كشفت انتفاضة تشرين السلمية الشبابية حقائق كثيرة عن معادلة الحكم و عن اسباب الإستعصاء الجاري في اختيار رئيس الوزراء، و عن عمليات البيع و الشراء للمناصب العليا .  . و بالتالي عن ماهية المحاصصة التي لاتقوم حتى على نسب المكوّنات و المخاطر الطائفية و الإثنية الناجمة عنها فحسب، بل على نسب مداخيل الكتل الحاكمة من واردات البلاد و من ثرواتها و من الاتفاقيات الاقتصادية و العسكرية و المتنوعة التي تعقدها وزارات الحكومة و من يقوم بها من افراد الكتل الحاكمة، كما تنشر كبريات الصحف و وكالات الأنباء الداخلية و العالمية و ما تتناوله بتفاصيل مواقع التواصل، عن مسؤولين حكوميين و برلمانيين سابقين و حاليين.

دلّل و يدلل على ذلك، تعنّت الكتل الحاكمة بإختيار اشخاص منها او ممن يدور بافلاكها لمنصب رئاسة الوزراء و في عمليات التغيير المنشود الذي (ترفعه هي ايضاً) كشعار يصمّ الأذان من جهة، و دلل و يدلل على ذلك مواجهات الميليشيات المسلحة الوحشية المتنوعة من (الطرف الثالث)، ثم من (الطرف الرابع) المسلح بالسكاكين و الهراوات الذي استهدف المتظاهرات النسويات السلميات علناً في رابعة النهار، و الرافع لشعارات (التغيير) رغم تساقط شهداء و جرحى من صفوفه(1)، في مواجهات للشباب المتظاهر السلمي الأعزل المطالب بالوطن و بابسط حقوق المواطن بالخبز و العمل و الحرية، التي كفلها الدستور، من جهة اخرى. 

                 فالصراع يدور على كعكة البلاد بين سُراّقها و بين المحرومين منها كحق من حقوقهم بإعتبار ان (الشعب هو مالك الثروات) كما ينص الدستور .  .  و لم تكن مصادفة ان دعت و شدّدت المرجعية العليا للسيد السيستاني الحاكمين الى ( التنازل عن قسم من ثرواتهم المتواصلة من اجل خير البلاد و ابنائها و من اجل نهوضها) .  . الأمر الذي حدده في السابق قانون (من اين لك هذا ؟) الذي وضعته الكتل الحاكمة على الرف.

في واقع دعى الى ان يرفع الكثير من العارفين و المتابعين اصواتهم لضرورة و أهمية التشديد على تطبيقه الآن ضمن المطالب العاجلة، من اجل سد النقص في الموازنة و إنصاف الطبقات المسحوقة .  . في زمن الانتصارات التي تحققها انتفاضة تشرين و زخمها الهائل الذي الغى العديد من المكياجات و تزويقات و (قوانين) الكتل الحاكمة، الغير الموجودة بالدستور و لا حتى بالإشارة .  .  رغم انواع الاساليب القمعية الوحشية و الرخيصة في مواجهتها.

                 في وقت تشدد فيه اوسع الاوساط الشعبية و الخبيرة و المجربة الى اهمية استقلال القرار العراقي عن يد الخارج الحديدية سواء كانت اميركية او ايرانية او خليجية و غيرها، فيما تشدد اوساط اخرى، على ان الموضوع الخطير الآخر يعود الى محاولات كبرى لسيطرة الجوار على مداخيل البلاد، عبر قنوات حزبية او طائفية او ميليشياتية، مهما تكن حالة الشعب العراقي و بأي ثمن مهما كلّف البلاد و امنها و سلامتها . . لفكّ ازمته هو، بسبب الحصار الدولي الذي يعاني منه، و محاولات آخرين لمواجهته على ارض البلاد .  . بشعارات لاتخصّ البلاد و لا شعبها و نهوضها.

                 و يرى مراقبون ان اي تغيير تطالب به المظاهرات و الإعتصامات السلمية لابدّ و ان يواجه حيتان الفساد و المكاتب الاقتصادية للاحزاب الحاكمة و سيطرتها على موارد البلاد و تقسيمها مزاد العملة بينها (2)، بحراسة  ميليشيات الطرف الثالث المعروفة التي تحمي النهب، و تحرّك الآخرين بسلاحها المنفلت لإنهاء الانتفاضة و لكن هيهات. ولابد من قانون احزاب يحرّم الطائفية و الإثنية و يدقق بميزانياتها المالية و ابواب صرفها و سلوك اعضائها بالمال العام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. في سلوك اساء كثيراً لسمعة تياره و تسبب بانخفاض شعبيته الى حد كبير .
  2. مزاد العملة الذي تسيطر عليه الأحزاب الحاكمة و تحقق منه مليارات فلكية متواصلة من العملة الصعبة لها، قاطعة الطريق على نشوء آلاف المشاريع من الكبيرة الى الصغيرة ، التي تكفي لتشغيل مئات اللآلاف من العاطلين عن العمل، و خاصة الشباب و الشابات منهم.
عرض مقالات: