في كل عام يحيي شعبنا الفلسطيني في الداخل ومناطق الشتات القسري ذكرى يوم النكبة ، التي كرست تهجيره وطرده من ارضه ووطنه وسلبه هويته الوطنية وطرده من قراه ومدنه ، وحولته الى شعب منكوب لاجئ ومشرد في مخيمات الجوع والبؤس والشقاء ، وفيه نتذكر بحسرة ومرارة ذكرى ضياع الوطن وما حل بنا من مأساة انسانية .

وقد غدت مسيرة العودة ، التي تنظمها لجنة المهجرين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر الى القرى الفلسطينية المهدمة والمهجرة تقليداً سنوياً ،وذلك تعبيراً وتجسيداً عن رفضنا  لمشاريع الاقتلاع والتشريد ، وتمسكنا بحق العودة الى هذه القرى والمدن ، وستكون مسيرة العودة لهذا العام للساحل الفلسطيني.

وفي يوم النكبة نقف على اطلال ذاكرتنا وعلى ما تبقى من معالم اثرية وتاريخية لقرانا المهجرة: اقرت وكفر برعم واجزم وصبارين وصفورية والبروة والدامون وميعار والزيب وكويكات وعمقا والكابري والغابسية وقديتا والمنشية والصفصاف وام الزينات وجبع وبلد الشيخ والبطيمات وابو شوشه وام الشوف والسنديانة والبصة واللجون وسحماتا وكفر عنان وغيرها الكثير الكثير .

وفي هذا اليوم يعصف ويشيع الشوق والحنين في داخل كل فلسطيني الى مدننا الفلسطينية التاريخية العريقة بيسان وقيسارية ، حيث كان لنا في بيسان ارض وبيت وحاكورة وكرم عنب ونخيل وحقول تين وزيتون وصبار . فهي ضيعة ووطن الفلسطينيين المهجرين والمشردين في المنافي والمهاجر ، التي تسكنهم في افئدتهم ومشاعرهم وعقولهم ، ولا يسكنون فيها وانما تزورهم كل ليلة في حلمهم ونومهم ويقظتهم .

وبيسان تلك المدينة الكنعانية الفلسطينية القديمة ، التي شدت لها فيروز بصوتها الملائكي الدافئ ، تعود نشأتها الى اكثر من 6000 سنة قبل الميلاد وعرفت قديماً باسم بيت شان ، وتشتهر بآثارها التي تدل على مكانتها وعظمتها عبر التاريخ ،  ونذكرمنها : الحصن وتل المصطبة والجسر والموقع البيزنطي القديم والمعابد الكنعانية .

اما قيسارية المستلقية الغافية على امتداد الساحل الفلسطيني وشاطئ البحر الابيض المتوسط ، فهي قلعة تاريخية عريقة ذات موقع أثري ، بناها الكنعانيون وافرغت من سكانها في عام النكبة ، وأثارها الاسلامية العربية الباقية ما زالت شاهدة على عراقتها ومجدها واصالتها وشموخها، ومسجدها الساحلي الجميل المبني منذ العصر الاموي حولته المؤسسة الصهيونية الى مطعم وخمارة .

ان الوعي الجمعي باهمية احياء ذكرى يوم النكبة يتزايد عاماً بعد عام ، بكل ما يرمز ويحمل من أبعاد ودلالات ومعان سياسية ووطنية ، وفي مقدمتها التمسك بالعودة وبحق العودة ، وحق المقاومة الشعبية حتى ينال شعبنا استقلاله ويسترد حقوقه المغتصبة بالكامل .

اخيراً ، فأن ذكرى النكبة خالدة وباقية وراسخة في اعماق كل ابناء النكبة ، الذين يتوقون الى فجر الحرية والعودة .وكم نحن بحاجة في هذه المرحلة التاريخية العاصفة، التي تتعمق فيها المؤامرات على قضية شعبنا  ، الى تعزيز الشعور الوطني، وتفعيل شعر العودة والوطن ،وتأصيل ادب وثقافة العودة وتعريف اجيالنا الشبابية الفلسطينية الجديدة بمعالم فلسطين واماكنها ومواقعها الأثرية المقدسة  . وألف تحية لكل المشردين في مخيمات اللجوء المتعطشين الى العودة  وملامسة تراب الوطن ،  ولنردد مع شاعرنا الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد ، وبصوت  فيروز العذب :" سنرجع يوماً الى حينا / ونغرق في دافئات المنى / سنرجع مهما يمر الزمان/ وتنأى المسافات بيننا ".

عرض مقالات: