هناك شيء مزعج في الاسلوب الخطابي لبعض الناقمين، وهو اعتماده (اي خطابهم) على الحماسة العاطفية اكثر منه على الدراسة والتجربة الواقعية وخاصة تجربة ما بعد 2003. فلا شكّ عند المواطن الحائر، الراكض من العمل الى البيت ومن البيت الى الصيدلية!، بأنّ تغيير نمط حياته بات ملحا، ولا شك عنده ايضا، بأنّ الذين سرقوا قوته وأمنه ومستقبل اولاده ناهيك عن خراب بلده، مازالوا يتربعون على كرسي الجشع والاستبداد على الرغم من تنكر الكثير منهم بزي النزاهة والشفافية الجديدة!.
لقد انكشفت اللعبة وانفضحت المخططات حتى اصبحت النبتة الطفيلية التي اجتاحت الحقل السياسي في بلادنا مادة شيقة لتهكم الناس وسخريتهم وغضبهم في كل مكان، فالمواطن العراقي يعيش اليوم ازمة مصداقية حادة مع النخب السياسية التي حوّلت السياسة الى سلّم للارتقاء الاجتماعي والاغتناء الاقتصادي وجعلت العملية الانتخابية برمتها عبارة عن مسخرة تثير اليأس والاحباط وتدفع الملايين الى عدم الادلاء باصواتهم.
انّ الشعب العراقي، وبسبب ما دفعه غاليا من أمنه وحريته وكرامة عيشه ثمن لنرجسية سياسيين لا يفكرون الاّ بالنفوذ والريع في بلد يزداد جرحه عمقا كلّ يوم، متعطش بكلّ انفعالاته واجياله للانخراط الحقيقي والجدي في عملية التغيير، لكنّ تجربة الستة عشر عام دفعت بالسؤال: ((من يستطيع اعادة بناء البيت الذي تتقاطر من سقفه المياه، وايّ تجمع او حزب سياسي يكون بمستوى هذا التحدي الكبير؟)) ان يقفز الى المقدمة.
واذا ادركنا بأنّ الشعب العراقي، وحده دون غيره، الذي يستطيع ان يقود حملة تطهير تطيح بالرؤوس الفاسدة، فلابد من ان نعي ايضا، ان الشعب بدون قواه الحقيقية المعبرة فعلا عن مصالحه والمخلصة الى تطلعاته لا يمكن له ان يعثر على شيء حتى لو اقتحم اسوار (عش الدبابير) خاصة اذا ما علمنا بأن القوى المضادة التي تحركها اصابع اجنبية والتي لا تريد للعراق ان يخرج من عنق الزجاجة، قادرة على حشد كم هائل من الانتهازيين والمنافقين والمتملقين والمتخصصين باشعال الحرائق للتصدي الى اي حراك من شأنه ان يسلب منهم سلطتهم وامتيازاتهم.
لكن القوى والشخصيات التي لا نشك في نزاهتها وتفانيها في سبيل تأمين مصالح المواطنين مازالت صغيرة تحبو، وكلما حاولت ان تجد لها موطئ قدم في هذا الطريق المملوء بالحفر تتعرض الى سقطات مريعة، والدرس الذي يجب ان تستخلصه ومن اجل ان تتجنب المزيد من الانتكاسات والهزائم ويذهب العرق والجهد سرابا، عليها ان تنأى بنفسها عن اولئك الذين اصبحوا على طرفي نقيض مع تطلعات شعب اضناه الانتظار.
هذه القوى والتجمعات والشخصيات الوطنية بحاجة الى وجوه جديدة وعقول جديدة وطموحات جديدة وتغيير جذري في اسلوب التفكير، كما انها مطالبة بوحدة صفها وارادتها وتوجهاتها وان تأخذ من التجمعات الشعبية ميدانا لنشاطها وفعالياتها، وعليها ان تمنح نفسها المزيد من الوقت في العمل الهادئ والصحيح حتى يشتد عودها ويتسع نفوذها، وعندما يشعر المواطن بأنّ البديل (السلاح) الذي بواسطته يعاقب الذين مارسوا عليه التسلط وتلاعبوا بمستقبله وعبثوا بآماله بات موجودا ومؤثرا، حينئذ نستطيع ان نقول بأنّ اريج التغيير بدأ يفوح.