تحل هذه الأيام الذكرى الـ 57 لانتفاضة معسكر الرشيد، في  3 تموز 1963، التي خطط لها ونفذها فتية من العراقيين، من أبناء القوات المسلحة المسحوقين بنار الدكتاتورية الفاشية، التي اضطهدت القوى الوطنية، خاصة الحزب الشيوعي، واعتَقلت وعذَبت بوحشية حتى الاستشهاد. وقد شمل ذلك قادة الحزب الشهداء سلام عادل وحسن عوينة ومحمد حسين أبو العيس وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبد الجبار وهبي (أبو سعيد)، والآلاف من الذين ضحوا بحياتهم من أجل مبادئهم والغد المشرق الزاهر.

ومن هؤلاء الابطال من قاموا بالانتفاضة الباسلة بقيادة نائب العريف حسن سريع، المولود في السماوة ابن “صرائف الشاكرية” في بغداد، التي سكنت فيها عائلته.. ابن الشعب الجائع، والذي أطلق الرصاصة الأولى اعلاناً ببدء ساعة الصفر في معسكر الرشيد، حيث كان ضمن خطط الثوار كسر أبواب السجن رقم 1 في المعسكر، والذي كان يضم اكثر من 500 ضابط وطيار من خيرة ضباط الجيش العراقي، ممن كانوا قد اعتقلوا بسبب وطنيتهم وتصديهم لانقلاب 8 شباط الدموي، الذي تم بغطاء امريكي للاجهاز على ثورة 14 تموز ومكتسباتها الكثيرة.

عند اطلاق الرصاصة الأولى في الساعة الرابعة من فجر 3 تموز، شرع  الثوار بتنفيذ الواجبات الملقاة عليهم. إذ يقوم بعضهم  بالسيطرة عَلى الباب الرئيس الشمالي للمعسكر، بينما تسيطر مجموعة أخرى على الباب الجنوبي القريب الى السدة الترابية، التي تجاور منطقة بغداد الجديدة. كذلك يقوم ثوار آخرون بقطع خطوط الهاتف، ويتجه غيرهم الى محطة الكهرباء المحاذية للمعسكر، حيث توجد أجهزة لاسلكي متطورة.

ولم يكتب للانتفاضة النجاح بسبب ضعف التجربة وعفوية الثوار وجهل اكثرهم بواجباتهم، إلى جانب تخاذل الجنديين المكلفين بالسيطرة على باب المعسكر الشمالي، وقيامهما بأخذ التحية العسكرية للدبابة التي كان يقودها رئيس الجمهورية عبد السلام عارف، فضلا عن عدم تجاوب الضباط السجناء في كسر أبواب السجن، والتضارب في المواعيد المحددة للقيام بالانتفاضة - حيث كان السجناء مبلغين بأن يوم الانتفاضة هو 5 تموز وليس 3، ما أدى الى عدم معرفة الحقيقة - كذلك لم ينفذ الجنود في معسكرات التاجي والوشاش وأبو غريب ومعسكر محمد القاسم في البصرة، إضافة الى وحدات عسكرية آخرى، واجباتهم.

ان السبب في تقديم موعد التحرك من قبل ثوار المعسكر يومين، يعود الى سماعهم بأن السلطات سترسل السجناء المحتجزين في المعسكر الى سجن “نقرة السلمان”، فدفع ذلك إلى تعجيل الموعد، ما اربك الوحدات الأخرى.

وجابهت حكومة البعث، المنتفضين بالحديد والنار، وارسلت قادة الانتفاضة الى ميادين الرمي بالرصاص بعد محاكمات صورية، وفي مقدمتهم الشهيد حسن سريع.

اما عن دور التنظيمات العسكرية في البصرة، فقد سبق وان أجرينا حوارا -  نشر حينه في مجلة “الشرارة” النجفية - مع الشيخ الراحل موحان شيخ صالح الفريجي، الذي قال: “كنت عسكرياً في الفوج الثالث من اللواء الخامس عشر، وموقعه في معسكر محمد القاسم في البصرة، وعند سماعنا بأنباء انقلاب 8 شباط 1963، اتصلت بآمر الفوج الذي كان وطنياً، وهو العقيد مصطفى القره غولي، من اجل استعدادات تنظيماتنا الشيوعية في المعسكر، والتهيؤ للتحرك ضد الطغاة، لكنه لم يتجاوب معنا، ما ادى  ببعض الضباط البعثيين الى اخذ زمام المبادرة والسيطرة على معسكرنا. وقد كان يوجد ضمن تشكيلنا العسكري طائرات ميك 17-21، حيث تم الاتصال ببعض الطيارين للتوجه إلى بغداد وضرب المتآمرين هناك”.

وأضاف قائلا: “كانت خطتنا الثانية هي الايعاز الى تنظيماتنا الحزبية في القاعدة البحرية، وذلك للسيطرة على الطواقم البحرية التي لديها اجهزة لاسلكي متطورة، ممكن تحويلها الى اذاعة بث لتنظيم المقاومة ضد الانقلابيين. كذلك كانت لدينا وحدة عسكرية في منطقة الهارثة، تضم اذاعة تشويش، ممكن تحويلها الى اذاعة بث، لكن بسبب تسارع الاحداث لم نستطع تنفيذ هذه المهام”.

وتابع قوله: “بعدها تم العمل لإعادة التنظيم الحزبي العسكري، والاتصال ببعض المنقطعين. وقد رتبنا تنظيمنا على شكل خيطي بالاتصالات الفردية. حيث كنت انا برتبة نائب ضابط ورئيس عرفاء الوحدة العسكرية. اذ تم الاتصال ببعض الوحدات العسكرية في العمارة والناصرية للقيام بثورة في المنطقة الجنوبية، بالتعاون مع التنظيم المدني للحزب في البصرة، واتصلنا حينها بالحركة الكردية بواسطة جنود اكراد في المعسكر، أرسلنا معهم رسالة شفهية الى المرحوم مصطفى البارزاني عبرنا فيها عن استعداداتنا للثورة. وكان جوابه: ستجدوني في بغداد حال سماعي بالثورة، وربما اصل قبلكم إلى هناك مع القوات المسلحة”.

وأردف الشيخ: “اما عن مساهمتنا في انتفاضة معسكر الرشيد. فقد كانت الاخبار التي تصلنا عن طريق العسكريين المنقولين، تفيد بأن هناك مساعي للقيام بالثورة في الايام القادمة القريبة، وهذا يتطلب منا التهيؤ والاستعداد للمساهمة من خلال تنظيماتنا العسكرية، لكن للأسف، لم نسمع بالانتفاضة الا من خلال الراديو، بعد ان قدم الثوار موعدها يومين، ما أربك موقفنا ونشاط الاستخبارات العسكرية، حتى تم اعتقالنا - حيث كنا اكثر من مائة مناضل - بسبب هروب احد العسكريين الى ايران، وإلقاء القبض عليه في الحدود، ليدلي بمعلومات عنا. فاعتقلنا وحكم على بعضنا بالإعدام شنقاً، وكنت بين هؤلاء”، مبينا انه “بعد انقلاب 18 تشرين 1963 بيوم واحد، تم الحكم على تسعة ابطال بالإعدام شنقاً حتى الموت، و15 آخرين بالسجن المؤبد و21 مناضلاً بالحكم 15 عاما و49 بالحكم مدة 7 سنوات، وآخرين تم الحكم عليهم بين 5 سنوات وسنة واحدة، وبقينا في زنازين الطغاة حتى انقلاب 1968، وعلى إثر العفو خففت الأحكام وأطلق سراحنا”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

• باحث في شؤون “نقرة السلمان”