اعتبارا من الأول من تشرين الأول 2019 وبسبب اشتداد وتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد هبت الجماهير الشعبية في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية وعجز الحكومة الحالية عن تقديم أي مشروع ينال ثقة المواطنين حيث اصبحت الهوة بينها وبين المواطنين كبيرة بعد قتل اكثر من 320 شهيدا من المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بحقوقهم الدستورية مطالبين باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بصلاحيات استثنائية بالإصلاحات الضرورية ومواصلة تنفيذ الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تأتي وفقا للحاجات الملحة للمواطنين واقامة حكم وطني قائم على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وبعيدا عن نهج المحاصصة والطائفية السياسية.
ان منهج المحاصصة والطائفية السياسية هو أس الأزمة وجوهرها وهو الذي ادى الى تعميق التفاوتات الاجتماعية وغياب العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد بكافة اشكاله ليحتل العراق المراتب الاولى بين دول العالم الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية الدولية. وقد عجزت كل الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية عن شن حرب على الفساد والمفسدين واستعادة الأموال المنهوبة على الرغم من تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي ظل حبرا على ورق. لذلك فإن استقالة الحكومة تؤمن التداول السلمي للسلطة بعيدا عن الصراعات المتأججة.
وفي الحركة الاحتجاجية اليوم نشاهد انخراط العديد من الشرائح الاجتماعية التي عانت وتعاني من سوء ادارة نظام الحكم، الى جانب مساهمات جماهير الطلبة والنساء والنقابات واصحاب التكتك وفئات المجتمع بصورة عامة. فالجماهير اليوم تطالب بنمط آخر في ادارة الدولة والخلاص من الفساد والعجز الحكومي وسوء الادارة وبتغييرات اقتصادية عديدة والحفاظ على الاستقلال السياسي للبلد واستقلال قراره بعيدا عن تدخلات دول الجوار القائمة اليوم بشكل صارخ ، اضافة الى محاسبة من تسبب في قتل اكثر من 320 شهيدا من الشباب المسالمين وجرح واصابة اكثر من 15 ألف جريح وتقديم من أصدر اوامر قتل المتظاهرين السلميين الى المحاكمة العادلة ( وليس كما صدر مؤخرا قرارا بسجن احد القناصين الذين قاموا بقتل المتظاهرين السلميين لمدة ثلاث سنوات ، وقد يشمل بالإعفاء من خلال التدخلات السياسية الداخلية والخارجية).

ويلاحظ على سمات الحركة الاحتجاجية:

1) وضوح الهدف: حيث يطالب المنتفضون اليوم بوضوح باستقالة الحكومة وبإصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة والطائفية والفساد والترهل واعتماد الهوية الوطنية والكفاءة والنزاهة.
2) البعد الوطني للتظاهرات، اذ شملت التظاهرات معظم محافظات العراق والتي تؤشر الى ان دولة المواطنة بدأ يفرضها المجتمع من الأسفل لعدم رغبة القوى المتنفذة الحاكمة وعدم قدرتها على اتخاذ خطوات ايجابية فعلية تجاه دولة المواطنة.
3) الطابع الشعبي العام: حيث اسهمت شرائح اجتماعية عديدة في انتفاضة تشرين من عمال وفلاحين ومثقفين وأكاديميين ونساء وطلبة وغيرهم فيما كان الحضور الغالب للشباب واليافعين.
4) المحتوى الاجتماعي: مطالبة المتظاهرين بتحقيق العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي ومكافحة البطالة والفساد وتضييق الهوة بين مستويات الدخل ومعالجة سلم الرواتب ...الخ .
5) سلمية الاسلوب: مارس المواطنون حقهم في التعبير عن التظاهر السلمي والكفاح اللاعنفي وهو حق مكفول دستوريا.
وكان من نتائج الحراك الجماهيري منذ 2011 وانتفاضة الأول من اكتوبر 2019:
• اشاعة مفهوم الدولة المدنية.
• كسر هالة القداسة المحيطة بعدد من الرموز.
• اهتزاز اسس البناء السياسي الطائفي.
• تصدع جدار المحاصصة.
• وضع مطلب الاصلاح والتغيير على جدول عمل الحياة السياسية.
• تحفيز المرجعية العليا في النجف على اتخاذ مواقف أكثر وضوحا وحزما في مطالبة الحكومة بالاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة ودعت المتظاهرين الى عدم العودة الى بيوتهم الا بعد استجابة الحكومة لمطالبهم.
• تشريع مجلس النواب عددا من القوانين استجابة لمطالب الجماهير الشعبية.
• تنشيط دور هيئة النزاهة بتقديم بعض الفاسدين للمحاكمة (بعد ان كانت غائبة).
• فرض استقالة وازاحة مسؤولين كبار في بغداد والمحافظات بما فيهم بعض المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات.
• السعي نحو تخفيض رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث واصحاب الدرجات الخاصة.
• مطالبة المتظاهرين بتحقيق استقلال القرار السياسي للعراق وعدم السماح لدول الجوار بالتدخل بالشأن العراقي.
• أصبح الاصلاح مطلبا جماهيريا.
قامت الحكومة بتقديم حزمة اصلاحية بهدف امتصاص غضب الجماهير وكسب الوقت، وحتى الحزم الاصلاحية التي قدمتها الحكومة كحصر السلاح بيد الدولة والعمل على دمج فصائل الحشد الشعبي بأجهزة الدولة وتحقيق ضمان الحريات والأمن والخدمات والنمو الاقتصادي واجراء التعديل الوزاري بعيدا عن المحاصصة واجراء اصلاحات اقتصادية وزراعية وخدمية ومكافحة الفساد والبطالة وسوء الخدمات وتدريب العاطلين ومحاسبة المسؤولين عن العنف وتوزيع الأراضي السكنية وتجميد العمل بالقوانين التي تمنح الحق باستلام الشخص اكثر من راتب او تقاعد او منحة ودعم التعليم المهني وتوزيع الأراضي الزراعية وغيرها العديد من الوعود التي لا تتمكن الحكومة من تنفيذها وهي حزم اصلاحية مستحقة منذ وقت طويل عجزت كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم من تحقيقها، ولم يكن من الضروري قتل اكثر من 320 شهيدا من المتظاهرين السلميين واصابة اكثر من 20 ألف متظاهر ليتم تحقيق هذه المطالب .
ان حزم الاصلاح الثلاث التي قدمتها الحكومة هي مجرد حلول ترقيعية ومسكنة هدفها امتصاص غضب الجماهير التي عانت من النظام السياسي القائم على المحاصصة والطائفية والفساد . وقد فقد المواطنون الثقة بالحكومة ووعودها مع استمرار القتل العمد والتهرب من المسؤولية والاغراق اليومي للانتفاضة الجماهيرية السلمية بالدم والاعتقال والخطف فالحكومة واجهزتها القمعية هي المسؤول الأول عما يجري من قتل وخطف وقمع وتكميم الأفواه، والحل يكمن ليس بتقديم الحكومة لبعض الاجراءات الترقيعيه وتبديل الوزراء بآخرين وإنما بإقامة حكومة انتقالية جديدة بديلة تضع في اعتبارها الحقائق الجديدة التي افرزتها الانتفاضة وان تكون بعيدة عن المحاصصة والفاسدين والفاشلين وان تتشكل من شخصيات وطنية كفؤة ونزيهة .