يتمتع المجتمع العراقي بمميزات وامكانيات عديدة تجعله من اكثر الدول حظاً في بناء النظام الاقتصادي والاجتماعي المتكامل واحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة المطلوبة، ولعل من اهم هذه المميزات والامكانيات هو ارتفاع نسبة الفئة العمرية الشبابية على باقي نسب فئات المجتمع، حيث كشفت وزارة التخطيط في العديد من تقاريرها ان نسبة السكان المسنين في العراق تبلغ ٣ في المائة‏ كما في تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لعام ٢٠١٨، وذلك يعني ان العراق من المجتمعات الشبابية الفتية القادرة على بناء واقعها بسواعد ابنائها على عكس الكثير من الدول التي تفتقر لهذا الشيء ، وان هذا المعدل من الطاقة الشبابية يعكس الثروة والقوة الحقيقة للمجتمع العراقي حيث يعد العراق من اكثر دول العالم شباباً بالرغم من الحروب المتتالية التي خاضتها البلاد خلال العقود الأخيرة وسقوط مئات الالاف من الشهداء، الا ان الواقع السكاني للعراق يشير الى هيمنة الفئات العمرية الشابة على باقي الفئات ، وبالرجوع الى حجم القوى العاملة في العراق قرابة ٧ مليون مواطن نجد ان هذا الرقم يشكل قوى هائلة لا يستهان بها اذا ما تم اعتباره احد اهم عناصر البناء والذي يمكن توجيهها نحو تدوير عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ان الإشكالية الاجتماعية والتخبطات الاقتصادية وحتى السياسية التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة بعد عام ٢٠٠٣ أدت في نهاية المطاف الى تهميش دور الشباب وسحبه باتجاه الصراعات السياسية والداخلية، وتحديد قدرته في قيادة الشارع العراقي باتجاه البناء والاعمار بعيداً عن تعقيدات الماضي ومداخلاته التي أسهمت في تشويه الحاضر، ولعل البناء السليم يتم من خلال طرح رؤيا شبابية معاصرة ومنطلقة من وعي لم يذق املاءات الديكتاتورية ولم يتخندق ضمن الانتماءات العرقية او المناطقية الضيقة،
لقد كان من اثار ابعاد القوى الشابة عن اخذ دورها الطبيعي في العملية التنموية والاجتماعية وطرح رؤى وافكار اكثر حداثة وواقعية الكثير من النتائج السلبية مثل تراجع المستوى الاقتصادي للبلاد ، وتفشي البطالة بين أبنائها بالرغم من تواجد كل الظروف الملائمة والضاغطة باتجاه البناء والعمار وقد يلاحظ المتابع للوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع ان هذه الاثار السلبية نتجت لأسباب عديدة من اهمها تقاطع المشهد الاجتماعي للبلد ضمن منطلقات الماضي الضيقة والبعيدة عن روح الشباب الذي قد لا يقيم أي وزن لقيود السنوات العقيمة التي لم يعشها ولم يخط قلمها في شخصيته الحالية .
ان القوة الحقيقية للعراق لا تكمن في ثروته النفطية الهائلة بقدر ما تتمثل بامتلاكه قاعدة شبابية كبيرة قادرة على استغلال هذه الثروة وتوجيهها باتجاه التنمية والبناء واعادة ترميم ما حطمته السنوات العجاف من حكم الدكتاتوريات المتعاقبة والتخبط السياسي الحالي، وقدرتهم على بناء جسور المودة بين فئات الشعب المختلفة والتي تعرضت الى شتى أنواع المؤامرات على المستوى الإقليمي بهدف تقطيعها وزجها في تخندقات ظلامية وتقديمها قرباناً للانتماءات الضيقة.
قد يكون احداث التغيير المطلوب للخروج من الازمات السياسية المتعاقبة وتصحيح المسارات الحالية التي ضلت طريق التنمية الاقتصادية والمجتمعية، او على اقل تقدير التأثير المباشر على متخذي القرارات السياسية والاقتصادية في الدولة العراقية مرهون بيد الجيل الجديد من الشباب الذين سئموا انتظار الفرصة لحياة حرة وكريمة ، وقد يلاحظ المتتبع للتاريخ العراقي الحديث مدى فاعلية الشباب وما مثلوه من خطر مستمر على الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق في عقوده الأخيرة من خلال أفواج التظاهرات التي قادت الشارع العراقي نحو قراراته المصيرية ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي وحتى هذا اليوم حيث كان ولا يزال وسيبقى الشاب العراقي هو صوت الضمير الحي لهذا الوطن الجريح .

عرض مقالات: