مثلما عشرة ايام هزت العالم، حسب الكاتب الامريكي جون ريد عن ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا في السابع من أكتوبر عام ١٩١٧ ، فان ضمائر العالم تهتز اليوم تعاطفاً وقد  فجر الشباب العراقي ثورته الشعبية المباركة في الاول من أكتوبر عام ٢٠١٩ واستعاد امجاد مئة عام من نضالات الشعوب من اجل الحرية والاستقلال الناجز والعيش الكريم ، والتحق شعبنا  ممشوقاً بقامته مستفزاً بذلك  ذاكرة الشعوب الحية للتغني بإرث ثوراتها الكبرى على طول الارض وعرضها.

صحيح ان لكل ثورة ظروفها التاريخية والموضوعية لكن مشتركات اشتعالها تكمن في إمعان السلطات في الاستبداد واشاعة الفقر وعسكرة الحياة وانتهاك حقوق الانسان بوحشية من قبل الطغاة وحواشيهم.

  كم كنت حزيناً بعد عودتي من المنفى القسري - هرباً من جحيم ديمقراطية العفالقة -   الذي اكلت محطاته من عمري أربعين عاماً ، وانا أتلمس عند عودتي ما تركته اثار حروب الدكتاتورية وقمعها الهمجي، على قيم وسلوك الناس وتدني الوعي والثقافة وجفاف أنهارها الثرية  بانكفاء مثقفيها. فأصابني الاحباط وأيقنت بان رد الجواهري العظيم على رسالة الطالباني في التسعينات من القرن المنصرم ايام المعارضة كان محقاً ، حينما سأله  اين قصائدك يا أباً فرات التي كانت تلهب مشاعر الناس في غابر الأيام فتنهض منتفضةً ، فرد عليه بحرقة قلب مكلوم  وحزن حكيم   لمن اكتب يا جلال " أأكتب  لجار لا يستجير لجارته او لمن لا يبوح امام اطفاله بوجع الضمير،  خوفاً من أن معلماً غير مشمول ...بقم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا... يسأل احدهم عن ما قال ابوه في القائد الضرورة فتتلقفه  المشانق ".

 لكنك ايها الراقد في مدافن دمشق نخلة باسقةً بين اهل الشام ، " أتعلم انت ام لا تعلم " بأن  أحفادك قد بددوا الاحباط وعبروا حدود الخوف وتمترسوا خلف ارواح شهداء الحرية؟ و في صدارتهم جعفر الذي لطالما ناديته " اخي جعفراً ..ان جراح الضحايا فم .. " وسيعبرون الجسور حيث يختبئ اللصوص في الضفة الاخرى لدجلة الخير كعادتهم؟  وسيهدمون يوماً حواجز الفصل بين الفقراء وسارقي قوت اطفالهم ، المقامة على تلك الجسور، مثلما عبرت مآثر بطولاتهم القارات كلها وزلزلت الارض تحت اقدام الصغار ، حاملين شعار " نريد وطن " وطناً حراً وملاذاً لأبنائه الخيرين.. وقد اجتمعوا على ذلك من كل ملل العراق ونحله ،  تتقدمهم قوارير ما تقدمت عليهن قوارير هذا الزمان قط،  وهن يزرعن الرعب في قلوب الطغاة، مزغردات طيوراً للحب  وحمامات للسلام  بجمال ارواحهن ، وجعلن من الطغاة عورات  يندى لها جبين الانسانية نظراً لسوء افعالهم بالقتل والخطف لهن ولأشقائهن وإن تلحفوا بالمقدس  زيفاً ، وجراح اطفالنا الشهداء يا أبا  فرات تصرخ فيهم " نازل أخذ حقي. " فنحن الشعب مصدر السلطات وحقنا ان نجردكم منها، ليشبع الجائع ... ويغتنى الفقير... ويستجاب المستجير ..ويؤوى الطريد ...ويعود النازح والشريد ..ويعلو العلم ويستتب السلم .

فتحية لثوار ساحات التحرير اينما نهضوا، ومجداً لشهدائهم، ولا تتراجعوا يا فرسان التكتك وأزقة الأحياء الفقيرة ، فالفاسدون يراهنون  على تعبكم وهم مرعوبون من صمودكم. 

فرابطوا في القمم ولا  تهبطوا الى الوديان لتجرفكم سيول الحقد، وحافظوا على سلمية مظاهراتكم ففي ظل السلم تفضح جرائم الطغاة وتزدهر الحياة.