطيع ان يمنعنا من ملء وتشغيل السد”.

وعلى العموم يتطلع المراقبون الآن الى استئناف المفاوضات  الثلاثية على مستوى اللجان الفنية، بأمل التوصل الى اتفاق خلال اسبوعين، يبدأ بعدها ملء خزان السد بموجب الاتفاق الأصلي.

الخرطوم

عرض مقالات: