يشكل المتدينون الجدد بعدا سياسيا مميزا في العلاقات الإجتماعية  لأنهم حاذقون برصد وبتبني  الظواهر المتجسدة في سلوك الإنسان ، وخاصة في المجتمعات التي تحكمها أحزاب إسلامية ، لا سيما الأوساط التي ينتشر في صفوفها نقص الثقافة الدينية الحقيقية ، بما تلزم به ، من تنظيم حياة البشر في الحياة الدنيا ، وبعض أسرار الطبيعة ، وما يتعلق بغيبيات روحانية بعد الموت بما في ذلك العلاقة بين الإنسان والسماء . فالمساحة الواسعة التي تتشكل جراء ذلك ، يستغلها المتدين لتحريف الدين الحقيقي بالصورة التي يصورها فكره ويعكسها بشكل يتماهى مع أجنداته ومراكزها الدولية ، فارضا تعاليمه على الناس ليحقق بها مآربه ومآرب رؤسائه ، عبر ما زرع من مريدين لهم في مرافق  الدولة التي ربطوا سياسة حكمها بمسار تدينهم بشكل يتناقض والقيم الخلقية للدين الحقيقي، مع سعي المتدين من التمكن من تكوين رصيد إنتخابي ثابت لحزبه أو كتلته عن طريق دغدغة المشاعر الطائفية التي سرعان ما يستجيب لها الطائفيون . وبهذا يصبح أمامه سهلا تفسير وحدانية التعاليم الدينية حسب ما تمليه أجنداته لكسب أناس جدد يُبرمجون على اساس تأييد أجندات تدينه الجديد كما بدا ذلك واضحا في نهج القاعدة وداعش وأخواتهما من الاحزاب المتشددة دينيا. 

 فعاشوراء مقارعة الظلم والطغيان مثلا يحوله المتدينون من قادة الأحزاب الإسلامية الى عاشوراء البكاء واللطم وإذاء النفس ، إظهارا لشدة تعلقهم زورا بقيم الدين الحقيقي ، فنراهم يشدون الأحزمة ويتسابقون بإطعام السائرين في المواكب الحسينية لدرجة الإسراف والتبذير ، آملين من وراء ذلك تجييش الناس وتعميق حسهم الطائفي ، بما يضمن إبقاءهم على مواقع القرار عبر إنتخابات يتكرر بها نمط سطوة العامل المالي والديني والطائفي.

من هنا يتحقق تغييب كيفية تحول البعض من رجال الدين عن الناس الذين يسود الإعتقاد بينهم ، بأن بهرجة المناسبات الطائفية والمزايدة على الحقوق الإنسانية والعدالة الإجتماعية ، سيُغطي على فساده  وطائفيته ، بالإضافة لما يُظهره من ورع ديني يشوه به الدين الحقيقي وتعاليمه الروحانية التي نصت عليها الكتب السماوية ، عازلا نفسه بحماية منظورة عن الجماهير الشعبية ومتمتعا ومحسوبيه بملذات الحياة الدنيوية. 

 كل ذلك يصبح في الكثير من الدول الإسلامية ، ظاهرة إجتماعية ترافق عملية ربط الدين بالسياسة التي تخوله في إتخاذ مواقف معادية للعدالة الإجتماعية والمساواة ، متناسيا ما ينتظره في الحياة الآخرة جراء أفكاره المحرفة لتعاليم الدين الحقيقي ، غير آبه بالنقد الموجه له من قبل المتدينين إلمحافظين على قيم الدين ، الذين يسعون لفصل الدين عن الحكم ، والذين يرهبون دهاليز الحكم والسياسة سواء بالصمت  أوالنطق.  

  مع هذا فإن ما تقدم لم يكن مقنعا ورادعا للإخوان المسلمين من محاولات السعي لإستلام السلطة حتى لو كلف ذلك سفك الدماء . كما أن تجربة الأحزاب الإسلامية في العراق بعدما أسقط العامل الخارجي الدكتاتورية عام  2003 خير دليل على أن المتدينين الجدد ربطوا سلطة حكمهم بالدين الإسلامي ، على الرغم من تواجد فرق وطنية وإسلامية فيه ، تدعو لفصل الدين عن السياسة  وإبعاده عن دهاليز السياسة الملتوية ، والتي شاءوا ام ابو . فهي مطب عميق لحرف الدين عن تطبيق رسالته  السماوية التي تؤكد على نشر العدالة والمساواة بين الناس.  

إن معظم قرارات وإجراءات المتدينين الجدد من أصحاب القرار  تقابل من قبل الجماهير المغيبة والمغلوب على امرها بتقديرات متفائلة اكثر مما ينبغي وتستحق ، عبر حسن الظن بتلك الأحزاب التي سيطرت على مقاليد الدولة ضمن أتفاقات ضمنها لهم نهج المحاصصة السياسي_ الإثني  المقيت ، فوزعوا وسائل النهب بالسحت الحرام والفساد فيما بينهم ، بدليل كانت واردات العراق لعام 2014  أكثر من  163ترليون دينار صرفت من قبل حكومة نهج المحاصصة دون قانون وأوجه صرف ولم تر منها الناس اي أثر يُحسن حياتهم اليومية. 

فالمتدينون الجديد حاذقون في تحويل التناقض بين الطبقات الإجتماعية إلى تناحر ، والإختلاف لحالة عدوانية حتى بين الأحزاب الإسلامية ، ناهيك عن الطائفية لمكونات شعبنا ، التي أخذتها حيرة فقدان مصداقية تلك الأحزاب بكثرة تقولها من انها ستقوم بدور الدفاع عن مباديء الإسلام بمحاربة الفساد والرشى ، ومن أنها ستنتصر للعدالة الإجتماعية والمساواة بين المواطنين ، بعيدا عن التحاصص السياسي والطائفي اللذين أبلوا الشعب بهما.

  وهنا يحضرني ما قام به اليابانيون من بناء لمعبدين دينيين في باريس أحدهما لمكون الشنتوية يقابلة معبد بوذي ( وهما الديانتان التي يدين بها الشعب الياباني) . وعندما سُئل أحد المسؤولين اليابانيين عن سبب ذلك ، أجاب حفاظا على التعايش السلمي بين الطائفتين ، ذلك لان الحكومة اليابانية تعمل على اساس أن عدد نفوس الشنتوية هو  120مليون نسمة والبوذيين  120مليون نسمة أيضا . فحار السائل من  عدد نفوس اليابان ، لكن المسؤول فاجئه بأن حكومتنا تُعامل الشعب كطائفة واحدة رغم ألإختلاف الديني ، لذلك نفوسنا هي أيضا 120 مليون نسمه ، إذ لا توجد فوارق بين المواطنين ، وبهذا يكون اليابانيون قد قدموا مثالا يحتذى به من قبل حكومات العالم بكيفية فصل الدين عن السياسة ، مع التأكيد على أهمية التحليل الفكري لقيام الدولة العلمانية ، وبهذا يكونوا قد أسقطوا مبررات الحكومات الإسلامية حول الجدل القائم الذي يندلع إثر مطالبة شعوبها بمشاريع تطبق العدالة الإجتماعية بين الناس والمساواة بين المرأة والرجل ، وكيفية أستحضار فكرة الكفر والإلحاد ومخالفة الشريعة والتجني على الديانات السماوية الأخرى التي تروجها بعض الفرق والأحزاب الإسلامية الحاكمة.     

عرض مقالات: