كان تبرير الحرب هو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل (السلاح النووي) من أبرز وأهم التبريرات التي حاولت الإدارة الأمريكية وعلى لسان وزير خارجيتها كولن باول ترويجها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. قبل وقوع الحرب صرح كبير مفتشي الأسلحة في العراق هانز بليكس أن فريقه لم يعثر على أسلحة نووية وكيمياوية وبايلوجية ولكنه عثر على صواريخ تفوق مداها عن المدى المقرر في قرار الأمم المتحدة (150 كم) المرقم 687 في عام 1991 وكان العراق يطلق على هذه الصواريخ اسم صواريخ الصمود. وقد وافق صدام حسين ومحاولة منه لتفادي الصراع بتدميرها من قبل فريق هانز بليكس.  وبعد سقوط بغداد قام الرئيس الأمريكي بإرسال فريق تفتيش برئاسة ديفد كي الذي كتب تقريراً سلمه إلى الرئيس الأمريكي في 3 أكتوبر 2003 نص فيه أنه " لم يتم العثور لحد الآن على أي أثر لأسلحة دمار شامل عراقية" وأضاف ديفد كي في استجواب له امام مجلس الشيوخ الأمريكي أن " بتصوري نحن جعلنا الوضع في العراق أخطر مما كان عليه قبل الحرب. عند صدور القرار 1441 اعلنت كل من روسيا والصين وفرنسا وهم من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ان القرار 1441 لا تعطي الصلاحية باستعمال القوة ضد العراق وكان هذا الموقف هو نفس الموقف الأمريكي والبريطاني في بداية الأمر ولكن موقف الولايات المتحدة تغير بعد ذلك ويعتقد بعض المراقبين ان الولايات المتحدة كانت مصممة على استهداف العراق عسكريا بغض النظر عن إجماع الأمم المتحدة وان لجوئها للأمم المتحدة كانت محاولة لكسب شرعية دولية للحرب على غرار حرب الخليج الثانية. كانت المملكة المتحدة وحتى أيام قبل بدأ الحملة العسكرية تحاول الحصول على قرار دولي صريح وبدون غموض يشرّع استخدام القوة على عكس الإدارة الأمريكية التي بدت قبل أيام من بدأ الحملة غير مبالية كثيرا بالحصول على إجماع دولي ويرجع هذا إلى الاختلاف الشاسع في وجهتي نظر الشارع البريطاني والأمريكي تجاه الحرب فعلى عكس الشارع الأمريكي الذي كان أغلبه لا يمانع العمل العسكري وجد طوني بلير معارضة شديدة من الشارع البريطاني وحتى في صفوف حزبه حزب العمال.

 أسهم الاحتلال الأمريكي في تغيير موازين القيادة داخل العراق بعد سقوط النظام، حيث أدى إلى بروز تيار الإسلام السياسي كقوة فاعلة في العراق، تزامناً مع فشل المشروع القومي ، وتعثر اليسار العراقي والعربي بشكل عام. فأصبح العراق تحت قيادة احزاب اسلامية انعكس ذلك سلباً على الداخل السياسي العراقي، من حيث تعامل الحركات السياسية الطائفية مع بعضها بعضا دون الاعتماد على النهج الديمقراطي في تسيير عجلة العملية السياسية. دور العراق في المشروع الأمريكي فيما بعد الانسحاب حددته الأطراف الرئيسية في العملية السياسية، ويتحدد ذلك من خلال المفاوضات بين الجانبين على أسس وطنية تسهم في تصحيح مسار العملية السياسية، وذلك بإلغاء المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة الوطنية، وتفعيل دور المصالحة الوطنية، واستيعاب كافة الأطراف في بناء مركز الدولة، بالإضافة إلى عقد المؤتمرات الوطنية الفعالة مع الفصائل المعارضة والتي لم تتلطخ اياديهم بالدم العراقي ، ومحاولة دمجها في التشكيل الحكومي. كل ذلك من شأنه أن يدفع باتجاه بناء عراق قوي يستعيد مركزه وقوته الداخلية والإقليمية، وإفشال مؤامرات المشروع الأمريكي التي تسعى إلى إعادة المشروع من الخارج للتأثير في الداخل العراقي، بعد استغلال الضعف الداخلي. تكمن ازمة الدولة في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص انها كانت نتيجة طبيعية للإستعمار الكولنيالي، فهي لم تكن نتاجا طبيعيا للبيئة المحلية ولا تعبيرا عن رغبات الجماعات السكانية المتنوعة او تمثيلا طبقيا للمجتمع، بل انها كانت نتاجا فوقيا.

 لا اعتقد يوجد عراقي مؤيد او معارض لنظام صدام لا يعرف جرائمه بحق شعبه عامة والمقربين منه خاصة فقد وزّع اجرامه على الكل، خاض الديكتاتور حربين ضروستين دفعنا نحن العراقيون اثمان باهظة بسبب اشباع نزواته الشريرة، والعراق منذ عام 1991 بعد خيمة صفوان سيئة الصيت أصبح تحت الانتداب وفقد سيادته على ارضه وسماءه وعلى امواله حتى العملة اصبحت مزورة. فالاحتلال كان منذ 1991 وليس في عام 2003 كما يعتقد البعض. كل عراقي يعرف مدى تأثير الحصار الاقتصاد ومدى تأثيره على حياة الشعب، العالم بأجمعه تأمر على الشعب العراقي.  النظام العراقي اتبع سياسات مبرمجة ضمن سيناريو أمريكي محكم بدأ بانقلاب عام 1968 بتدبير المخابرات الغربية وادواتهم عبدالرازق النايف وابراهيم الداود كواجهة للانقلاب الذين مهدا لعودة البعث الى الحكم. و هنالك ترابط بين وصول صدام للسلطة في العام 1978وتخليه عنها في 9نيسان العام 2003 حيث تم تسليم بغداد للأمريكيين بدون مقاومة.                                              

يعترف محللون غربيون أن الحرب على العراق واحتلاله عام 2003 لم تكن حربا تكتيكية بأي حال من الأحوال ، بل هي استراتيجية وفقا لجميع المعايير .. ويوضح هؤلاء بأن هذه الحرب كانت من اجل النفط والسيطرة الأمنية وحسم الصراع الثقافي وإعادة رسم الخرائط السياسية والأيديولوجية وإعادة النظر جذريا في العلاقات الدولية للمرحلة الممتدة من الحرب العالمية الثانية إلى الوقت الحاضر، بالإضافة إلى تثبيت أقدام إسرائيل في الشرق الأوسط ليس فقط كدولة إنما كلاعب رئيس في تقرير شؤون المنطقة برمتها ..هذه هي باختصار شديد أهداف الولايات المتحدة من غزو العراق والتي عبر عنها الخطاب السياسي الأمريكي. القارئ للسياسة الامريكية منذ الحرب العالمية الثانية والى الآن يتبين ان ما من خطوة تريد القيام بها وتعلن عنها علنا فكثيرا ما تقوم بالعمل وبعدها تعلن وليس من سياسة امريكا او اسرائيل ان تقاد لحرب بل هي من تقود الاخرين للحرب. فقد  قامت الولايات المتحدة والدول الحليفة باستخدام اليورانيوم المنضب المحرمة دوليا بكميات كبيرة خلال حربي 1991 و2003 ضد العراق مما نتج عنه تأثيرات خطيرة على الواقع الصحي والبيئي في العراق تسبب في موت الآلاف وإصابة عشرات الآلاف منهم بأمراض خطيرة كالسرطانات والتشوهات الخلقية والإجهاض المتكرر عند النساء وغيرها من الأمراض التي سيظل يعاني منها العراقيون لعشرات السنين القادمة.   ان مسالة تقسيم العراق في الخطاب الأمريكي نجده من خلال ما قامت به قوات الاحتلال منذ العام 2003 بإثارة العنف والنعرات الطائفية هو جزء من استراتيجية تقسيم العراق وتفتيته ، فالمعروف أن العراق كان دولة يتعايش مواطنيها بإخوة ومحبة دون تمييز أو تفريق سواء على الصعيد الجماهيري أو على المستوى الرسمي والوظائف الحكومية التي شاركت فيها نخب متعددة تمثل جميع أطياف الشعب العراقي , كما كان الناس يتعايشون في أحياء مشتركة تضم السنة والشيعة والكرد والمسيحيين والصابئة واليزيديين وغيرهم تجمعهم محبة العراق والوحدة الوطنية وكانوا يتزاوجون فيما بينهم ويتعايشون مع بعضهم لا يفرقهم مفرّق مهما كان عصيبا .                         

يوم 2آب من العام 1990  آثاره المأساوية لن تقتصر على احتلال الكويت وانهيار النظام العربي وفقط فان المغامرة المجنونة التي قادت الى كارثة احتلال الكويت هي مغامرة كانت تنتظرها الولايات المتحدة الأمريكية وتتشوق لها لأنها وفرت لها افتعال التداعيات والظروف التي تحقق حلمها باحتلال العراق وتحويله الى نقطة ارتكاز استراتيجية للسيطرة على المنطقة. لا يستطيع أحد أن يمنع الأعداء من استغلال النتائج العملية للتصرفات السيئة التي يتسبب بها الحكام العرب بسوء نية أو حسن نية، فعلى سبيل المثال قد استغلت إسرائيل الحرب الأهلية في لبنان لتقول إنها جزء من الصراع الديني الذي هو من طبيعة هذه المنطقة كما أنها استفادت من احتلال إيران للجزر الإماراتية ابتداءا  من أيام الشاه لتؤكد أن الحدود بين الدول في المنطقة قابلة للتغيير، وقد كان احتلال الكويت وهو بلد عضو في الأمم المتحدة مثالاً تمسكت به إسرائيل في الترويج له كنموذج لحقيقة الصراعات في المنطقة.                          

تواجه ظاهرة الاستقرار السياسي في العراق مجموعة من المعوقات تأتي نتيجة لأوضاع وأحداث تشهدها الساحة العراقية وتختلف في عدد من جوانبها عن مؤشرات عدم الاستقرار السياسي المتعارف عليها، وتدفع هذهِ المعوقات صوب وجود حالة من عدم الاستقرار يعاني منها العراق، وتختلف حدتها بين الحين والآخر فما أن يحصل نوع من الاستقرار لمدة معينة حتى ينتكس هذا الاستقرار بأزمة أخرى أو حدث ما آخر.   الصراعات السياسية بين النخب الحاكمة والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وضعف أو انعدام الثقة في ما بينها والتضارب في المصالح الشخصية والحزبية وتغليبها على المصلحة العامة والوطنية وعدم الاعتماد على قواعد التنافس واللعبة الديمقراطية واستشراء الفساد السياسي والإداري، كل ذلك أثر ويؤثر سلبًا وبشكل كبير على الاستقرار السياسي المطلوب في العراق.          

الأحداث والمتغيرات والتطورات التي واكبت تطور مجتمعنا العراقي –وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمعات العربية- تفرض علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الخصوصية في تطور مجتمعنا ، وعدم إمكانية تطابق مساره التطوري مع المعيار أو المسار الأوروبي . استمرار تطور العلاقات الاجتماعية في بلادنا على صورتها المشوهة الراهنة ، هو أمر بقدر ما يتعارض مع قوانين الحياة ومتغيراتها وتراكماتها الدافعة صوب الارتقاء والتقدم ، يتعارض أيضا مع نضال شعبنا وتضحياته الغالية خلال العقود الماضية ، من أجل تحقيق اهدافه في العدالة الاجتماعية والديمقراطية، الامر الذي يستوجب استنهاض القوى الخيرة والاحزاب المعروفة بمواقفها الوطنية ومقارعة الرجعية والديكتاتورية ، كضرورة موضوعية ملحة، حتى لا يصبح المستقبل , ننساق إليه من قبل نظام العولمة الامريكي الصهيوني الذي نجح الى حد كبير في السيطرة على مقدرات شعوبنا، لذلك فإن عملية استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل سيبقى رهاننا الدائم والمستمر ، للإسهام في تعبئة طاقات مجتمعنا بارتباطه العضوي مع محيطه العربي في ظل عالم يموج بالمتغيرات ,ولذا فإن غالبية الدول النامية تبقى خارج الدائرة التكنولوجية الأساسية. لهذا السبب تغادر الأدمغة البلدان المتأخرة في تطورها الى حيث يمكن أن تجد فرصاً لتحقيق ذاتها، وهذا ما يريده المشروع الأميركي الذي يهتم بإدخال تعديلات على أنظمة تعليمية تعتبر مصدراً لإنتاج الكرّه لأميركا، وبالتالي فإن هذه الاقتراحات تستهدف وضع اقتصاديات المنطقة العربية عموما والعراق خصوصا في منافسة غير متكافئة بما يؤدي لتدمير ما تبقى.